الحوار المفقود في الجنوب

> عياش علي محمد

>
عياش علي محمد
عياش علي محمد
الحوار الدائر حالياً بين الكيانات السياسية في الجنوب حوار أصاب الكثير من مناصري الحراك الجنوبي بالانزعاج، لأنه حوار يفتقر إلى أبسط مبادئ الحوار الحقيقي القائم على الانفتاح للآخر، ولم يبذل أطرافه أي جهد حقيقي لبناء منظومة حوار متكاملة، حتى يقال إن المتحاورين لم يسكن في قلوبهم الإيمان بالقضية الجنوبية، حتى يساعدهم (الله) بتحقيق حلمهم من هذا الحوار.
فكل كيان سياسي يخوض ذلك الحوار تراه ممسكاً بقناعاته ولا يريدها أن تذوب في نهر الحوار الجاري بينهم بل على الأكثر يطمع بأن تحتل قناعاته الصفوف الأولى في الحوار، ويريدها أن تكون الغالبة في ذلك الحوار، بصرف النظر عن مدى مصداقيتها.
ويعتقد الكثيرون أن عدم وجود وفاق حقيقي بين المتحاورين قد أكد لهم أن النخبة السياسية التي وضعت نفسها في (صحن) ذلك الحوار ما هي إلا نخبة تفتقر إلى النضوج السياسي، وهي بالمعيار النقدي نخبة متكلسة، ويغلب عليها السطحية، التي لازالت تحجب الرؤية عن نخبة أخرى متوقدة تحاول إيصال صوتها دون جدوى، وهي نخبة شابة لديها فرادة في إيجاد النقلات النوعية للحلول السياسية للقضايا التي يراها المتحاورون المتكلسون عصية على أذهانهم.
ماذا يريد المتحاورون من الحوار؟ أيريدون حواراً بيزنطياً ويخسرون الدولة والوطن أم يريدون الوطن ويخسرون الحوار البيزنطي؟، ماذا إن كسبوا الحوار وفقدوا الوطن؟ هل هذا إبداع سياسي في الحوار أم مجرد استعراضات بهلوانية يقضون بها أوقاتهم التي تعد في الوقت الحاضر أوقاتاً من ذهب، لأن القضية ـ المتحاور فيها ـ قد تضيع في مجرى الوقت الضائع.
والطريف في الأمر أن حواراتهم لا تخرج عن المسائل النظرية التي لازالت في علم الغيب، وهي ممتدة من سابق عهدهم في الصراعات التي لا تنتهي حول التفرد في الحكم، وعدم السماح بالشراكة في اتخاذ القرارات، وهذا التقليد الرافض للشراكة لايزال مسيطراً على دفة الحوار، ولم تستطع النخبة المخولة في ذلك الحوار تجاوزه والتخلص من آثاره حتى الوقت الحاضر.
ومن خلال مراقبتنا لمجريات الحوار ـ الذي نحن لسنا طرفاً فيه ـ نجد أن البعض من المتحاورين يريد أن يضعف موقف المحاور معه في هذه القضية، والبعض الآخر قد يكون متأثراً بسياسات أخرى تملي عليه موقفه الراهن، وهذا كان تفسير الكثير من المناصرين للحراك خاصة عندما يعلمون أن الطرف المشارك في الحوار ينقلب على عقبيه، ويتبرأ مما صادق عليه مسبقاً، ويرجع بالحوار إلى المربع الأول من الحوار.
ويؤمن الكثيرون بالرأي القائل: إذا ظلمت النخبة المتحاورة لا تبارح مواقفها، فمن الأفضل إحالتها إلى التقاعد بأحد الأجلين، لعدم قدرتها على مواكبة الزمن والتطورات السياسية الإقليمية والدولية المتعلقة بالقضية الجنوبية.
وخبراء الحوارات يقولون إن الحوار (موهبة)، وللحوار عناصره المدربة والمتقنة لدورها الحواري، وبدون تلك الأهلية يتحول الحوار إلى صراعات مقولبة ومماحكات ليس لها علاقة بأدبيات الحوار.
ومن الطبيعي الاستنتاج بعدم توصل الحوار إلى خاتمته الموفقة بأن هناك أطرافا عديدة يستهويها أن يبقى الحوار جارياً في حلقة مفرغة، وأطرافا أخرى غير مستعدة لتقبل أي نجاح يحرزه ذلك الحوار، باعتبار أن أي نجاح يتحقق منه سيتحول تلقائياً إلى حركة مادية وقوة عملية ستنقل الحراك إلى مدى أوسع، ومجال أرحب، وسيكون الهدف قريباً من شباك المرمى.
فهل يتعلم المتحاورون فن التحاور، ويتعلمون مبادئ الحوار الديمقراطي، وعدم الانسحاب من الحوار، واستخدام الوسائل التقنية لحل الاختلافات، وآخرها التعلم من ضرورة أن يكسب الحوار الدولة، ولا يكسب الجميع الحوار ويخسرون الدولة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى