سيناريوهات وخيارات الصعود الحوثي ومستقبل أمن دول مجلس التعاون الخليجي لابد من الاتفاق بين دول مجلس التعاون على إستراتيجية سياسية ودبلوماسية للتحرك الخليجي حيال الأزمة اليمنية

> الأيام /قسم التحليل

> صدر عن المركز العربي للبحوث والدراسات يوم أمس الأول دراسة تحليلية للمشهد في اليمن عقب سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء وتمددها في أرجاء البلاد، والانعكاسات السياسية والأمنية لذلك على الساحة الداخلية والأقليمية.. ولأهمية الدراسة تعيد «الأيام» نشرها.
بعد مراحل عدة من الصراع بين الدولة اليمنية ومسلّحي الحركة الحوثية تمكّنت جماعة “عبدالملك الحوثي” المعروفة باسم “أنصار الله” في 21 سبتمبر 2014 من السيطرة بسهولة نسبية على مفاصل العاصمة صنعاء بما في ذلك: مبنى البرلمان، والبنك المركزي، وديوان مجلس الوزراء، ومقرّ القيادة العامة للقوّات المسلحة، كما تمكّنت أيضًا من اقتحام قيادة الفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها اللواء “علي محسن الأحمر” خصم الحوثيين الأبرز، وقاموا بجمع ما غنموه فيها وفي غيرها من المواقع بما فيها الحماية الرئاسية، والقيادة العامة للقوّات المسلحة من دبابات ومدافع وعربات مدرّعة وأسلحة خفيفة، وشرعوا في إرسالها إلى معاقلهم شمال العاصمة، وأعقب ذلك مهاجمة عدة منازل تابعة لأولاد الشيخ “عبدالله الأحمر” الذين يمثّلون زعامة حزب الإصلاح اليمني، وتدميرها، في إشارة رمزية تعني في اليمن هزيمة الخصم وإخضاعه.
وبحكم التماس الجغرافي، وباعتباره بمثابة العمق الإستراتيجي لدول مجلس التعاون فإن ما يجري في اليمن في الوقت الراهن من أحداث سيلقي بظلاله على أمن دول المجلس واستقرارها في مرحلة لاحقة، وهو بدوره يثير العديد من التساؤلات حول التداعيات المحتملة لما يحدث في اليمن على دول مجلس التعاون الخليجي والخيارات المتاحة خليجيًّا لمجابهة هذه التطورات.
وهذه الورقة البحثية مهمتها الإجابة عن هذه التساؤلات وطرح مقترحات للخروج من الأزمة من خلال تقديم توصيف دقيق للأحداث وتطوراتها، بما يساعد على رسم صورة واضحة للوضع الراهن يمكن على أساسها وضع السيناريوهات المتوقعة، وكيفية التحسب لها في ضوء تسارع إيقاع الأحداث وتفاعلها الديناميكي في اليمن.
**أولًا: قراءة في المشهد اليمنى وتأثيره على دول مجلس التعاون.

1 ـ الأبعاد والتطورات
بدأت إرهاصات الأزمة في مارس 2014 عندما استغل الحوثيون الارتباك المتزايد في المشهد اليمني، واضطرابات الجيش المخترق من قبل رجالهم، وتشتته في أكثر من جبهة في الشمال والجنوب، فقاموا بشن هجوم مباغت على مواقع تابعة للواء 310 مدرع، وهو اللواء الأقوى تشكيلًا وتسليحًا، والذي تعتمد عليه الدولة بشكل كبير في معاركها ضد الحوثيين، لتتحول محافظة عمران إلى ساحة حرب، استطاعت القوات الحوثية خلالها الانتصار على اللواء والاستيلاء على كامل عتاده وأسلحته، وقتل قائده العميد “حميد القشيبي”، وكان من نتائج هذه المعركة أن صار الحوثيون على بعد 50 كم من العاصمة صنعاء، مما يسر لهم الزحف إليها مع تهجير “آل الأحمر” من منازلهم ومعاقلهم في حاشد، ما أدى إلى اختلال موازين القوى لمصلحة الحوثيين والنيْل من هيبة الدولة.
ولم يتوقف الحوثيون عند هذا الحد، وإنما بدأوا أواخر أغسطس 2014 مرحلة جديدة في مخططهم، الساعي إلى تعزيز نفوذ تنظيمهم عبر إفشال متدرج لكافة عمليات التسوية السياسية المطروحة مثل مبادرة الرئيس “عبد ربه منصور هادي” في سبتمبر 2014 بتشكيل حكومة وحدة وطنية وخفض أسعار الوقود، فقد قام الحوثيون بمحاصرة العاصمة صنعاء استغلالًا لأزمة اقتصادية ذات أبعاد اجتماعية وشعبية وهي رفع الحكومة لأسعار الوقود حتى تمكنوا من الوصول إلى قلب العاصمة.
وبعد فشل مهمة المبعوث الأممي إلى اليمن “جمال بنعمر” في التوصل إلى صيغة اتفاق مع الحوثيين لوقف إطلاق النار في صنعاء، ووضع خطة سلام شاملة لشمال البلاد في ضوء نتائج الحوار الوطني الشامل التي تدعو إلى نزع واستعادة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من كل الأطراف والجماعات والأحزاب والأفراد التي نهبت أو جرى الاستيلاء عليها من الدولة، ورغم تأكيد الحوثيين أنهم يقاتلون خصومًا موالين لحزب “الإصلاح الإسلامي” وأنه لا نية لديهم لمهاجمة صنعاء، وإعلان أن أهداف ومطالب التحرك هي “إسقاط الزيادة السعرية وإسقاط الحكومة الفاشلة”، وأن هدف التحرك “ليس احتلال صنعاء، ولا ابتلاعها” استطاع الحوثيون في 21 /9 /2014 فرض سيطرتهم الكاملة على العاصمة، وهو ما دفع الرئيس “هادي” إلى التوقيع في اليوم نفسه على اتفاق “السلم والشراكة الوطنية” لحل الأزمة مع جماعة “أنصار الله” الحوثية، معلنًا أن الاتفاق يمثل مخرجًا وطنيًّا يجنب البلاد ويلات الكوارث والحرب والتفتت، مؤكدًا أن معالجة الأزمة يجب أن تصب دائمًا في مصلحة أمن واستقرار ووحدة اليمن ومخرجات الحوار الوطني الشامل على أساس المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
ورغم ذلك قام مسلحو جماعة الحوثي بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء والمنشآت الحيوية فيها باقتحام منازل العديد من خصومهم السياسيين وفي مقدمتهم منازل القائد العسكري “علي محسن الأحمر”، وكذلك الشيخ القبلي “حميد الأحمر” والعديد من قيادات حزب “الإصلاح”، كما قاموا بحرق المدارس وبعض المساجد وارتكاب أعمال انتقامية وتخريبية، واستولوا على دبابات وعربات وأسلحة ثقيلة وصواريخ تابعة للجيش، كما قاموا باقتحام معسكر للجيش بمحافظة الحديدة غربي البلاد، ونهبوا ما بداخله من أسلحة، بهدف السيطرة على مينائها الرئيسي.
وهي التحركات التي أثارت غضب القبائل لاسيما السنية منها بالإضافة إلى تنظيم القاعدة ضد الحوثيين.

2 ـ أسباب سرعة وسهولة سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء
أ ـ أسباب متعلقة بقدرة الدولة على التحرك لإدارة لأزمة:
(1) سوء التقدير الحكومي لقوة هذا التنظيم بداية من غض الطرف عن نشاطاته التي كانت تتسع يومًا بعد يوم، وزيادة نفوذه على حساب سلطة الدولة نفسها، ثم القصور الحكومي في التعامل الشامل معه.
(2) تشتت قوة الدولة على أكثر من جبهة ما بين الحراك الجنوبي، وتنظيم “القاعدة” في الجنوب، والحوثيين في الشمال، وكذلك مطالب حزب التجمع للإصلاح التي تتعارض مع أهداف ومنهج الحكومة.
(3) تواطؤ بعض عناصر الجيش وقياداته وقوات الأمن.
(4) ضعف سلاح الجو اليمني، وهو السلاح الوحيد الذي تتميز به الحكومة على الحوثيين نتيجة عدم امتلاكه للقدرة التكنولوجية على الرصد وتحديد الأهداف، مما اضطره للقيام بعمليات على مستوى منخفض من الطيران، فأصبح صيدًا سهلًا للدفاعات الجوية الحوثية، إضافة إلى تصاعد إمكانية اصطدام طائراته بالجبال المرتفعة نتيجة الطبيعة الجبلية للبلاد، وهو ما حدث بالفعل.
(5) عدم وجود طرق معبدة، الأمر الذي أعاق تحركات الجيش بأسلحته الثقيلة، في حين أحسن الحوثيون استخدام هذه الطرق لمصلحتهم، بما يمتلكونه من أسلحة خفيفة ومتوسطة، يسهل التحرك بها.
(6) وجود سوق مفتوحة للسلاح تتيح لأي تيار أو جماعة التسلح بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وهي أسلحة فعالة بشكل كبير في هذا النوع من المعارك، وبالتالي تقلص فارق القدرة بين الجيش والحوثيين.
(7) تشرذم التيارات السنية (فحزب الإصلاح في خلاف غير بسيط مع طلبة العلم السلفيين وغيرهم من التيارات السنية)، أي لا ينضوون جميعًا تحت راية واحدة.

ب ـ أسباب متعلقة بقدرات الحوثيين:
(1) نجاح “حسين الحوثي” في ترسيخ عقيدة القتال انطلاقًا من البعد الأيديولولجي ما جعل عناصر جماعته يقدمون على الموت دون تردد أو هلع من أجل الوعد المقدس والنصر الأكيد.
(2) الكفاءة القتالية التي يتمتع بها الحوثيون، والتي نتجت عن:
- استغلال الهدنة بين كل معركة وأخرى مع الحكومة في مزيد من التدريب على استخدام الأسلحة المختلفة.
- تراكم خبرات القتال ضد الدولة، حيث خاض هذا التنظيم سبع معارك مع الجيش اليمني، وبعض القبائل المؤيدة له كحاشد وغيرها، خلال الفترة من 2004 إلى 2014.
ويلاحظ في هذا السياق أنه لم يكن وقف إطلاق النار في كل من هذه المعارك السبع إلا بداية مرحلة جديدة يزداد فيها غياب سلطة الدولة ونفوذها عن مناطق جديدة، يكثف الحوثيون فيها نشاطهم، ويضمونها إليهم، فتنامت دعوتهم خارج صعدة التي خضعت لهم بشكل كامل خصوصًا بعد تهجير أهل دماج، وطلبة العلم بها بناءً على اتفاق بين الحكومة والحوثيين في يناير 2014، وهكذا صار الشمال اليمني بأكمله في قبضة الحوثيين، وبسطوا سيطرتهم عليه، حيث كانت دماج آخر معقل للدولة في صعدة.
(3) توحد الجماعات والقبائل الشيعية المختلفة تحت راية واحدة هي راية “الحوثي”، فقد تحول معظم معتنقي المذهب الزيدي إلى الاثني عشري، وانصاعت تيارات أخرى للتيار الحوثي، كالتيار الصوفي.. فالمناهج متقاربة، والأيديولوجية غير بعيدة، والخصم واحد هو التيار السني، المتمثل في حزب الإصلاح أو التيار السلفي الذي فقد مركزه في دماج، وهاجر منها.
ج ـ أسباب متعلقة بالتواطؤ الداخلي والدعم الخارجي:

(1) التواطؤ الداخلي: من الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” ورجاله، ووضع إمكاناتهم من سلاح وغيره، وكذلك ما لهم من أراض، في خدمة الحوثيين، ومن شايعهم، فنال الحوثيون معدات عسكرية، وأماكن إستراتيجية، ساعدت بشكل مباشر على تغيير موازين القوى، وانقلاب الدفة لمصلحتهم في غفلة من الحكومة، والقبائل السنية، أو العشائر الموالية لهم، فكان التقدم الحوثي في عدة محاور، واحتلال مزيد من المساحات الإستراتيجية المؤثرة، ولعل دخولهم مدينة عمران خير شاهد على ذلك، كما ساعدت القيادات العسكرية الموالية للرئيس السابق “علي عبدالله صالح” الحوثيين في السيطرة على مؤسسات الدولة في صنعاء بصورة غير معلنة، وقد أكد وزير الخارجية اليمني في كلمته أمام الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، على ذلك بقوله “ما كان يمكن أن يحدث ذلك لولا الدعم السياسي والتنسيق اللوجستي من قبل بعض عناصر النظام السابق”.
(2) الدعم الخارجي: من إيران للحوثيين، وقد مر بأكثر من مرحلة بدءًا من الدعم الإعلامي عن طريق قناة (المنار)، وغيرها، وزيارات لأهم علماء وقادة هذا التنظيم لإيران (بدر الدين الحوثي وحسين الحوثي، وغيرهما) في أوقات مختلفة، ومكوثهم هناك فترات غير قصيرة، وكذلك بعثات طلبة الزيدية للدراسة وطلب العلم من خلال جوازات إيرانية، وإعادة صبغة هؤلاء الطلبة بالصبغة الاثني عشرية الخالصة، ثم أخذ هذا الدعم منحى مختلفًا، فوفقًا للخطاب الرسمي تم اكتشاف مخازن للسلاح والذخيرة في مقرات مقاتلي الحوثيين مكتوب على بعضها “صنع في إيران”، وكذلك القبض على سفينة إيرانية محملة بالأسلحة والذخيرة بالقرب من سواحل اليمن متوجهة لمحافظة صعدة أي للحوثيين، وأسر بعض المقاتلين الحوثيين من قبل الجيش، وأثناء التحقيق معهم تبين أنهم من حزب الله، وكذلك فقد كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية يمنية في تصريحات متطابقة عن أن إيران تدرب أعدادًا كبيرة من الحوثيين في إريتريا المجاورة لليمن على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر، وفي هذا الإطار تكررت اتهامات الرئيس “هادي” لطهران بالتدخل في الشأن اليمني مؤكدًا أن ما تقوم به إيران في اليمن يستهدف إجهاض العملية السياسية وعرقلة المرحلة الانتقالية وإغراق اليمن في مستنقع الفوضى والفتن والحروب الطائفية والقبلية والجهوية حتى يتسنى لها خلط الأوراق في المنطقة والإمساك بإحدى أوراق الضغط التي تسمح لها بمقايضة صنعاء بدمشق أو بغداد، داعيًا إيران إلى “تحكيم العقل والمنطق في تعاملها مع شعبه”، و“التعامل مع الشعب وليس مع فئة أو جماعة أو مذهب”.
وفي هذا السياق أكد نائب مجلس الشورى الإيراني “علي رضا راذكاني” أن الثورة الإسلامية وجدت صداها في صنعاء، إضافة إلى ثلاث عواصم عربية أخرى، هي بغداد ودمشق وبيروت. كما كان واضحًا ترحيب المنابر الإعلامية الشيعية بما حدث في اليمن، حيث احتفت بـ“احتلال” صنعاء، واعتبرته من النجاحات التي حققتها الثورة الإسلامية.
د ـ أسباب وعوامل أخرى:
(1) ضعف حكومة “محمد سالم باسندوة”، وعدم تماسكها وتوزّع الولاءات السياسية لأعضائها. وقد أرجع “باسندوة” هذا الضعف عند تقديم استقالته إلى احتكار الرئيس “هادي” للسلطة.
(2) استغلال الحوثيين الغضب الشعبى بسبب ما أقدمت عليه الحكومة اليمنية في يوليو 2014، حيث قامت بتطبيق قرار ينص على زيادة أسعار الوقود ليرتفع سعر “صفيحة” البنزين (عشرين لترًا) من 2500 إلى أربعة آلاف ريـال و“صفيحة” الديزل من 2000 إلى 3900 ريـال، أى رفع الدعم عن المشتقات النفطية بنسبة تتجاوز الـ50 %؛ وقد شكل ذلك القرار فرصة كبيرة لجماعة الحوثي لتوسيع دائرة نفوذها.

(3) ضعف الرئيس هادي أمام الفرقاء السياسيين وعدم قدرته على الاستناد إلى قوة عسكرية مضمونة الولاء له لتنفيذ قراراته.
(4) غياب التماسك وتعدد الولاءات في القوات المسلحة اليمنية وانحياز بعض قياداتها إلى جماعة الحوثي ليس لأسباب مذهبية، بل بسبب تضرّر مصالح بعضها، وعدم رضا بعضها الآخر عن عملية إعادة هيكلة القوّات المسلّحة والحرس الجمهوري السابق، بعد رحيل “علي عبد الله صالح” عن السلطة.
(5) تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع نسبة البطالة والفقر لأغلب شرائح المجتمع اليمني، ما ولد حالة عامة سائدة لا تتعاطف مع النظام السياسي الحالي، لاسيما أن الحوثي اتخذ من قضايا مطلبية ومعيشية غطاءً لتحركه ضد الدولة.
(6) انشغال دول مجلس التعاون وخاصة السعودية في الحرب على داعش، وهو الأمر الذي استغله الحوثيون بدعم من إيران في السيطرة على العاصمة صنعاء. وقد شعرت دول المجلس بخطورة الموقف اليمني في أكتوبر 2014، لذا أكدت على عدم وقوفها مكتوفة الأيدي أمام التدخلات الخارجية باليمن، مشددة على أن أمن اليمن وأمن الخليج كل لا يتجزأ. كما أعرب وزراء داخلية دول المجلس خلال اجتماعهم الطارئ بجدة في أكتوبر 2014، عن أملهم بأن “تتجاوز الجمهورية اليمنية هذه المرحلة بما يحفظ أمنها واستقرارها ويصون سيادتها واستقلالها ووحدتها، مؤكدين أن ما يهدد أمن اليمن وسلامة شعبه يهدد أمن المنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها”. وأكدت دول المجلس وقوفها بقوة إلى جانب اليمن وشعبه من خلال الشرعية وما جاء في قرارات الأمم المتحدة والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، وضرورة إعادة كافة المقرات والمؤسسات الرسمية للدولة اليمنية وتسليم كل الأسلحة وكل ما تم نهبه من عتاد عسكري وأموال عامة وخاصة.
هذه العوامل مجتمعة نتج عنها ما يسمى بالسيولة السياسية والأمنية أتاحت للحوثيين الفرصة للسيطرة على العاصمة، ومن ثمّ فرض شروطهم التي مثّلها اتفاق السلم والشراكة الوطنية الأخير، والذي يعد بحق اتفاق فرض الأمر الواقع، فقد تضمنت وثيقة الاتفاق الأخير تشكيل حكومة كفاءات في غضون شهر، وتعيين مستشارين للرئيس “عبدربه منصور هادي” من الحوثيين والحراك الجنوبي.
ونصّ الاتفاق أيضًا على خفض إضافي لأسعار الوقود، وتنفيذ الحكومة المقبلة إصلاحات اقتصادية، وإعادة النظر في تشكيل الهيئة الوطنية للإشراف على مخرجات الحوار الوطني.. وجميع هذه البنود هي مكتسبات حققها الحوثيون من خلال التفاوض تحت القصف.
وهكذا من الواضح أن الوضع الراهن في اليمن يحمل تداعيات سلبية على أمن واستقرار دول مجلس التعاون، ويرجع ذلك لاعتبارات القرب الجغرافي وما يمثله اليمن من عمق إستراتيجي لدول المجلس من ناحية، ومن ناحية أخرى فثمة صراع مصالح في اليمن تحاول إيران من خلاله تقوية مكانتها وتعزيز مصالحها من خلال دعم سيطرة الحوثيين، لكسب أرض جديدة في المنطقة خاصة في ظل ما أصاب حليفها نظام “بشار الأسد” من ضعف وانحسار لنفوذها في المنطقة.
**التداعيات على دول مجلس التعاون:
تبرز الأهمية الإستراتيجية لليمن بالنسبة لدول مجلس التعاون، حيث يمثل عمقًا استراتيجيًا للجزيرة والخليج يجعل منه عاملًا مهمًا لأمن واستقرار المنطقة، ومن ثم لا يمكن الاستغناء عنه أو إقصاؤه في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحالفات إقليمية، وتهديدات مستمرة ومتزايدة للمنطقة.
فهناك حاجة خليجية ليمن آمن ومستقر من أجل مواجهة الأخطار المشتركة، هذا فضلًا عن أهمية الموقع الاستراتيجي اليمني، وما يمثله من مجال حيوي - فهو يطل على البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي- حيث يمثل خليج عدن ومضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، أهمية مضاعفة في تأمين عبور السفن البحرية الدولية والإقليمية، وما يمثله خليج عدن من أهمية، حيث يمر منه ويلتقي عنده أهم ثلاثة ممرات مائية بحرية دولية، تتمثل في: الخط القادم من الخليج العربي، والخط القادم من شرق وجنوب شرق آسيا، والخط االقادم من شرق أفريقيا وجنوبها إلى البحر الأحمر. وتؤثر هذه الخطوط الثلاثة في حركة الملاحة في البحر الأحمر الذي يمثل ممرًا مائيًا شديد الحيوية لحركة النقل البحري وحركة التجارة العالمية، يربط من جهة بين جنوب شرق آسيا، وجنوب أفريقيا، وأوروبا والأمريكتين من جهة أخرى. علاوة على ذلك، تقع هذه الممرات للملاحة البحرية في منطقة شديدة التوتر والصراع والفوضى الأمنية، ابتداءً من الصومال وجيبوتي وحتى إريتريا وإثيوبيا، وما يمثله الوجود الأجنبي على سواحل وأراضي هذه الدول (القوات الأمريكية المتمركزة في جيبوتي والوجود الصيني الإيراني في الصومال، والوجود الإسرائيلي الأمريكي في إريتريا) من تحديات لأمن الخليج.
ويعود الوجود العسكري الأجنبي في هذه الدول إلى تحولها إلى دول فاشلة وغير قادرة على حماية نفسها، أو تأمين المجال الحيوي الذي تمر منه الناقلات النفطية، وأكثر من 15 ألف سفينة بحرية سنويًا، ومدخل جنوبي وإستراتيجي لحقول النفط العربي. ومما زاد من حجم الوجود العسكري الأجنبي بروز ظاهرة القرصنة البحرية، مع انعكاسات كل ذلك على أمن الخليج العربي، ودور مجلس التعاون بصفة خاصة.
**ويمكن حصر أبرز التداعيات على دول مجلس التعاون فيما يلي:
أ) تهديد استقرار دول مجلس التعاون: فنجاح “الحوثيين” في التماسك والاحتفاظ بالمناطق التي يسيطرون عليها يمكن أن يغير من معادلة التيارات الشيعية في منطقة الخليج ككل، فبروز الشيعة بهذه القوة في اليمن يجعل دول الخليج في مرمى أهداف “الحركة الحوثية”، كما يمثل تصاعد سيطرتهم دافعًا لإذكاء النعرة الطائفية، وعمليات التقسيم التي آلت إليها العديد من دول المنطقة.

ب) عدم استقرار اليمن وسيطرة الحوثيين على صنعاء يمكن أن تترتب عليه العديد من التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية على دول مجلس التعاون، حيث يتحكم اليمن بموقعه الجغرافي في مضيق “باب المندب” الذي تمر عبره تجارة الخليج مع الدول الغربية لاسيما النفط، كما أن اليمن يمثل حاجزًا لدول الخليج من الهجرة غير الشرعية والتنظيمات الإرهابية كتنظيم “القاعدة”، ويمثل أيضًا ظهيرًا أمنيًّا لكل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان من خلال حمايته لحدودهما البرية الجنوبية بالنسبة للسعودية والغربية بالنسبة لسلطنة عمان.
ج) يمثل اليمن فرصة إستراتيجية لإيران، فإذا ما قامت دولة حوثية مستقلة في الجنوب أو استمرت سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء فسيكون لإيران موطئ قدم إستراتيجي مهم ومباشر على مضيق هرمز إلى بحر العرب، وكذلك فإن موقع اليمن الجغرافي المميز على طريق الملاحة الدولية من شأنه تمكين إيران من تعطيل جزء مهم من خطوط الملاحة الدولية، وبالتالي الإضرار بالمصالح الخليجية والغربية في المنطقة.
ويرى “أنتوني كوردسمان” الخبير الأمريكي في شئون منطقة الخليج، بأن الموقف الإيراني تجاه اليمن يمثل محاولة إيرانية للضغط على الولايات المتحدة وحلفائها من دول المنطقة، وخلق حالة من التوتر الإقليمي المستمر، من شأنه أن يلحق أضرارًا بمصالح هذه الدول بدرجة أو بأخرى، الأمر الذي يساعد على إيجاد قدر من التعاون بين دول المجلس والولايات المتحدة في التعامل مع الأوضاع في اليمن.
وعليه فمن مصلحة دول المجلس الحفاظ على اليمن كدولة آمنة ومستقرة، لأنه بمنزلة صمام الأمان لمصالحها، حتى وإن كان السبيل إلى الحفاظ على هذا الأمن والاستقرار على حساب اليمن ذاته.
ثانيًا: السيناريوهات المـحتملة للوضع في اليمن
**السيناريو الأول: سيطرة الحوثيين على السلطة وصياغة نظام حكم جديد في اليمن:
يقوم هذا السيناريو على افتراض استمرار سيطرة الحوثيين على صنعاء ومعظم أقاليم ومناطق اليمن، وهو ما يحفزهم للسيطرة الشاملة على السلطة في اليمن، وإعلان انتهاء العمل بالمبادرة الخليجية، مع إعلان ولائهم لإيران. ويحد من نجاح هذا السيناريو عدة أمور، منها: عدم وجود كوادر لدى الحوثيين لإدارة مؤسسات الدولة، فضلًا عن أن هذا السيناريو من شأنه توتير العلاقات الخليجية الإيرانية، في وقت تسعى فيه طهران لتهدئة الملفات العالقة وتحسين علاقاتها مع دول الجوار، على خلفية أزمة برنامجها النووي.
**السيناريو الثاني: التوافق والحصول على حصة أكبر من السلطة (سيناريو المواءمة)
يذهب هذا السيناريو إلى أن ثمة مواءمات داخلية وخارجية سوف تحدث بين الأطراف المتحكمة داخليًّا والداعمة لها خارجيًّا، للتوصل إلى صياغة ووضع نهائي يحقق مصالح الأطراف كافة، يقدم فيها كل طرف مجموعة من التنازلات مقابل الحصول على مجموعة من الامتيازات.
ويستند هذا السيناريو إلى افتراض موافقة طرفي الصراع (الحوثيون والحكومة اليمنية) على تقاسم السلطة من خلال تنفيذ اتفاق “السلم والشراكة الوطنية” أو الوصول إلى صيغة اتفاقية جديدة. ويدعم هذا السيناريو أنه في ظل هذا السياق الإقليمي الضاغط، ومع تنامي الضعف البنيوي في مؤسسات الدولة (المدنية، والعسكرية، والأمنية)، تصبح الدولة اليمنية الطرف الأضعف المضطر إلى تقديم المزيد من التنازلات. وقد أمّن الاتفاق الأخير للحوثي وجود مستشارين لهم قدرة تأثير واسعة حول الرئيس اليمني الذي يتعين عليه وفقًا لما نص عليه الاتفاق، الأخذ برأيهم في تعيين أي من الوزراء في الحكومة. وفي هذا الإطار أكد مستشار الرئيس اليمني “فارس السقاف” في 25 /9 /2014 على إدخال تغييرات في مضمون المبادرة الخليجية لإشراك الحوثيين بالحكومة اليمنية.
كما تدعم بعض التقديرات هذا السيناريو في إشارتها إلى أن هدف الحوثيين من السيطرة على صنعاء هو تعزيز مواقعهم لانتزاع اتفاقٍ أفضل وحصة أكبر من السلطة مما قدمته لهم مخرجات الحوار الوطني الذي تم إجراؤه في وقتٍ سابق من هذا العام. وبالتالي لن يكون الحوثيون في ميدان اليمن مجرد ميليشيا أو مجرد حزب سياسي هامشي بل سيكونون لاعبًا رئيسًا كحزب الله في لبنان، وسيعملون على خلق تحالفات يسيطرون فيها على بعض الأحزاب تحت مسمى الشراكة السياسية المشروعة ليتم التحكم في قراراتهم حين يتولون الأمر في الوزارات، وسيقاتل الحوثيون من أجل الحصول على الوزارات السيادية التي سيطروا على أهمها بقوة السلاح وزراعة الموالين لهم فيها.. وتكمن مشكلة هذا السيناريو فى أن مصالح أطراف الأزمة فى اليمن متناقضة ومتعارضة فى معظمها.
وتؤكد بعض التحليلات أن الحوثيين ليسوا في مواجهة مع الدولة بل مع التجمع اليمني للإصلاح ومع اللواء “علي محسن الأحمر” الذي انشق عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح بعدما كان أحد أبرز أركان نظامه. في المقابل، يُتهم الحوثيون بأنهم يسعون إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي في شمال اليمن استباقًا لتحويل اليمن إلى دولة اتحادية.
ويتوقف تحقق هذا السيناريو على القدرة على تحقيق المصالحة السياسية والتوافق بين الأطراف فى اليمن وانسحاب الحوثيين من صنعاء واحتواء التأثيرات المترتبة على ذلك، بما يقلل من آثارها على أوضاع اليمن الداخلية، وهو ما يتم من خلال التزام الطرفين ببنود الاتفاق الذى وقع بينهم مسبقًا، مع إمكانية إدخال تعديلات عليه.
ويدعم هذا السيناريو وجود أحزاب سنية وقوى قبلية تدعمها قوى الداخل في الشمال والجنوب وعلى تباعد تام من الحوثيين، وتنامي القوى المؤيدة للرئيس اليمني “هادي” والجيش، حيث شهدت العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية عدة مظاهرات شارك فيها الآلاف، وذلك للتنديد بتصعيد جماعة الحوثي ودعما للمبادرة الرئاسية لحل الأزمة.
كما يضيف تصاعد نشاط القاعدة ضد الحوثيين عامل ضغط عليهم لقبول هذا السيناريو، حيث يحاول تنظيم القاعدة في اليمن استباق الزمن قبل أن تنتهي الأزمة الراهنة وتستعيد الدولة قوتها وهيبتها، وقد ترجم ذلك من قبل القاعدة عبر الإسراع في تنفيذ العديد من العمليات الكبيرة.
فبعد أن كانت العديد من عمليات تنظيم القاعدة في اليمن تستهدف المؤسسات الرسمية العسكرية والأمنية، نجحت القاعدة في إيجاد خصم جديد لها هم الحوثيون، فلم تجد أمامها سوى هؤلاء كأهداف لعملياتها، والتي تتهمهم بالارتهان لإيران ونشر التشيّع، لذا فإن أهداف القاعدة الحالية منتقاة حتى تعطي لها الشرعية. حيث يمثل سقوط عمران وصنعاء في أيدي الحوثيين ضربة قوية للتيار الإسلامي السني وللقوى القبلية النافذة لآل الأحمر. وفي هذا السياق سقط عشرات الحوثيين ما بين قتيل وجريح بانفجار سيارة مفخخة قرب جامعة الإيمان بصنعاء واسهداف تجمع للحوثيين بصعدة. وصعّد تنظيم القاعدة ضرباته ضد الحوثيين في مأرب والبيضاء وتعز بأربع عمليات أودت بحياة العشرات. وبات المسلحون الحوثيون المنتشرون في صنعاء هدفًا لضربات تنظيم القاعدة الذي تبنى قتل 25 شخصًا على الأقل في ثلاث هجمات انتحارية استهدفتهم في محافظتي مأرب (شرق) والبيضاء (وسط). كما أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف تجمعًا للحوثيين بصنعاء في 8 /10 /2014 وأدى إلى مقتل نحو 50 شخصًا وإصابة العشرات.
السيناريو الثالث: استمرار الأزمة والتصعيد الميداني (سيناريو التفكك والانهيار)
يذهب هذا السيناريو إلى استمرار الوضع الراهن لفترة طويلة، يبقى فيها الرئيس الحالي “عبدربه منصور هادي” في السلطة “شكليًّا” بدعم إقليمي ودولي لاسيما من دول مجلس التعاون، مع سيطرة فعلية للحوثيين على البلاد، تجعلهم فى موقع المتحكم، ولكن من خلف الستار.
ويقوم هذا السيناريو على افتراض استمرار المواجهات بين طرفي الصراع (الحوثيين - الحكومة اليمنية)، وهو ما يدفع إلى التصعيد الميداني وانتشار الفوضى المسلحة، بين الحوثيين ومعارضيهم وعناصر الجيش اليمني الرافضين لما حدث، مما قد يؤدي لتفكك الدولة وتقسيمها لدولتين أو أكثر مع تصاعد “الحراك الجنوبي” ونشاط “تنظيم القاعدة”.
وفي هذا الإطار أعلن قادة “الحراك الجنوبي” في 24 /9 /2014، إنشاء “المجلس العسكري والأمني الأعلى الجنوبي” بهدف إسقاط مناطق الجنوب في أيديهم، على غرار ما حدث في الشمال، وفرض الأمر الواقع، بفك الارتباط بين شمال اليمن وجنوبه.
ويدعم هذا السيناريو رفض الحوثيين الخروج من صنعاء بعدما قاموا بتصفية خصومهم من آل الأحمر وحزب الإصلاح، ورفضهم توقيع الملحق الأمني لـ“اتفاق السلم والشراكة الوطنية”، والذي يتضمن خطوات إجرائية تكفل انسحاب الجماعة من العاصمة، فضلًا عن مناطق عمران شمال صنعاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى