سادت ثم بادت .. شركة أحواض السفن:من المستفيد من تعطيلها بعد أن كانت ترفد خزينة الدولة بالعملة الصعبة؟! لماذا لم يتم تحديثها تزامناً مع إنشاء المنطقة الحرة؟!

> كتب وصور/ علي راوح

> عرفت عدن خدمات صيانة وإصلاح السفن منذ عام 1920م وكانت حينها تقدم خدماتها بشكل أساسي للقوات البريطانية والفرنسية التي تجوب موانئ البحر الأحمر وبحر العرب، وقد أنشئت بعد الاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967م شركة أحواض السفن الوطنية من مجموع الشركات السابقة وهي:
شركة البس/ شركة ستالكو/ شركة لوك تامس/ وشركة كوري براذرز/.. ومثلت قيمة الموجودات للشركات المؤممة رأسمال للشركة الوطنية (شركة أحواض السفن) وظلت الشركة منذ قيامها تمارس مهمة صيانة وإصلاح السفن بمختلف أحجامها وأنواعها رغم ما اتسم به نشاطها خلال سنوات عمرها الأولى من ضعف نتيجة إغلاق قناة السويس، أما بعد فتح قناة السويس ولمواجهة الطلب المتزايد لتقديم خدماتها للسفن فقد زودت بحوض عائم عام 1976م بطاقة دفع (4500 طن) كوسيلة من وسائل العمل الحديثة المتطورة تكنولوجياً، وفي سبتمبر 1986م زودت الشركة بحوض عائم بطاقة (1500 طن) إلى جانب من مزلق بطاقة (600 طن) كما كانت الشركة تمتلك ورشة فنية مكونة من مجموعة أقسام فنية تخصصية وهي: قسم الخراطة، قسم البرادة، الميكانيكية، قسم الصب، قسم الصفائح، اللحام، والكهرباء، قسم النجارة، وكذا قسم التثليج ومكائن الديزل.
**حوض اليمن في خبر كان**

وكما يقال في الأمثال فإنه كان ياما كان .. كان هناك حوض عائم في شركة أحواض السفن أطلق عليه (حوض اليمن) عندما تم إدخاله إلى الخدمة عام 1976م وكان عمره الافتراضي عشر سنوات وكان طاقمه الفني يتكون من 30 - 35 فرداً من الفنيين والكهربائيين والعمال، ويتسع الحوض لباخرتين في وقت واحد.. وحسب الراوي فإن الحوض ظل إلى عام 2001م تقريبا متجاوزا عمره الافتراضي بما يزيد عن عشرين عاما بفضل جهود العاملين الفنيين في الشركة الذين تربطهم بهذا الحوض رابطة العيش والملح، فهو مصدر رزقهم، كما إنه مصدر لرفد خزانة الدولة بالعملة الصعبة، ومن طرائف المصادقات أن الحوض وبرغم صموده الطويل ظل يقاوم الموت ويتشبث بالحياه، فالحياة كما يقولون غالية، ولكنه في النهاية ترنح وأعلن تقاعده عن العمل وغرق في غياهب اليّم تزامناً مع بدء التدشين للعمل في ميناء المنطقة الحرة ذلكم العملاق الاقتصادي الذي لم يراع خبراؤنا الاقتصاديون أهمية تحديث شركة أحواض السفن بحوض عائم يواكب ما ستشهده المنطقة الحرة من نشاط من خلال قدوم السفن العملاقة حاملات الحاويات والتي بدون شك تتطلب الصيانة والمفاقدة خلال أو لدى وصولها إلى ميناء الحاويات.
**طموح لم يتحقق**
وتعود بي الذاكرة إلى عام 1997م عندما أجريت حديثا صحفيا مع مدير عام الشركة حينها المهندس محمد هادي سالم، ففي رده على أحد أسئلتي حول ضرورة تحديث الشركة لمواكبة نشاط المنطقة الحرة قال: “من اليوم ستتضاعف أهمية خدمات الشركة فيما يخص صيانة وإصلاح السفن الواصلة إلى ميناء عدن، حيث تقتضي الضرورة أن تعمل الشركة على دفع جاهزيتها الفنية وتحديث آلياتها، بل وتحسين مستوى خدماتها لمختلف أنواع السفن وبخاصة أن عدن تعيش مخاضها الكبير المتمثل في ميلاد المنطقة الحرة، ويعتبر الميناء ممثلا لعدد من المرافق الخدمية ومنها خدمات إصلاح السفن”.
وأضاف: “بالحقيقة نحن لسنا بمعزل عما يحصل في المنطقة الحرة ولا يمكن لميناء عدن أن يتطور دون أن تتطور المرافق المكونة له، فشركة أحواض السفن مرفق هام من المرافق التي تقدم خدماتها للبواخر انطلاقا من أن الميناء لديه خطط مستقبلية لدخول السفن العملاقة، وبالتالي نحن مطالبون بتلبية الخدمة لمثل هذه السفن، وهذا يتطلب منا تحديث أسطول الشركة وإيجاد كادر مؤهل وطموحنا كبير وآمالنا عريضة في مواكبة تطورات العصر وبخاصة أننا جزء لا يتجزأ من الميناء الذي يعتبر واجهة البلد، بالإضافة إلى أننا لمسنا توجهات جادة في استعادة المجد التاريخي للميناء”.. (هذه وجهة نظر مدير عام شركة أحواض السفن السابق محمد هادي والتي ظلت حلما لم يتحقق).
**مستقبل لم يأتِ !!
ومما قاله مدير الشركة السابق عام 1997م: “نحن قدمنا تصورا حول مستقبل الشركة وتم مناقشته مع الجهات العليا حددنا فيه بوضوح جملة من الالتزامات لأية عملية تترافق مع الخصخصة، فهذا مرفق سيادي فإذا ما تمت الخصخصة فيجب أن نراعي الحفاظ على سيادة الشركة وهذا الشأن اتخذ به قرار في الشركة ونوقش مع وزارة النقل ودفع إلى مجلس الوزراء واتخذ بعض الإجراءات ولم يراعِ الجانب الفني التخصصي، وأؤكد أنه يجب الحفاظ على سيادة الشركة لأن هذا أمر هام يتعلق بمئات العمال الذين يعيلون أسرهم، ونحن لسنا ضد التحولات في البلد، ولكننا مع مصلحة البلد والدولة، ونحن مع الخصخصة، ولكن بما يخدم النشاط والتحديث لهذه الشركة العريقة”.
**عروض .. وضياع !!

وبعد ما يقرب من عشرة أشهر من حديث المدير العام للشركة وتحديداً في منتصف أغسطس 1998م قام الأخ عبد الملك السياني وزير النقل حينها بزيارة ميدانية لمقر الشركة، وكنت يومها ضمن الفريق الإعلامي المرافق للأخ الوزير في زيارته لمرافق النقل في محافظة عدن، فوجدتها فرصة بأن طلبت منه إجراء حديث صحفي شامل عن نشاط الوزارة وتوجهاتها فيما يتعلق بتطوير ميناء عدن وشركة أحواض السفن والتعامل مع الشركات الملاحية في ميناء عدن فلبى الطلب وأجاب عن كل أسئلتي .. فقد عبر الأخ الوزير في تصريحه عن وجهة نظر الحكومة تجاه شركة أحواض السفن بقوله: “كلنا يعرف أن العمل بأحواض السفن ليس بالمسألة العادية أو البسيطة لأنها تحتاج إلى تكاليف كبيرة لتطوير جاهزيتها وليس بإمكان الدولة تنفيذ مثل هذا المشروع الحيوي الهام، ولدينا حاليًا عدة عروض لشركات كبرى بهدف الدخول في المساهمة لتطوير أحواض السفن بما يلبي خدمات وإصلاح وصيانة البواخر المحلية والأجنبية ضمن آلية متطورة والمعروض حاليًا للشركات الخاصة هو إعطاؤها نسبة كبيرة في المساهمة تصل إلى (70%) وبإمكان القطاع الخاص أن يمارس أيضاً حق الإدارة لكي يضمن التطور والضمان لاسترداد مدفوعات المستثمرين ولهذا فالعمل جار للحصول على هذا الاتفاق مع الشركة التي تكون مؤهلا لذلك”. (انتهى حديث الوزير).
**خيبة أمل**
عزيزي القارئ لا أخفي عليك أنني بعد سماع رد الوزير حينها أصبت بالإحباط وخيبة الأمل .. لماذا؟.. لأنني كنت أتوقع أن وجهة نظر الحكومة تجاه هذه الشركة نظرة اقتصادية تقتضي عزم الدولة في سرعة تحديث هذه الشركة لتواكب العمل في ميناء المنطقة الحرة نظرًا لما يحققه هذا الجانب (إصلاح وصيانة السفن) من أرباح بالعملات الأجنبية، ونظرًا لنجاح هذه الشركة طيلة عمرها المديد وما تمتلكه من كادر فني مجرب يمتلك الخبرة الطويلة.
إذاً.. فما مبرر خصخصتها وكلنا يعلم أن الخصخصة لا تطال إلا المرافق الفاشلة غير القادرة على إعالة عمالها وتحقيق الأرباح لرفد الخزينة العامة.. كما أن مدير عام الشركة السابق المهندس المخضرم محمد هادي سالم أكد لي أكثر من مرة أن الشركة لا تطلب من الدولة هبة مالية لتحديث آلياتها ولكنها تطلب فقط قرضًا ماليًا تستلزم بإعادته بعد نهوضها وستعمل من خلال هذا القرض على شراء حوض عائم بمواصفات عالمية وحديثة، وهو ما سيجعل السفن تطلب خدماتها من الشركة بدلاً من ذهابها إلى جيبوتي أو دبي أو غيرها من الموانئ التي لديها الخدمات المتطورة، وتجاه هذه الرؤية لا أعتقد أن هناك امرأً عاقلاً يؤيد فكرة خصخصة هذه الشركة وبنسبة (70%) حسب وجهة نظر وزير النقل السابق، وإذا كان لابد من إشراك القطاع الخاص للاستثمار في هذه الشركة فلتكن الشراكة بنسبة معقولة وبشروط مسبقة تضمن للدولة سيادتها على هذا المرفق الاقتصادي الهام فضلاً عن ضمان حقوق العاملين الذين أفنوا طاقاتهم في العمل وحافظوا على سمعة الشركة نظرًا لما كانوا يقدمونه من عمل متقن نال إعجاب واحترام العديد من دول العالم.
إن هذه الشركة ومن خلال تاريخها العريق والطويل تتطلب إعادة النظر في تشغيلها وإحياء نشاطها الاقتصادي، وعشمنا كبير في الحكومة الجديدة وفي وزير النقل لوضع الإجراءات اللازمة والكفيلة لعودة الحياة لهذه الشركة التي كانت مصدرا أساسيا من مصادر رفد خزينة الدولة بالعملات الأجنبية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى