تربة واحدة ويمنان مستقلان

> عياش علي محمد

>
عياش علي محمد
عياش علي محمد
في كل الأوقات، وعلى مدى عمري الزمني، كنت كلما سمعت عن الحكمة اليمانية، تتعصب عروقي وينتابني تأثير السعادة والطمأنينة بأنني أعيش في أجواء الحكمة اليمانية.
ولكن على مدى العشرين السنة الماضية تحولت الحكمة اليمانية عندي إلى (كظمة يمانية) بعد أن كشرت عن أنيابها وقادت إلى تحطيم كل ما هو جميل في بلادي.
فكأنما عنوان الحكمة اليمانية كان سطوة التملك ولا زالت ثقافة التملك جارية بين عروقها، فالتملك يمكن أن نتعاشر معه في المنطق والمعقول كالذي يمتلك بيتاً وهذا من حقه أو يمتلك أغناماً وهذا من حقه، أو حتى يمتلك عددا من أشجار النخيل فهذا أيضاً من حقه.. لكن أن تدعي الحكمة اليمانية امتلاكها لأراض جنوبية تقدر مساحتها بـ360.000 كيلومتر مربع وهي تساوي ثلاثة أحجام الجمهورية العربية اليمنية، فهذا هو الشيء غير المعقول، وتمادت الحكمة اليمانية بإشهارها أن شعب الجنوب هو شعب ملحق بها، لأنهما يعيشان على وحدة التراب اليمني، ويصبح شعب جنوب شبه الجزيرة العربية إما مربوطاً بهم أو يظل وريثة أي نظام يشهر يمنيته المقدسة.
الجنوب والشعب العربي فيه ليس ملكاً لأحد، ولا هو وديعة تسلم من يد إلى أخرى، إنه شعب حر وأبي، وأقام دولة عصرية في القرن العشرين، وكان سيضيف شيئاً جديداً للحضارة العالمية لولا أن الحكمة اليمانية أعادته إلى بطون القرون الوسطى.
أحد أصدقائي من الشمال قال لي: إننا موحدون بموجب وحدة التراب اليمني، فقلت له: إن أوروبا لها نفس التضاريس ويوحدها التراب الأوروبي، ولكن على هذا التراب وجدت أكثر من ثلاثين دولة أوروبية تعيش على ترابه.
ولكل دولة هويتها الخاصة بها، وأستراليا وبريطانيا دولتان إحداهما قارة في آسيا والأخرى جزيرة في أوروبا يتكلمان بنفس اللغة الإنجليزية، وتتمتعان أجسادهما باللون الأوربي الأبيض لكنهما دولتان لكل منهما هويته الخاصة، فلماذا لا تكون هناك دولتان يمنيتان منفصلتان على نفس التراب اليمني.. فلماذا تربط الحكمة اليمانية وحدة التراب اليمني بمصير دولتين اتحدتا سلمياً وتنوي إحداهما الفكاك عن الأخرى سلمياً.
ونتمنى من الحكمة اليمانية أن تعيد قراءة نفسها وتشطب كل ما علق بها من شوائب الزمن، وتبادر وتنقل الدولتين في الشمال والجنوب إلى مصاف الدول المتقدمة عبر نقلهما بقطار القرن الواحد والعشرين، ضاربة بذلك أروع مثل للعالم في كيفية معالجة مشكلة تاريخية بحلول عصرية، وقدرت هذه الحكمة على فك الرباط المتخلف الذي خنق الدولتين معاً وأجبرهما على العيش على أعتاب القرن السادس عشر، وأخر نموهما وانطلاقهما.
ولم يسمح هذا الرباط (غير المقدس) في أن يخلق أجواء مثمرة من ثقافة العصر التي تعطي الأجيال القادمة أمثلة حية عن نقائه وطهارة حكمة يمانية استطاعت تنظيف كل ما علق بها من مساوئ حكام استخدموها لسيطرة مجتمع على آخر، وإذلال مجتمع ومسخ هويته.
حينها سنرفع رؤوسنا للسماء ونفتخر أن معنا حكمة يمانية أعادت الاعتبار للتاريخ والزمن والإنسان، إذا تحقق حلم استعادة الدولة الجنوبية ورفع علمها ورتل طلابها النشيد الوطني، وقام أبناؤها بإعادة بنائها من جديد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى