30 نوفمبر من قبل ومن بعد

> عقيد طيار / طه محمد المالكي

>
 طه محمد المالكي
طه محمد المالكي
احتفل شعبنا اليمني في الـ30 من نوفمبر بالذكرى الـ47 لاستقلال دولة الجنوب من الاستعمار البريطاني البغيض الذي دام قرابة 129 عاما، وبعد نضال مرير وشاق قدم هذا الشعب من خلاله القوافل من الشهداء والجرحى حتى نال استقلاله المجيد في مثل هذا اليوم التاريخي والرائع.
لقد عمل الاحتلال خلال هذه الفترة على نشر التخلف والجهل والمرض ونشر الثارات بين أفراد شعب الجنوب الأبي.
وبإصرار شعب الجنوب المكافح وبمساعدة الأشقاء العرب تمكن هذا الشعب من دحر الاستعمار، ونيل حريته الكاملة على ترابه الوطني.
لقد شكل يوم الجلاء في الـ30 من نوفمبر نقلة نوعية تاريخية ومعنوية لشعب الجنوب، فقد شعر هذا الشعب بإشراقة فجر جديد هلَّ على ربوع هذا الموطن من المهرة إلى باب المندب.
وكانت مرحلة ما بعد الثورة صعبة وعسيرة واجه من خلالها قادة الدولة الوليدة مهام جسيمة في ذلك الزمن، إلا أنهم استطاعوا أن يتحملوا مسئوليتهم بكل جدارة واقتدار وبدأوا العمل في بناء ركائز الدولة بداية ناجحة بعون الله ثم بمساعدة الأشقاء والأصدقاء في كل دول الجوار والعالم الذين ساهموا بشكل كبير في دعم الاقتصاد، وتأهيل الكادر بالمجالات الإداري والصناعي والزراعي الذي تمكن بعدها هذا الكادر من تدوير عجلة التنمية في هذا البلد إلى الأمام، أيضا استفادة الدولة الحديثة من موروث النظام الإداري الإنجليزي القوي والدقيق والمتطور حينها.
وعملت الدولة والشعب بلا كلل ولا ملل على إنجاز العديد من المشاريع الهامة والكبيرة أبرزها نشر التعليم في كل ربوع الوطن من خلال بناء المدارس والكليات وتوفير المعلمين الأكفاء حتى وصلت إلى أن تكون الدولة الأولى في المنطقة التي تمكنت من القضاء على الأمية.
لقد تمكنت الدولة إلى حد كبير من رفع المستوى الاقتصادي للبلد خلال فترة وجيزة من خلال الاستثمار الجيد والنزيه لموارد الوطن المتعددة السمكية والزراعية والضريبية، وعملت على تفعيل مزارع الدولة التي كانت تغطي احتياجات الشعب الاستهلاكية، وطورت مزارع القطن الذي كانت تصدره الدولة وتجلب من مردوداته العملة الصعب، إضافة إلى تصدير السمك و(الشروخ) الذي كان هو الآخر يوفر العملة الصعبة للبلد، وقامت الدولة بتوفير الطاقة الكهربائية التي تغطي احتياجات المستهلك بدون انقطاع.
وأهم ما قامت به الدولة بعد الاستقلال هو القضاء التام على ظاهرة الثأر التي تمكنت بعدها الدولة والشعب من الحركة في ربوع الوطن بكل حرية وأمان، وهذه الخطوة ساعدت إلى حد كبير على توفير العمالة، ورفع مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
عملت الدولة على تطوير قدرات القوات المسلحة والأمن بمساعدة الأصدقاء في المعسكر الاشتراكي الذين ساهموا بطريقة كبيرة على رفع القدرة القتالية والأمنية من حيث تطوير العدد والعتاد والجهوزية القتالية العالية والمتدربة بشكل جيد ليمكنها بكل اقتدار من دحر من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن.
إن العمل الاستثنائي والفريد الذي قامت به دولة الجنوب، والذي لم يعمل به أشقاؤنا (دولة الشمال) في ذلك الوقت هو توعية شعب الجنوب بأهمية الوحدة الذي أدرجته الدولة ضمن شعارها وجعلته في النشيد الوطني للدولة، وكنا نردده في كل صباح في المدارس والمعسكرات.
أخي القارئ الكريم لقد سردت لك في مقالي هذا ملخصا صغيرا من تاريخ ما بعد الاستقلال الـ30 من نوفمبر وأريد من خلاله أن أتطرق وبشكل وجيز إلى ما يجري في الساحة الجنوبية اليوم من أحداث وتطورات، حيث إن الجنوب يمر هذه الأيام بمرحلة ثورية مشتعلة منذُ 2007م يعبِّر من خلالها عن رفضه التام لوحدة الضم والإلحاق التي تمت بعد حرب صيف 94، وقد عانى ولا يزال يعاني هذا الشعب الكثير من الويلات والظلم والمآسي التي لا تخفى على أحد في السلطة والشعب.
فما يهم الآن وبعد ثورة 21 سبتمبر، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة إننا كشعب جنوبي يتطلع إلى تغيير جذري وجديد في التعامل مع قضية شعبنا من خلال الاعتراف الواضح والصريح من خلال الدولة في صنعاء بعدالة قضيتنا، وبأنها قضية سياسية بين دولتين توحدتا برضاهما، وأن لكل منهما الحق في البقاء فيها أو بتقرير مصيره منفردا في بناء دولته ضمن فدرالية بين شطرين أو العودة إلى ما قبل الوحدة من خلال استفتاء يقوم به أبناء الجنوب.
أما قرارات مؤتمر الحوار التي تسعى الدولة إلى تعديلها بما يتعلق بالفدرالية بين إقليمين حسب تسريبات بعض وسائل الإعلام، وأيضا قرارت فخامة الأخ رئيس الجمهورية بإعادة مجاميع لابأس بها من أفراد الجيش والأمن والمدنيين، فاعتقادي بأنها مهمة، وتساعد كثيرا على رفع الظلم الذي كان تعانيه هذه المجاميع، وتعمل على تحسين ظروفه المعيشية والنفسية والمعنوية.
أما بالنسبة لما يدور في الشارع الجنوبي الثوري المنتفض، والذي يطالب باستعادة دولته، وقدم الكثير من الشهداء والجرحى والمعتقلين، فلا أعتقد أن الحلول المذكورة ستحل المشكلة، لأن المشكلة التي يحملها الشعب ثورية سياسية أكبر من الحلول الحقوقية والمادية.
أتمنى من الحكومة الجديدة والثوار أن يعملوا بشكل مختلف أكثر جدية ومصداقية وعدالة تجاه قضية شعب الجنوب، ويفترض بهم التسليم والاعتراف بأن الجنوب وشعبه كان دولة مستقلة دخلت الوحدة برضاها، ولديها الآن قضية سياسية مع شريكها في الوحدة الجمهورية اليمنية، وأن لكل منهما الحق في البقاء في الوحدة أو الخروج منها وبناء دولته المستقلة، أما الحلول الحقوقية والمؤقتة فلا أعتقد أنها تحل القضية، وتعيد شعب الجنوب من الساحات.
أسال الله التوفيق والنجاح والتقدم والازدهار لكل أفراد شعب اليمن وحكومته، وبالله التوفيق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى