الحطاب ومصاص الدماء

> قصة / أحمد ناصر المحروقي

> بدا الكوخ الخشبي كسفينة وسط عاصفة هوجاء وأمواج متلاطمة في قلب المحيط، فقد تلاعبت الرياح بنوافذ الكوخ الخشبي العتيقة حتى كادت تخلعها من الجدار الخشبي، وكانت قطرات المطر تتسلل بين أخشاب السقف المهترئة وتتساقط على الأرضية، وبسبب ذلك فقد تجنب سكان المنزل البسطاء مواضع سقوط قطرات المطر، إذ إنها كانت شديدة البرودة.
ورغم كل هذه العوامل التي تؤرق العين إلا أن سكان الكوخ اعتادوا النوم وسط البروق والرعود والصواعق.
بعد ساعات توقف المطر، وانقشعت السحب لتسمح بتسلل الأنسجة العنكبوتية وتمتزج مع زرقة السماء وشفافيتها وتحبك بذلك منظراً خلاباً شديد التعقيد مع خضرة أشجار الغابة الكثيفة، وما كان يضفي رونقاً على هذا المنظر هو إشعاع نجم في جهة المشرق وقد بدا كدرة شديدة الجمال.
في مثل ذاك الوقت، كان الحطاب الفقير يستيقظ من النوم ويوقظ عائلته البسيطة، ثم يتناولون الإفطار ويحمدون الله على نعمه، ثم يمضي كل منهم إلى عمله.
ومضت على تلك الحياة البسيطة أيام وليال كثيرة، واعتقد رب الأسرة أن عائلته ستعيش أبد الدهر تلك الحياة البسيطة السعيدة إذا ما استمروا بشكر الخالق الرازق عز وجل وعبادته على الطريق المستقيم.
عاد الأب من العمل منهكاً وقد أراد أن يرتاح في منزله، فردد أنشودة قديمة شاعرها هو عبد الله بن رواحة (رضي الله عنه)، وبينما هو كذلك وصوته يتردد في أرجاء الغابة، لقي شخصاً طويل القامة عريض المنكبين، وجهه شاحب شحوب الموتى، وله عينان رماديتان باردتان تبث الرعب في قلب من ينظر إليه وكان أنفه كالمنقار، وظهره منحن قليلاً إلى الأمام، وكان يلبس ثياباً غريبة، معطفاً بنياً يصل إلى ركبته وعلى أطرافه زخارف ذهبية ويلبس قبعة سوداء اللون ذات طراز عربي قديم، ويضع ريشاً أبيض اللون على صدره ويحمل عصا مذهبة، كان هذا الرجل يحمل علامات السيادة والسلطة والنبل، وكان كما بدا للحطاب قد ضل طريقه في الغابة، فطلب من الحطاب أن يدله على طريق الخروج من الغابة، ووعده بمكافأة قيمة على ذلك، وفوراً قبل الحطاب البسيط مساعدة الرجل ، وأخذه إلى منزله، وهناك قرر الرجل أنه سيبقى بعض الوقت في الكوخ لمساعدة الحطاب.
مكث الرجل أياماً وليالي عديدة مع العائلة البسيطة، واستطاع أهل الكوخ معرفة صفات الرجل الدفينة، فقد كان أنانياً حاد الطباع وسيء المزاج، ومع ذلك لم يعرفوا حقيقته الشيطانية المخيفة، لاحظ الحطاب أن صحة أفراد العائلة تتدهور شيئاً فشيئاً، ففي كل صباح من كل يوم يقوم أحد أفراد العائلة ويجد جرحين متقاربين في موضع من جسده، ويحكي حلماً غريباً عن شخص قام بعضه وامتصاص دمه.
واستمرت هذه الحوادث لمدة طويلة من الزمن، وبعد ذلك شاب الأب وأصبح عجوزاً ثم مات، وبقي أبناؤه لا يعرفون ما يفعلون، وقد انتشر بينهم الحسد والكره والأنانية، وفي نهاية المطاف غادر الرجل الثري البيت الخشبي وترك رسالة يقول فيها "لقد امتصصت دمكم النقي وأبدلته بدمي الفاسد وسوف تصبحون أشباحاً ووحوشاً لا تعرف الأخلاق ولا تعرف الحق من الباطل، لأني أعطيتكم دم مصاص دماء خبيث يحمل حقداً دفيناً عليكم لمئات من السنين..".
وبالفعل أصبحت الغابة موطناً لتلك الأشباح المتبقية في ذلك المنزل، وتحولت الغابة الخضراء والزهور الزاهية إلى سوداء في حداد لا يعرف أجله، تبكي وتنتحب كل يوم وكل ساعة على ما حل بأهلها .. وهذا هو ما صرنا إليه.
**قصة / أحمد ناصر المحروقي**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى