لغتنا في خطر

> د. حياة شتواني

> تُمطرنا القنوات العربيَّة الفضائية في السنوات الأخيرة بوابِلٍ من المسلسلات الأجنبية المدبلجة، التي يُتابعها أطفالنا وشبابنا بترقّب وشَغفٍ كبيرَيْن، ولا مِراء في أنها تحمل قِيَمًا مُخالفة لقِيَمنا الخُلقية والدينيَّة، وتُصوِّر عادات غريبة عن واقعنا؛ مما يَنعكس سلبًا على ثقافتنا العربية والإسلاميَّة، ويكون له تأثير سيِّئ على سلوكيَّات أطفالنا، ولا سيَّما وأنَّ الصغار كما نعلم، يستوعبون بسرعة ما يُنقل إليهم، ويتأثرون به، دونما تمييزٍ بين الغَثِّ والسمين.
وما يُثير الانتباه ويَشغل الألباب في هذه المسلسلات، هو أنها مدبلجة كلها إلى اللهجات العامية، فهل هذا استخفاف باللغة العربية الفصحى لغة القرآن الكريم؟ أم دعوة ضمنيَّة إلى هجْرها، واستبدالها باللهجات العاميَّة؟ هل يعني هذا أنَّ القنوات الفضائيَّة العربية والإنتاج الفني يَدعمان اللهجات العامية على حساب لغتنا القومية ؟!
إنَّ دبلجة هذه المسلسلات إلى العامية لهو عدوان على لُغتنا الأمِّ، وحرب ثقافية شَرِسة تُشَنّ عليها أخطر من الحرب العسكريَّة؛ لأنها تُسهِّل تمرير القِيَم السلبية والعادات السيِّئة إلى مجتمعنا، وتؤثِّر سلبًا على التكوين اللغوي والفكري لأبنائنا، وتُرَوِّج للعامية على حساب اللغة العربية الفصحى، وغَنِيٌّ عن البيان أنَّ العامية ليست بحاجة إلى جهود لنشرها داخل الوطن الواحد ما دامتْ هي أداة التواصل اليومي بين أبنائه، بخلاف اللغة العربيَّة فهي في مِحنة، وفي تراجع مستمر، وتتناوَشها السهام والقَنا من كلِّ صوبٍ لاستئصالها؛ لذلك فهي في أمَسِّ الحاجة لمن يوفِّيها حقَّها ويُعطيها وفقها، ويُعزِّز مكانتها، وما يؤسَف له حقًّا هو أنَّ الحرب الثقافية تُشَنّ عليها ليس فقط من الخارج، بل من الداخل أيضًا.
إنَّ لغتنا في خطر، تعاني من الغربة والحَيْف في وطنها وبين أهلها: (وَظُلْمُ ذَوِي الْقُرْبَى أَشَدّ مَضَاضَةً)، ولذلك نجدها في هذا البيت الشعري لحافظ إبراهيم تَئِنّ وتَرد عليهم باكيةً:
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الْغَرْبِ نَاعِبٌ
يُنَادِي بِوَأْدِي فِي رَبِيعِ حَيَاتِي
فالتلفاز - كوسيلة إعلاميَّة - حينما يَجعل المسلسلات التلفزيونية المدبلجة إلى العامية، تَقتحم عُقر بيوتنا دون استئذان، الواحد تلو الآخر، ويعيش كلّ مسلسل بيننا لمدة أربعة أشهر أو أكثر، ألا يُسهم في الترويج للعامية على حساب اللغة العربية الفصحى ؟!.
إننا كمشاهدين عرب ومسلمين، نريد لغة فصيحة تعود علينا وعلى أُمَّتنا بالنفع، لا عامية لا جَدْوى منها، فالتفريط في لغة الضاد له نتائج خطيرة على أبنائنا ومستقبلنا؛ لأنه يؤدي إلى عدم تمكّن أبنائنا من هذه اللغة المقدَّسة، ويَجعلهم أبعد عن فَهم كتاب الله، ويَفصلهم عن وطنهم وقِيَمه الرّوحية، كما يؤدي إلى تراجع الحسِّ القومي، ونَشْر الفتن، وفصْلِنا عن تراثنا وتاريخنا، فلغتنا القومية باعتبارها لغةَ القرآن الكريم، ولسانًا مشتركًا بين أبناء الأُمَّة العربية، هي التي توحِّد بينهم، وتقف حصنًا منيعًا أمام توليد مشاعر التعصُب للهجة دون أخرى؛ سواء داخل الوطن الواحد، أو داخل الأمة العربية، فلا وحدة للأمة العربيَّة دون لُغتنا الأم، ولا حياة لها دونها، ولا تنمية حقيقية إلاَّ في رحابها، ولعَمري إنها لغة تَملك كلَّ مقومات الحياة والتطوّر، والبقاء على خلاف ما يدَّعيه خصومها. إنها لغة التقدُم والمستقبل، فلنحافظ عليها، ولنعتز بها كما تعتزّ كل شعوب العالم بلغاتها، إنها لغة لا تستحق كلَّ هذا الحَيْف والجحود، ويكفينا فخرًا أنها لغة القرآن الكريم.
**د. حياة شتواني**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى