قراءة في ديوان (كيف يروض الحنين) مقاربة نقدية من منظور نظرية التلقي

> ثابت المرامي

> (كيف يروض الحنين) هو عنون لديوان شعر يفصح عن حال الشاعرة وتجربتها الإبداعية في لغة تستند إلى الخرق والإيجاز، وتتكئ على الإبهام بألفاظ غزلية تستهوي المتلقي، فترديه أسيرًا في شبكة قوافيها النثرية.
عائشة المحرابي تحكي عن تجربة شعرية، وعن ولادة قصيدة تضع نفسها بين يدي قارئها، فيقع في سمات حسية مميزة خاصة، فتضع القارئ من النظرة الأولى أمام عتبة الغلاف ورمزية لونه البنفسجي؛ ففي لغة الألوان يعني البنفسج التأمل والرقي الروحانية، ويرتبط بمستويات التفكير العليا وبالقدرة على الهدوء والنظرة المنتعشة، واتخذه العشاق رمزًا لهم، فهو يثير خيالاتهم، ويدعو إلى العاطفة الهادئة الرقيقة، ويتوسط الغلاف صورة امرأة جميلة بحركات نثرية يلفها نبض الأشياء من حولها، وعنوان الديوان واسم الكاتبة باللون الأبيض لون الحياة والصفاء والحب والفرح لون البهاء والعطاء الجميل.
وهي بهذه العتبات دلفت بالقارئ بعد قراءة الإهداء إلى عناوين قصائد الديوان بدءًا من (وعود من رماد، نسمة الأمس، سنابل شوق، احتواء، الغد أجمل، ترنيمة، فرحة عمر، شقاوة حرف، بسمة حياة، ترانيم حب، ذات نبض، الحب أعمى، أمل نابض، أجمل فوضى، قصيدة حب ... إلخ)، وضعتنا الكاتبة وجهًا لوجه أمام شعرية تجيد النسج بمفردها صانعة عالمها الخاص في مقاربة الحب والعشق بشكل عام وفي مقاربة الذات .. ففي قصائد (كيف يروض الحنين) تتحول الذات إلى كوكب حب كبير دافعتيه الجمال والحميمة ذاتها، حب من نوع خاص فيه من التأمل ما يزيد بهاؤه وبتلك الدافقية الشعرية من الحنين تحوله الكاتبة إلى أوتار من كلمات، فتعزف عليه سيمفونية جمال طويلة من البداية إلى النهاية، فيصبح الحنين من فاعل إلى مفعول به في ديوان عائشة المحرابي، فيكون ارتباطه مباشرًا بالعنوان (كيف يروض الحنين)، فكان ترويضه موسيقى عزفت عليه الأدبية عائشة المحرابي لتخرجه ديوان يعمد في لغته إلى رؤية نافذة إلى العمق تتخذ من الاستفزاز البلاغي والنحوي ما يجعل جمهور الشعر أكثر التحامًا بقصائده، فهو لا يعمل فقط على جذب المتلقي ليتذوق الشعر، بل يعمل على أسره بالكلمة والصورة، وقد يصل إلى المشهد الذي يريد أن توصله الكاتبة للقارئ، فتجعل المتذوق والمتلقي يتبنى إحساس الشاعرة متمردًا في الرؤية الفنية على كل ما هو مألوف ومعروف، وخير ذلك مقدمات القصائد التي اعتنت بها اعتناء في بنائها اللغوي وتشكيلها الفني، وقد اكتملت الروعة بفعل التوازي الهندسي بين الكلمات يساوي القوافي قولاً وفعلاً كما في قصيدة (وعود من رماد)
يا رجلاً يتدلل كالغيم الأبيض
فوق جبين الأفق
يزرع في معصمي
سوار الشوق مرصعًا بالوجد
يغسلني كالمطر الكبريتي
ويعمدني بياسمين الكلمات
كالموج الأزرق يرسمني
تحت شعاع الشمس
وشمًا في صاعد بحَّار .. إلخ
وبهذه الترانيم يتبين أن للشاعرة قاموس لغوي قد يتراءى للقارئ بأنه بسيط، لكنها تفجر به معانٍ وصور فنية رائعة الجمال تستحوذ على المتلقي وتجعله يتابع ويقول:
هل من مزيد
أهداني وردة فنبت لي جناحان ونبض
لا أكشف سرًا إن قلت إن عائشة المحرابي تشتعل بالحنين تروضه، وتعزف عليه وتجعله يذوب كالشمعة ليبني مجدًا خالد الكلمات، وصوره تتحول إلى مشاهد متسعة قوامها الحركة، والضوء واللون، والفضاء، وهي متحررة من كل القيود التقليدية، وترتقي إلى درجة تجعل المتلقي ملتصقًا بها ومرددًا لها.
يا بحر هل أنا منك
أم أني شط استراحة
لقلب مسافر في صحاري الوجع !!
أم أن جداولي غمست
في صدر أمواجك
فصرت غريبًا
ديوان (كيف يروض الحنين) تجربة تحررت من الأسر اللغوي، فهي تجربة فنية قائمة بذاتها، ومتعلقة بأحاسيس الشاعرة التي كلما زاد لهيب الحب والتجربة الإبداعية ازدادت الرغبة في الإبحار في عوالم الكلمة والكتابة، فقصائد (كيف يروض الحنين)، ولدت من لهب الإحساس ومن شفاه مشتعلة بالذوق والرقي والتجربة الثقافية، وصنعت لوحة استثنائية من أناقة الحب، وصدق المشاعر لتسجلها اللحظات بعمق كبير.
تتدلى عناقيد ضحكاتنا.. كلما مرت بخاطر لحظاتنا الجميلة .. معتقة بالقرنفل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى