الاصطـفـاف الـمـكـسـور

> بدر عبده شيباني

>
بدر عبده شيباني
بدر عبده شيباني
القضايا الراهنة التي يعاني منها الناس الغلابى هي نفسها القضايا التي يعاني منها الناس في ليبيا، العراق، والسودان، وسوريا، وكذلك نحن، وهي التي أخرجتهم إلى الشوارع واعتصموا في الميادين وصرخاتم تدوِّي (ارحل.. الشعب يريد تغيير النظام)، لأنظمة حكمتهم ولم تبن دولة ديمقراطية ولا اقتصادا وطنيا صناعيا، السبب الرئيسي لمعاناة الناس، فطالت البطالة والفقر والجوع كل الناس، وفوق ذلك ظلوا يجرعونهم إصلاحات نتائج فشلهم وسلبهم ونهبهم لأموال التنمية من أعباء غلاء وضرائب الجرعات التي يعانون منها حتى اليوم ثم جاء الذين بعدهم وخطفوها منهم، وانحرفوا بها بعيداً عن أهدافها، ومضوا على نفس نهج الأنظمة السابقة، بمسميات ووجوه جديدة، وأوصلتهم إلى أوضاعهم الدامية الراهنة.
وكانت تلك نتيجة طبيعية لسلوكهم المسارات القديمة المؤدية إلى الهاوية، وأعجزتهم عن تنفيذ أية إجراءات حقيقية وملموسة على الواقع في حل قضية واحدة، وبوجود كامل أركان الأنظمة السابقة وقواها المتنفذة قائمة، وكلهم تحاوروا وتوافقوا وتركوا مخرجاتهم على الورق، وعملوا انتخابات رئاسية وبرلمانية (مستخدمين نفس أدوات وقوانين الأنظمة السابقة) التي ظلت تضم الأغلبية الدائمة للأنظمة الحاكمة، فألغوا حق الشراكة مع منظمات المجتمع المجمدة ولم تحرر بعد للقيام بدورها الوطني مع الدولة، وشكلوا حكومات استبعدوا منها قوى التغيير في المجتمع، وتقاسموا السلطة، وألغوا الآخرين مثل الأولين، ونحن قادمون لذلك (ولا دولة منها حققت أي تغيير يذكر حتى اليوم ولا بكرة).
وتلك الاختلالات أعادتهم إلى نفس الطحين عند الانفراد بالحكم وإلغاء الآخرين، المؤدي إلى حروب مدن وشوارع قبلية طائفية ومذهبية وتمييز عنصري، لا تزال قائمة في العراق وليبيا وجنوب السودان وسوريا والقتل لبعضهم دائم ونحن قادمون، وكل الذي يحصل عندنا حصل عندهم، وما سيحصل في القادم والقواسم المشتركة واحدة، وإخراج واحد لنفس المشاهد والأحداث التي تتكرر عندنا وعندهم.
وفي تدخل الإخوة والأصدقاء لوقف الاقتتال وعملوا حكومة (ففتي ففتي) في ظل أركان حكومة النظام، ومن دون التحديد لمهماتها، وتركوا قضية تغيير النظام وأسس الدولة الجديدة إلى ما سيتفق عليه مؤتمر الحوار الوطني الشامل لدولة مدنية ديمقراطية بديلة للنظام القائم، وتوافقوا عليها في مخرجات الحوار، ووقعوا عليها بالإجماع ثم تركوها على ورق مغيبة منذ البداية مثل السابقة، بدلاً من جعلها هي المحور الرئيسي الذي ترتكز عليه عملية الاصطفاف الوطني الشامل والحقيقي، كونها الوثيقة (بكل ثغراتها) التي تتضمن اتجاهات التغيير للنظام وأسس الدولة الجديدة.
وهذا هو جوهر القضية الأساسية، والسبب لكل ما يحصل عندنا وعندهم لعرقلة تحقيق هذا التغيير دون غيره مطلقاً، وعلى أساس مبادئها وجب أن يجري الاصطفاف الحقيقي لا الاحتراب والدمار للصف الواحد، وهذا لن يتحقق إلا بعقلية ديمقراطية تفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني بحق الشراكة في تشكيل اللجان في كل المحافظات بدلاً من الطلفسة وأكل العيش.
ولنا تجاربنا، عندما لم نقم بالاصطفاف الوطني مع المجتمع جرى الالتفاف على مشروع الوحدة، ثم حدث بعد التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق حين اصطفت القوى السياسية فيما بينها وتركت قوى المجتمع معزولة من دون فاعلية في القيام بدورها الوطني وبدعمها، وأدى إلى حرب 94م.
واليوم منطق العقل يقول علينا أن نقلع الشيطان ونستهدي بالله ونترك حقنا المجنانة، ونعيد اصطفافنا أولاً مع التغيير في المخرجات، ونبدأ في تشكيل حكومة مع الجميع لا يتكرر فيها التقاسم والتمثيل القبلي الحزبي المناطقي والمذهبي، ونضع لها مهماتها وفترة زمنية لإنجازها، وأولها معالجة الاختلالات الاقتصادية والمالية، وإلزام التجار بعدم رفع الأسعار وإيقاف الغش التجاري، ورفع التجميد فوراً عن المظالم التي ألحقت أشد الضرر منذ عام 2005م بحياة مئات الآلاف من المبعدين والمسرحين قسراً وخليك في البيت والمتقاعدين الجنوبيين العسكريين والمدنيين خاصة.
والمهم أن نصل إلى مرحلة الدستور والانتخابات وقد أنجزنا وصول ممثلينا إليها لتحقيق التغيير الحقيقي، وليس تغيير الوجوه وإعادة إنتاج نفس النظام، ونكرر نفس أخطاء الذين سبقونا، وشوفوا من المنتصر في كل بلادنا، إن لم نفهم أنه ولا أحد سيبكي علينا أو سيهتم لتدميرنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى