صفـعـة بـقـرش وصفـعـة بـجنـبـيـة

> علي سالم اليزيدي

>
علي  سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
تعوَّد أحد المختلين عقليا أن يداوم على العبث حينما يحشر نفسه وسط الناس، وكان يحاول أن يلعب بأصابعه هنا وهناك ما بين هؤلاء أو أولئك، وفي أحد الأيام وحينما لمس أحدا في ظهره بيده التفت إليه ذلك الشيخ الطاعن في السن ونظر إليه نظرة رثاء ورحمة وأخرج له قطعة نقدية بقيمة عالية ومنحه إياها، وانطلقت أسارير هذا المختل وقفز فرحا، واعتقد في قراره عقله الناقص أنه قد فاز ونال بهذه الوخزة، أو كما نقول الصفعة، قرشا رنانا طنانا أبيض، مكنه من شراء حلوى استمتعت بها لسانه وحلقه وكل كيانه.
هذا في اليوم الأول، وتكررت القصة وتنطنط المختل وتحول إلى متقنص يعرف كيف يأخذ الصفعة واللفعة منشان يخرج له قرش.. ولكن ما كل صفعة بقرش يا اللي عقلك مقرش، فقد جاء الرد من مكان آخر ومن شيخ لديه نفس اللحية ونفس قلب ذلك الشيخ الأول، ولكنه لا يفهم إلا لغة العنف، وحينما أحس بيد المختل في جسده لفخه بالجنبية وطير دمه، وتغير الوضع وصار مثلا يقال ولا يرى، ولكننا نسوقه كمثل في واقع الأمس واليوم.
تحملنا الصفعات منذ ما بعد 1994م ولأننا كنا في حالة تخدير عارمة شاملة في مايو 1990 لم نشعر بحجم وألم تلك الصفعة التي منينا بها وداست علينا وصدقنا أننا قد حصلنا على القرش من الصفعة الأولى، فيما كان الأمر هو الطعنة الأولى التي نزفنا بعدها وانسكب دمنا وروحنا وكل قوانا إلى ما لا نهاية، هذا من قصة الأمس.
قصة اليوم لم نكن نحن مثل ذلك المختل الذي خطف القروش والمال كله من الجنوب ورمى بما تبقى من العظام على الأكوام، اليوم نصحو على صراخ الوطن في الجنوب طبعا ونصحو على الجراح التي منينا بها لنقرأها فصلا فصلاً حتى نتمكن من تأليف الكتاب الكامل وإصداره في اللحظة المناسبة التي انتظرها الجميع، كان حالنا في تلك الأيام التي مرت علينا من فشل إلى فشل وقد عرفنا حينئذ بعضا من الهدوء والاستقرار في ظل ذلك الاحتلال العارم لكياننا، لا عن رضى واطمئنان نفسي وتسليم بالواقع ولكنه الاستقرار الأليم الذي جاء بعد الاجتياح الكامل الشامل وما تلاه ونعلمه كله والذي وطده الحديد وباركته النيران والتفوق العسكري والقمعي والهمجي.
لقد مررنا بعملية مخاض طويلة وقد طالت أصوات الألم وتأخر لدينا صوت الشارع وصوت النهج المنشود ما بين إصلاح وإعادة إصلاح وتقويم مسار، وتوزعت الأسماء حتى صار ذلك اليوم الذي صرخ فيه الحراك وزعق زعقته الكبيرة التي أطاحت بصاحب الصفعة الذي تعود على القروش واستبدلنا السكينة بالنهوض، وكان علينا أن نفهم أننا قد سجلنا في تاريخنا ما يكفي من تضحيات ونضال بل وكنا سباقين إلى الفكر الحديث في عدن مدينة السلام التي تعايشت فيها الأقليات والقوانين والديمقراطية والصحافة، وكذلك حضرموت التي تمتعت على مدى أكثر من قرن ونصف باستقرار وامتزاج مع الخارج ونهضة لازالت ملامحها تدب على الأرض اليوم.
نحن سعداء اليوم وإن ظهرت لدينا بعض المخاوف، ولكن سعادتنا تكبر على المخاوف لأن كل الكيانات في الحراك تدخل في مرحلة المسؤولية وتقف ناهضة مستعدة للغد بكل ما يحمل من مسؤولية جسيمة خلفها كل الشعب، وهي في حد ذاتها صفعة كبيرة أوجدت مدرسة كبيرة للفكر الثوري السلمي في الجنوب وأنجزت مهمة سامية وشعبية ورائعة الملامح تدفع بنا إلى الأمام وإلى الإمساك بيوم حريتنا القادم نحونا وإلى أحضاننا.. والسلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى