صراع الأجـنـدات

> د. عبدالعزيز الدالي

>
د. عبدالعزيز الدالي
د. عبدالعزيز الدالي
لقد جلب الموقع الإستراتيجي الفريد للأرض اليمنية وجغرافيتها المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي الكثير من الكوارث والقليل من المسرات عبر التاريخ حتى يومنا هذا.
الأرض اليمنية كانت بمثابة الجائزة الكبرى لمن يمتلكها من القوى الكبرى المتصارعة عالميًا وحتى إقليميا، والتاريخ المدون يحدثنا عن تلك الصراعات التي جرت على مسرح الأرض اليمنية على شكل حروب طاحنة بين الجيوش الغازية، يكون الإنسان على هذه الأرض وقودا لها قتلاً ونزوحاً وتهجيراً.
إننا نتذكر غزوات القوى الإقليمية والدولية لليمن بأجنداتها المتصادمة والمتصارعة، وبمسمياتها المختلفة المتناقضة التجارية والدينية والاستعمارية (الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية العثمانية والحبشة والبرتغال وبريطانيا العظمى)، ولاحقا في زمن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، لم تسلم الأرض اليمنية بشطريها من لهيب أجنداتها على شكل واقع الحروب التي اندلعت بين الشطرين مما أدى إلى التأثير سلبًا على التنمية وتباطؤ خطوات القضاء على الفقر والتخلف.
إن الوحدة الاندماجية الفوضوية التي أقيمت بين الدولتين (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية) والتي انتهت وفشلت بالحرب الظالمة عام 1994م وأدت إلى نتائج كارثية على الجنوب لم تكن في تقديري إلا بمخطط خارجي واستجابة داخلية تتحكم فيه أجندة هدفها القضاء على النظام ذي التوجه الاشتراكي في الجنوب ومحاولة اقتلاع أعمدته المتمثلة في الحزب الاشتراكي اليمني وجيش النظام المؤهل تأهيلاً عالياً والفريد من نوعه انضباطاً وتوحدًا.
وحرب الملكيين ضد الجمهوريين في الشمال اليمني بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لم تكن لتبدأ وتمتد لسنوات إلا بعد أن تدخلت أجندة خارجية لمنع نجاح الثورة.
أما ما حدث ويحدث في بعض الأقطار العربية وبخاصة سوريا والعراق من دمار شامل وقتل بشع ونزوح الملايين من البشر وهجرة الآلاف من قراهم ومدنهم إلى البلدان المجاورة كلاجئين، واستمرار الأوضاع هناك باتجاه الأسوأ في تاريخ الحروب الأهلية ما هو إلا اقتتال حتى النهاية تنفيذا لأجندات خارجية وبتمويل خارجي أيضاً، حتى لو أبيد الشعب في معظمه ومحيت دول من الوجود والجغرافيا.
إذن.. أين نحن من هذه العاصفة المدمرة التي تجتاح المنطقة وتقتلع الوجود الإنساني من على الأرض قتلاً وتمثيلاً ونزوحاً وتهجيراً إلى المجهول؟.
أين نحن من صراع الأجندات الخارجية التي لاتصيب المخططين والممسكين بأطرافها بالضرر بقدر ما تطحن شعوب المنطقة حتى العظم، والتي لا تملك إزاءها حق الرفض أو حتى الاعتراض على أحكام الموت الصادرة ضدها من عواصم تلك الأجندات؟.
لقد عانت شعوب المنطقة ومنها الإنسان على الأرض اليمنية الأمرين من حروب مدمرة ونزيف لا يتوقف، لا تتوقف إحداها حتى تبدأ الأخرى، حروب بالوكالة تطحن في رحاها آمال ومستقبل أجيالنا جيلا بعد جيل.
أما آن لهذا الوضع أن يتغير؟.. أما آن لنزيف الدم أن يتوقف في كل من سوريا والعراق؟.. أما آن لأهلنا على هذه الأرض اليمنية أن يتعلموا من دروس الماضي ويتصدوا لمصادر الفتنة حتى لا تتكرر مآسي الصراعات السابقة؟.
أقولها بكل ثقة إن الإنسان على هذه الأرض الذي عانى الكثير في الماضي البعيد والقريب من صراعات الأجندات الخارجية يستطيع بكل ثقة وشجاعة أن يرفض تكرار مآسيها مجددا، ويستطيع أن يحول موقعه الجغرافي المتميز من مصدر شقاء عبر التاريخ إلى مصدر رخاء كما فعلت شعوب أخرى من قبلنا تملك خاصية “الموقع الجغرافي المتميز”.. هل نفعل ونقول “لا” ـ كبيرة ـ للأجندات الخارجية؟.
نعم نستطيع، برفع شعار “ممنوع المرور من هنا”.. مرسومة على لافتة عملاقة تُرى من على الأقمار الصناعية.
* وزير الخارجية الأسبق

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى