برحيله يرحل دهر بأكمله من الشعر .. الموت يغيب الشاعر سعيد عقل

> بيروت «الأيام» أ. ف. ب

> توفي صباح أمس الأول الجمعة، الشاعر اللبناني سعيد عقل، الذي يعد أحد أبرز الوجوه الشعرية والأدبية في لبنان والعالم العربي، عن عمر ناهز (مائة وسنتين)، وتَقَرر تشييع الشاعر بعد غدٍ الثلاثاء في تمام الساعة (11:30) بالتوقيت المحلي في كنيسة مار جرجس بوسط بيروت.
يعد الشاعر اللبناني سعيد عقل واحدًا من أعمدة الأدب اللبناني على مدى عقود طويلة، مع قصائد حفظت في ذاكرة أجيال متعاقبة، وتغني بها كبار المغنين، رغم أن مواقف صاحب نظرية (القومية اللبنانية) لم تخل من إثارة الجدل.
ولد سعيد عقل في مدينة زحلة شرق لبنان في الرابع من يوليو 1912 في عائلة هادئة، وتلقى دروسه الأولى في مدرسة الإخوة المريميين، وكان يعتزم التخصص في الهندسة، لكن إفلاس والده وهو في الخامسة عشرة من عمره اضطره لترك المدرسة، وتحمل مسئولية المشاركة في إعالة العائلة، وبدأ بالكتابة في صحف عدة منها (البرق) و(المعرض) و(لسان الحال) و(الجريدة) ومجلة (الصياد).
وتميز بلغته العربية الجميلة، وكان يغوص في عمق اللغة باحثًا عن كنوزها وجمالياتها ناحتًا الكلمات نحتًا، وقال سعيد عقل المعروف باعتزازه الكبير بنفسه يومًا عن شعره: “أفتخر بأنني كتبت شعرًا غير مكتوب في ثلاث لغات تمتلك أجمل شعر في العالم وأعظمه أثينا وروما وفرنسا”.
وشعر سعيد عقل مفعم بالرمزية وقصائده خالية من التفجع، كما يتسم شعره بالفرح ويخلو من البكاء، فقد قال “في شعري شيء من الرمزية، لكن شعري أكبر من ذلك، يضم كل أنواع الشعر في العالم، هؤلاء الذين يصدقون أنهم رواد مدرسة من المدارس ليسوا شعراء كبارًا، الشعراء الكبار هم الذين يجعلون كل أنواع الشعر تصفق لهم”.
وكان شاعرًا يؤمن بسلطان العقل، وهو وصل بالقصيدة العمودية الكلاسيكية إلى أعلى المراتب، وغنى للوطن، وتغنى بالمرأة بنبل وبعذوبة، ولم يكن غزله مبتذلاً، من دواوينه (قصائد من دفترها) و(رندلى) و(دلزى) و(أجمل منك؟ لا).
وقد كتب النثر ومن أعماله في هذا المجال (يوم النخبة) و(كأس الخمر) و(لبنان إن حكى) الذي يتطرق إلى أمجاد لبنان بأسلوب قصصي، وفي المسرح وضع عقل مسرحية (قدموس)، وفي العام 1954 صدر له كتاب (مشكلة النخبة) الذي يطالب فيه بإعادة النظر في السياسة والفكر والفن، وفي العام 1962 أسس جائزة شعرية تشجيعًا لكتابة القصائد التي تتغنى بلبنان.
ومن كتبه أيضًا (خماسيات)، وهي مجموعة قصائد باللهجة اللبنانية و(الحرف اللبناني)، وصدر سنة 1978، وفي العام 1981 صدر لسعيد عقل ديوان شعر باللغة الفرنسية اسمه (الذهب قصائد)، وهو كتاب جامع يحمل خلاصة أفكاره.
وتحفظ قصائد سعيد عقل أجيال عدة من اللبنانيين، وأدرجت قصائد منها في المنهاج التعليمي اللبناني، وقد غنى كبار المطربين اللبنانيين أشعاره أبرزهم فيروز التي غنت له من الحان محمد عبدالوهاب (مر بي)، ومن ألحان الأخوين رحباني قصائد عدة منها ما يتغنى بالقدس والشام ومكة، وأشهرها (زهرة المدائن) و(سيف فليشهر) (القدس في البال)، لكنه في المقابل، أطلق مواقف مثيرة للجدل من الفلسطينيين والعرب عمومًا، ولاسيما أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، في الوقت الذي كان البلد يشهد انقسامًا طائفيًا حادًا، فهو لم يتوانَ عن تأييد الاجتياح داعيًا إسرائيل للقضاء على الوجود الفلسطيني في لبنان!!.
ويعد سعيد عقل واحدًا من أكبر دعاة القومية اللبنانية، وأسس في العام 1972 حزب التجدد اللبناني، وكان يؤمن بفرادة الأمة اللبنانية و(الخصوصية اللبنانية)، فهو كان يدعو إلى التخلي عن اللغة العربية الفصحى لحساب العامية اللبنانية، وقد أطلق ثورته اللغوية هذه مع (يارا) العام 1961، داعيًا إلى نبذ الحرف العربي، واعتماد الحرف اللاتيني مكانه، وإلى اعتبار لبنان فينيقيا، وليس جزءًا من العالم العربي، وقد أوقعته هذه المواقف في جدل مع من يؤمن بانتماء لبنان إلى العالم العربي.
بشعره الأبيض المنفوش، وطريقة كلامه المسرحية، وصوته الأجش، ولهجته الواثقة، لم تغادره ذاكرته في أيامه الأخيرة إلا أحيانًا، ثقل سمعه، لكنه كان دومًا خلال جلساته حاضر الذهن يلقي القصائد على طريقته، بدون توقف.
وقد كتب الشاعر المعروف بعنفوانه “الحياة عزم، حتى إذا أنا انتهيت تولى القبر عزمي من بعدي”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى