الـخـريـجـة

> رباب محمد فرحان

> تسلمت شهادتها في حفل تخرج بهيج أقيم في كلية التربية جامعة عدن، فرحت بلحظة الاحتفال، تبادلت القبلات والتهاني والنكات مع الصديقات، غنت وضحكت معهن، فرحت بالحياة وأملت بمستقبل زاهر وسعيد.
اعتبرت يوم تخرجها ميلادا جديدا بالنسبة لها، فما هو آت مختلف كلياً عما قبله، فعمّا قريب ستصبح معلمة في إحدى المدارس الحكومية فقد أنهت دراستها الجامعية بعد عناء بتفوق، أوهكذا خيّل لها.
المعلمة.. تلك الوظيفة التي طالما حلمت بها منذ كانت صغيرة.. كانت ترى نفسها على الدوام معلمة محترمة، يحيط بها تلاميذها الصغار وكأنها ملكة تلبس تاجاً، ويحمل هودجها على الأعناق، وحولها موج كثيف من المعجبين بها والممتنين لفعلها يصفقون لأقل إشارة أوفعل تقوم به.
لم تظن للحظة واحدة أن زمن حفلة التخرج التي اعتبرتها يوما لميلاد جديد، قد يصبح هو نفسه يوم السفر للجحيم المتلاحق، جحيم البطالة والتهميش والتعب النفسي والذي يستمر لسنوات طوال إن لم يكن حتى لحظة النهاية، لحظة الحق الإلهي.
استمرت حفلة التخرج حتى وقت متأخر، وعندما تعبت خريجتنا من البقاء، استأذنت وانصرفت.. وفي اليوم التالي صحت مبكرة ولبست أفخر ثيابها وانطلقت إلى وزارة العمل لتسجل اسمها ضمن كشوف الخريجين الباحثين عن وظيفة، وتم لها ذلك بأقل من لمح البصر، واستبشرت خيراً ولم تعتقد أنها إنما ستستخدم كديكور كما هو عليه الآلاف من زملائها المسجلين منذ عدة سنوات في مسرحية فساد التعيين غير المباركة، وانتظرت لسنوات عجاف ولم يتحقق حلمها في التوظيف الحكومي، وقد كانت تنظر حولها وتستغرب كيف توظف كل أولئك في المدارس والمرافق الحكومية، بعضهم أصغر منها سناً، و الآخر أقل منها مستوى، ولم تستطع أن تجيب عن تلك الأسئلة التي تحيرها على الدوام، وعندما يئست اضطرت بالقبول في العمل بمدرسة خاصة وبراتب شهري يقدر بعشرين ألف ريال، ووقعت على حزمة من الشروط منها الشرط الجزائي بحقها إن هي مرضت أو تزوجت أو خرجت من المدرسة لأي سبب ولو كان وجيهاً.
وهكذا تحولت الآمال العظيمة إلى مجرد ذكريات، وتحولت هي بشهادتها، بعلمها، بمواهبها، بقدراتها، بل بكيانها كله إلى مجرد خادم مطيع ينفذ أوامر سيده صاحب المدرسة.
لقد ندمت بطلتنا لأنها واصلت دراستها، ندمت لأنها حلمت بوظيفة تتمكن من خلالها أن تخدم مجتمعها وتنفع نفسها بها، وندمت أكثر لأنها صدقت المسئولين الذين يبيعون الكلمات المعسولة بضرورة تعليم الفتاة!.
**رباب محمد فرحان**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى