الناشطة الحقوقية إشراق المقطري لـ«الأيام»:أبناء تعز يجمعون على رفض أي شكل من أشكال اللا دولة

> حاورها / فهد العميري

> ترى الناشطة الحقوقية والمدربة المتخصصة بالآليات الوطنية والدولية لحماية حقوق الإنسان إشراق المقطري أن استهداف وزيرتي الإعلام والثقافة يوضح العقلية التي لم تتغير طيلة عقود وانعكاس لتوجهات قوى اجتماعية وسياسية صامتة عن هذه السلوكيات.
وتؤكد الأخت إشراق المقطري وجود إجماع في محافظة تعز على رفض أي شكل من أشكال اللا دولة سواء مجلس عسكري أو لجان شعبية أو غيرها من الأشكال المنافية للشكل القانوني لأي دولة في العالم، معتبرة أنها نتاج ثلاثة عقود ونيف من تغييب وإفساد للمؤسسات وقتل الروح الوطنية وتحويل الولاءات للشخصيات والمشايخ والوجاهات حسب مستجدات القوى والانتصارات المزيفة.
**كيف تقرأين المشهد اليمني عامة وفي محافظة تعز على وجه الخصوص؟.
-المشهد العام باليمن فيه الكثير من الاضطراب وعدم الاستقرار على كافة المستويات والمتأثرة طبعا بشكل رئيسي بالجانب السياسي وصراعاته، خصوصا مع تواجد النزاعات المسلحة التي خلقتها أطراف صراع الماضي (مؤتمر - إصلاح) وبمسميات الحاضر وتفريعاته (حوثيين - سلفيين أو قاعدة) لكن ربما في تعز الأمر مختلف قليل مع تقلص فجوة المسافة بين المكونات السياسية ووجود تقارب بالمشروع الذي جمع المحافظة على قاعدة الشراكة والتعايش، وهذا الأمر ساعد في وجود استقرار نوعا ما.
**الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني منقسمة، وأبناء تعز مشردون في الداخل والخارج، ولم يلتفتوا إلى قضايا المحافظة.. إلى متى سيستمر هذا الحال؟.
-بالعكس الانقسام غير موجود بالشكل الكبير لكن قل ربما المشروع الواحد هو الغائب، الأمل كان في تعز معقودا على القوى الحداثية والتقدمية بشقيها الحزبي والمجتمع المدني لتقدم معالجة عامة للوضع في تعز مساند لتوجهات السلطة المحلية بدلا من التنظير والحديث الميت، مشروع اقتصادي سياسي ثقافي يعمل بوتيرة واحدة في تحقيق تنمية على الأرض.
**يراهن الكثيرون على تعز وأبنائها في تقديم نموذج للدولة المدنية لكن الواقع يشير إلى بروز شخصيات قبلية وفساد كبير في المرافق الحكومية.. هل استحال التغيير في تعز؟.
-الفساد وتدني الخدمات والمساس بحقوق الناس وغياب الإنصاف السريع والعادل هو خلل عام منذ عقدين وأكثر، وبما أن العام 2014 كان عام الحرب على مؤسسات الدولة بكل فروعها فأصبح التحدي أكبر على أبناء تعز بالحفاظ على هيبة الدولة في نطاق المحافظة ولا يتأتى ذلك إلا بمحاربة الفساد بأطر قانونية مؤسسية بشقيها (الأجهزة المعنية التابعة للدولة مثل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة) ومؤسسات المجتمع المدني، ولا أعتقد أن التغيير مستحيل، بالعكس هو حاجة ملحة في كل وقت وهو المبرر لكل أشكال الضغط على القوى السياسية والحكومة.
**ما هي الخصوصية التي تتميز بها تعز لتحافظ على تماسكها المجتمعي في وجه المليشيات المسلحة؟.
-هناك شباب مدني من الجنسين يتعاون ويتشارك مع بعض المؤسسات المدنية مثل النقابات وبعض المنظمات يقوم بأنشطة معبرة عن هوية المحافظة المدنية ورفض أي تواجد للسلاح أو استخدامه، إضافة إلى الحملات الثقافية والتوعية بأهمية التنوع المذهبي والحزبي والاجتماعي والجغرافي لكنه نشاط بحاجة إلى تنسيق أكثر، النشاط المدني الحالي بتعز هو عبارة عن جهود شبابية صرفة دافعها الحس الوطني والقيمي والغيرة على هوية تعز المدنية باعتبارها الحامل لهذا المشروع من عقود مضت، وفي اعتقادي أن النشاط بحاجة لتلاحم أكثر وتوحيد جهود إضافة لرفض أي مؤسسات خارجة عن إطار الدولة أو تسعى للمساس بها وإسقاطها وتحول الوطن لغابة صراعات.
**قامت جماعة الحوثيين بتشكيل مجلس عسكري أعلن عنه مؤخرا في المركز الثقافي لمحافظة يطلق عليها عاصمة للثقافة اليمنية إلى جانب الإعلان عن تشكيل لجان ثورية لمحاربة الفساد، كيف نفهم ما يدور؟
-يوجد إجماع في تعز على رفض أي شكل من أشكال اللا دولة سواء مجلس عسكري أو لجان شعبية أو غيرها من الأشكال المنافية للشكل القانوني لأي دولة في العالم وهي عبارة عن نتائج عقليات فساد وامية طيلة ثلاثة عقود ونيف من تغييب وإفساد للمؤسسات وقتل الروح الوطنية وتحويل الولاءات للشخصيات والمشايخ والوجاهات حسب مستجدات القوى والانتصارات المزيفة.
وجماعة الحوثي التي تحولت من مجموعة تشكو الظلم والحرب الظالمة التي طالتها من قبل حلفاء 94 إلى جماعة مسلحة معتدية، ليس فقط على المواطنين وانتهاك حرياتهم بل جماعة هدفها منع قيام المؤسسات بأدوارها، فأصبحوا هم الأمن وهم الوزارات وهم القضاة دون أية خبرات وصفة مؤسسية أو قانونية، في الأمس رفضنا وشكونا ممارسات المؤتمر ثم ممارسات الإصلاح في تجيير دماء الضحايا لصالح مكتسبات حزبية بوزارات وحقائب ووجود متنفذين في أوساطهم، وفي مقدمتهم بيت الأحمر، واليوم نرفض أيضا ممارسات جماعة الحوثي.
** ما هي أبرز الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في اليمن وإلى متى سيظل هذا الوضع؟.
-للأسف وضع المرأة في اليمن مزر والأسوأ في العالم بكل المقاييس، فحقها بالحياة مصادر، فإذا كانت يصعب عليها التحرك بحرية في الشارع فكيف نتحدث عن حلمها بمشاركة سياسية مناصفة أو 30 %، فما نزال في نفس الفكر ونفس المعتقدات ونفس النظرة، بل إن الأمر زاد سوءا، كنا نشكو جهة واحدة تقليدية قبلية ترفض وتهمش النساء لكن اليوم ظهرت للسطح قوى أخطر مدخلها الدين السياسي، دين العقلية المتجمدة، والتي لا ترى المرأة كائنا حيا كاملا، لهذا رأينا من يقتل طفلته ومن يزوجها صغيرة ويمنعها من التعليم ويحرمها من اللعب ويغطيها بالسواد ويحرم صوتها ويدعو لصمتها، رأيناهم يرهبهم خروجها للشارع ويشغلهم لباسها، وتقلقهم مطالبها، أي عنف من الممكن أن أبدأ به، وهو خليط من العنف وحلقة متسلسلة من العقد والتنشئة الاجتماعية، وحتى عندما وجدوا الحرج في تهميشها سياسيا وغيابها في كراسي الأحزاب سعوا لتعبئة تلك الفراغات بالمزهريات التي يعرفون أن إدارة عقولهن أمر يسير فلم يتبنوا في منظوماتهم أطروحات منهجية لمساندة المرأة الفقيرة أو الضحية أو الأمية.
**هل أنت متفائلة بتضمين حقوق النساء المتفق عليها في مخرجات الحوار الوطني بمسودة الدستور الجديد، وما هي السبل الكفيلة بتحويل تلك المخرجات إلى واقع عملي؟.
-التفاؤل مطلوب، لكن الواقعية أيضا مطلوبة أكثر، الدستور يتحدث عن المبتغى النهائي للحقوق لكن قبل هذا الحق الملموس لكل العامة من النساء كيف يمكن أن يقاس؟! كيف ستستفيد الأميات والفقيرات في الأرياف من 30 % في المواقع.
الدستور والحقوق المدرجة فيه ستستفيد منه النساء نعم، لكن النساء المحدودات وليس الجميع، وهنا علينا التفكير كيف يمكن أن نفكر من الآن كنساء بتحويله لإستراتيجيات حقيقية وقراءة منطلقاته لتحقق فيه جميع النساء حياتهن وكرامتهن وليس القليلات فقط.
**من خلال عملك في مجال تقديم الدعم القانوني في اتحاد نساء اليمن بمحافظة تعز ما هي أبرز التحديات والمعوقات التي تواجه المرأة اليمنية؟.
-قناعات رجال القانون بدونية مكانتها وغياب الحماية الأسرية للأنثى وبالتالي تكون عرضة للعنف في كل الأماكن، وضعف أدوات التجريم لمن أعطاهم القانون حق الرعاية والولاية، تأثير الضعف الأمني على حياة النساء، التحرشات والمضايقات غير المقبولة من الذكور للنساء في كل الأماكن، تدني الخدمات الصحية، غياب التأهيل والتدريب، ارتفاع معدل العنف بشكل مقلق بحق النساء من الأسرة والشارع والعمل، تأثير الحالة الاقتصادية على وضع النساء.
**هناك استهداف واضح وكبير لكل من وزيرتي الإعلام نادية السقاف والثقافة أروى عثمان هل لذلك علاقة بكونهما امرأتين أم أن هناك أسبابا أخرى؟.
-الاستهداف للوزيرتين يوضح العقلية التي لم تتغير طيلة عقود، وهو انعكاس لتوجهات قوی اجتماعية وسياسية صامته عن هذه السلوكيات، ولأنه كان المعتاد أن حقائب النساء شكلية مرتكزة على الشؤون الاجتماعية، فيما وزارات مثل الإعلام والثقافة يرونها وزارات ذكورية وتمس عقدتهم التاريخية، أعتقد أيضا لكون هاتين الوزيرتين قادمتين من محيط اجتماعي مدني لا يعتمد على القبيلة ومن محيط ثقافي، فالأولى صحفية والثانية كاتبة، هم يريدون تواجدا شكليا للمرأة وليس حقيقيا، يريدون المطيعات، المغيبات، ويزعجهم وجود نساء قياديات متحررات من قيود الفساد والقبيلة والولاءات الضيقة، ومؤسف أن هذا يحدث ويظهر حقيقة للعيان بعد أن مثلوا وأوهموا الشعب أنهم مع تمثيل النساء بكل المواقع بـ30.% في حين أزعجتهم وزيرتان.
**تعز عاصمة الثقافة اليمنية والأكثر سكانا وتعليما ومشاركة للمرأة في المشهد الوطني تفتقد إلى مركز إيواء خاص بالنساء وتحديدا المعنفات، أين أنتن من ذلك؟.
-مؤسف بل مؤلم وقاس وضع نساء تعز، فهن رغم سياسات التغييب يناضلن يحفرن بالصخر منذ القدم وكثير فضلن الانتقال لعدن وصنعاء من أجل الحصول على فرص لإثبات الذات، النساء الضحايا هن مخرجات العنف المنزلي، الضرب، التعذيب، ثقافة الاعتداء والانتقاص المتزايدة هذا يتطلب وجود أماكن حماية وإعادة تأهيل متخصصة، وهذا الأمر بدأ في عدن بتوفير دار اجتماعية وقانونية ناضلت من أجلها الأخت عفراء حريري وتديرها حاليا، وهناك دار أخرى في صنعاء تتبع اتحاد نساء اليمن، وكثير من الضحايا بتعز يتم نقلهن مؤقتا إلى صنعاء وعدن والحاجة ماسة لمساندة هؤلاء اللواتي فقدن الحامي والمعيل والأمان بكل أشكاله لوجود مركز متكامل يقدم الرعاية والحماية والتأهيل القانوني والاجتماعي خصوصا في محافظة هي الأكثر سكانا وفقرا.
وقد قام محافظ تعز بتقديم مبلغ مليون وثلاثمائة ألف مقابل إيجار وتغذية ونثريات لمدة عام، ولكي يكون مشروعا مستمرا ودائما تم البدء ببناء الدار فوق مبنى اتحاد نساء اليمن بتعز بالمبلغ الحالي إلا أن إكمال مشروع البناء يحتاج لدعم من السلطة المحلية بتعز ممثلة بالأخ المحافظ لإكمال ما بدأ به من مساندة للنساء المعنفات لكي يتم الانتهاء من البناء في شهر فبراير ويتم تدشين افتتاحه بمناسبة 8 مارس، وثقتنا بالمحافظ والمهتمين والناشطين بتعز كبيرة في الالتفات لهذه القضية الإنسانية.
**انتشرت أزياء وافدة تتسم بالسواد على خلاف الأزياء الأصيلة التي تميزت بها المرأة اليمنية والتعزية بشكل غير مسبوق، من المسؤول عن ذلك؟.
-اللون الأسود لون دخيل على اليمنيات، فهو قادم إما من الغزو التركي وأحدث تأثيره على مناطق معينه مثل صنعاء وغيرها، أو من الفكر السلفي الوهابي القادم من صحراء السعودية، وهو غزو يستهدف الهويات اليمنية المتعددة والمعروفة بتعدد أزيائها الملونة وأقمشتها الجميلة المسرة للناظر، فالمرأة في تعز مثال يختلف لباسها من منطقة لأخرى، فهي إما في الحقل مع جيرانها تعمل بكل حرية وتلبس القميص واسع اليدين بألوانه الزاهية والمقارم الويل الملونة وواضعات المشاقر والرياحين على خدودهن، وفي مناطق المخا وموزع وذباب تجد الساحليات زوجات وأمهات الصيادين والفلاحين يلبسن الملابس الخفيفة المناسبة للبيئة الحارة وفوق رؤوسهن الكوافي من عزف النخيل.
والأمر تراه أكثر تعددا وجمالا في مناطق بعدن ولحج وباجل، كما أن النهضة الفكرية التي عاشها الإنسان في جنوب اليمن وعدن على وجه الخصوص أظهرت تلك الهويات والثقافات التي لا تعرف اللون الأسود، وفي اعتقادي أنه نشر لثقافة الصحراء وبترولها في ظل استغلال فقر اليمن وحاجته وهو تأثير سلبي تحول لتشدد فكري وتطرف وفصل النساء عن الحياة العامة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى