اليمن.. أفق غامض ومشهد سياسي معقد.. ثلاث سنوات مرت على ثورة لم تكتمل نخرها الانقسام والصراع ومشهد جديد فرضه الحوثيون بالقوة.. سيناريو يتأرجح بين الانفصال من جهة والحرب الأهلية والطائفية من جهة أخرى

> صنعاء «الأيام» عن «روسيا اليوم»

> في الثلث الأول من سنة 2014، كانت الأوضاع في اليمن شبه مستقرة، إذ حاولت صنعاء إعادة ترتيب البيت بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية، خاصة بعد أن أفرز مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في العاصمة اليمنية في الــ25 يناير 2014 بين كافة مكونات المجتمع اليمني السياسية الحزبية والمستقلة وثيقة نهائية أبرزها ما جاء فيها: العمل على حل القضية الجنوبية حلا عادلا وضمان عدم تكرار ما حصل من مظالم في السابق، وحل قضية صعدة مع الاتفاق على نزع سلاح الحوثيين، وبسط نفوذ الدولة على كل مناطق البلاد، والاتفاق على شكل دولة اتحادية مكونة من عدة أقاليم.
كما نصت الوثيقة على خلق نظام انتخابي جديد، والارتقاء بمجالات التنمية والحقوق والحريات في البلاد، وتشكيل لجنة صياغة الدستور إلى جانب العديد من القضايا التي تهم المواطن اليمني.
**علي عبد الله صالح والعودة الخفية للحياة السياسية**
مسيرة لدعم الرئيس  السابق
مسيرة لدعم الرئيس السابق

شهدت أروقة الحوار الوطني عودة ضمنية وغير مباشرة للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح إلى المشهد السياسي، حيث بات واضحا التنسيق بين جناح المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، رغم السجل الحربي بين الطرفين والذي انطلقت شرارته الأولى عام 2004 وانتهى في عام 2010، من خلال سعي علي عبد الله صالح إلى تحالف عن طريق شيوخ قبائل مساندين له في قبيلة “حاشد” بعد أن مكنهم من التنسيق مع جماعة الحوثي، ما دفع مجلس الأمن في الــ 15 من فبراير إلى تحذير الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض من “محاولة عرقلة عملية التحول السياسي” في اليمن.
**اليمن في مواجهة الإرهاب**
لقيت الحملة العسكرية الموسعة التي قررتها الحكومة اليمنية ضد تنظيم “القاعدة” والتي انطلقت في 29 من أبريل تأييدا شعبيا واسعا شمل مختلف أطراف الحياة السياسية ومختلف شرائح المجتمع.
وحققت القوات العسكرية اليمنية في أقل من أسبوعين انتصارات ساحقة، شملت الإعلان عن قتل المئات من عناصر “القاعدة”، بينها قيادات محلية وأجنبية، وقد أعلنت حينها وزارة الدفاع أنها تمكنت من فرض سيطرتها على المواقع والمناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم في مديريات محافظتي أبين وشبوة.
لكن التنظيم المحظور فتح جبهات جديدة في العاصمة صنعاء، ومحافظتي البيضاء وحضرموت “للتنفيس” بتنفيذه عمليات هجومية وانتحارية ضد عناصر الجيش والأمن.
تفجيرات أنابيب النفط
تفجيرات أنابيب النفط

وفي خطوة هي الأولى منذ سقوط نظام صالح دعا الأمن الدولي إلى حشد الدعم الدولي لمساندة اليمن في مواجهة تنظيم القاعدة، وهو ما أجمعت عليه هيئات مجلس الأمن المعنية بمكافحة الإرهاب باليمن في الرابع من يوليو 2014.
**الحوثيون يسيطرون على صنعاء وباسندوة يعمق الأزمة**
فيما تسعى الحكومة والقوات اليمنية لفرض سيطرتها على العديد من المناطق، ومواصلة مكافحة تنظيم القاعدة تطورت الأحداث سلبيا بعد سيطرة جماعة “أنصار الله” الموالية للحوثي، على مقر الحكومة ومقار وزارة الدفاع والقيادة العامة للجيش، ومقر البنك المركزي، وإذاعة صنعاء ووزارة الإعلام والتلفزيون الرسمي، ووزارة الصحة، بالعاصمة صنعاء في الــ 21 من سبتمبر ما دفع رئيس الوزراء باسندوة إلى تقديم استقالته في اليوم نفسه.
عقب استقالة باسندوة عقد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اجتماعا ضم المبعوث الأممي جمال بن عمر وممثلين عن جماعة الحوثي ورؤساء الأحزاب السياسية تمخض عنه اتفاق بقبول استقالة رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة خلال ثلاثة أيام وتخفيض أسعار الوقود وتعيين مستشار للرئيس من الحوثيين وآخر من الحراك الجنوبي.
إلا أن جماعة الحوثي رفضت هذا الاتفاق الذي يلزمهم توقيع ملحق ينص على تسليم الأسلحة التي استولوا عليها من معسكرات الجيش.
وكان الحوثيون قد عرفوا أوج المواجهات في زحفهم مطلع فبراير 2014 بعد سيطرتهم على منطقة الخميري وتفجير منزل الشيخ عبد الله الأحمر، الذي كان يرأس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، وبعد المعارك الضارية مع القوات الحكومية والسيطرة على عمران فرض الحوثيون حصارا على صنعاء بحجة إسقاط الحكومة والحث على تطبيق بنود الحوار الوطني.
ويبقى تاريخ “سقوط صنعاء” نقطة تحول على جميع المستويات، فبعد السيطرة الحوثية واستقالة رئيس الوزراء، تجمع الفرقاء السياسيون في نفس اليوم ووقعوا “اتفاق السلم والشراكة الوطنية” بحضور الرئيس عبد ربه منصور هادي والمبعوث الدولي جمال بن عمر.
ومثَّل الاتفاق المبرم غطاء سياسيا للحوثيين أمام المجتمع الدولي وتغييرا في خارطة الطريق التي وضعت بنودها في المبادرة الخليجية عام 2011.
**الحراك الجنوبي.. عصيان مدني ومطالبة بالانفصال**
الحشود الجنوبية
الحشود الجنوبية

في 14 أكتوبر، خيم المحتجون من أنصار الحراك الجنوبي منفذين اعتصاما مفتوحا، طالبوا فيه بفك ارتباط الجنوب عن الشمال، مستغلين الفوضى التي تلت انتشار المسلحين الحوثيين في الشمال والفراغ الحكومي وهشاشة الدولة في صنعاء.
ورفع المعتصمون أعلام دولة الجنوب السابقة فوق معظم المخيمات.
وفي الـ24 أكتوبر شهدت عدن حشدا كبيرا من أنصار الحراك الجنوبي مساندين للعصيان المدني تحت تسمية “جمعة الغضب” والذي دعت إليه قيادات في الحراك للمطالبة بالانفصال عن الشمال، معتبرين أن “جمعة الغضب” تدشين للتصعيد الثوري الجنوبي للمطالبة بالانفصال عن السلطة المركزية في صنعاء، وما أسموها استعادة الدولة وحق تقرير المصير.
وقد سبق “جمعة الغضب”، إعلان اندماج الفصائل المختلفة المطالبة باستقلال الجنوب عن الشمال تحت سقف المجلس الأعلى للحراك الثوري السلمي لتحرير واستقلال الجنوب.
وأكد الزعيم الجنوبي حسن باعوم، رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي السلمي أن الهدف من الحراك هو التحرير والاستقلال واستعادة وبناء دولة الجنوب بهويتها الجنوبية في إطار نظام برلماني فيدرالي تعددي.
**صراع كبير واقتصاد هش والسعودية تندد وتقطع الدعم**
رغم المكسب “المزعوم” الذي تحقق لتهدئة الأوضاع والحيلولة دون خروجها عن المسار السلمي، أبدت السعودية قلقها من سيطرة الحوثيين على المفاصل العميقة للدولة والقبول بها كشريك أساسي في العملية السياسية الانتقالية.
وجاء ذلك في البيان الصادر عن وزراء مجلس التعاون الخليجي في الأول من أكتوبر، الرافض للتطورات الأخيرة، مشددا على أن دول المجلس لن تبقى مكتوفة الأيدي دون رد، معتبرين أن عدم استقرار اليمن وسيطرة مجموعات مسلحة يهدد أمن الخليج ككل.
يذكر أن اليمن خسر جراء تخريب أنابيب النفط والغاز حوالي 7 مليارات دولار في ثلاث سنوات، في الوقت الذي يعاني فيه من أزمات مالية حادة خاصة وأن النفط والغاز تشكلان 70 بالمائة من إيرادات ميزانية الدولة.
ولعل ما زاد الأوضاع الاقتصادية تعقيدا وتأزما هو قرار الرياض في الرابع من ديسمبر بتعليق حصة كبيرة من مساعداتها للحكومة اليمنية بعد أن وسع الحوثيون نفوذهم في العاصمة صنعاء.
ويعتمد اليمن بشكل كبير على المساعدات السعودية لدفع رواتب الموظفين وتأمين الرعاية الاجتماعية.
وكانت صحف أمريكية قد حذرت من أن تزايد نفوذ الحوثيين قد “يغضب” السعودية ويجعلها تقطع مساعداتها كما فعلت مع لبنان عندما فاز “حزب الله” بمقاعد في البرلمان.
**البرلمان يمنح الثقةلـ «بحاح» بشروط**
رئيس الحكومة خالد بحاح ينال الثقة بشروط
رئيس الحكومة خالد بحاح ينال الثقة بشروط

في الأول من نوفمبر، وبعد اجتماعات ماراثونية، وافق الفرقاء السياسيون في اليمن على اقتراح الرئيس عبد ربه منصور هادي على تكليف رئيس الوزراء خالد بحّاح بتشكيل حكومة كفاءات جديدة بعيدة عن المحاصصة الحزبية.
وأمهلت جماعة الحوثي الرئيس منصور هادي ورئيس وزرائه خالد بحّاح 10 أيام لتشكيل الحكومة، مهددين بتشكيل مجلس حكماء لإدارة شؤون البلاد في حال عدم الاستجابة إلى طلبهم.
ويعتبر تشكيل الحكومة جزءا من الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية الأمم المتحدة في 20 من أكتوبر لتسوية الأزمة السياسية في اليمن.
ومنح مجلس النواب اليمني بتاريخ 18 ديسمبر الثقة للحكومة الجديدة التي يرأسها خالد بحاح بعد أن رضخت للشروط التي وضعها المجلس برفض العقوبات الأممية ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح واثنين من قيادة جماعة الحوثي، بعد أن فشلت المداولات في الـ 16 ديسمبر.
وأكد رئيس الوزراء اليمني خالد بحاح خلال اجتماع لمجلس الوزراء أن حكومته لن تسمح بأي مشروع غير المشروع الدستوري والقانوني لإدارة الدولة، مشددا على أنها لن تقبل أن تكون صورية.
**مصالحة بين الحوثيين والمؤتمر أميركا تفرض عقوبات**
في خطوة غير مسبوقة في الـ10 من نوفمبر اتجهت جماعة الحوثيين وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح (المؤتمر الشعبي) إلى توقيع اتفاق سياسي يعلن التحالف بينهما للتنسيق السياسي في قضايا البلاد.
وجاء هذا التحالف كرد على الولايات المتحدة، لفرضها عقوبات على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، واثنين من قيادات جماعة الحوثي، هما عبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيي الحكيم، حيث اعتبرت جماعة الحوثي العقوبات تدخلا في شؤون اليمن.
**فشل عملية تحرير الرهينة الأمريكي**
الصحفي الأمريكي القتيل “لوك سومرز” الذي فشلت أمريكا في تحريره
الصحفي الأمريكي القتيل “لوك سومرز” الذي فشلت أمريكا في تحريره

بعد التهديدات التي وجهها تنظيم القاعدة باليمن للولايات المتحدة بتصفية الصحفي الأمريكي “لوك سومرز” المختطف منذ سبتمبر 2013 والبالغ من العمر 33 سنة، قررت الإدارة الأمريكية تنفيذ عملية إنزال ومداهمة لتحريره، إلا أن العملية باءت بالفشل.
وجاء في بيان صادر عن البنتاغون في الرابع من ديسمبر أن “عملية التحرير التي قامت بها الولايات المتحدة بالتعاون مع السلطات اليمنية نجحت في تحرير عدد من الرهائن المحتجزين بيد تنظيم القاعدة، لكن الصحفي الأمريكي لوك سومرز لم يكن ضمن المجموعة المحررة”.
يذكر أن اليمن حليف أساسي للولايات المتحدة في حملتها ضد “القاعدة”، وتجيز لواشنطن شن هجمات بواسطة طائرات من دون طيار ضد مواقع التنظيم على أراضيها.
**تفجيرات صنعاء**
جانب من تفجيرات صنعاء
جانب من تفجيرات صنعاء

وكما توقع محللون سياسيون وخبراء، ردة فعل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به على الحوثيين، نفذت جماعة “أنصار الشريعة” ذراع تنظيم القاعدة، التهديدات بتفجيرات انتحارية استهدفت تجمعا حوثيا في مأرب في 28 سبتمبر 2014، وفي الـ9 من أكتوبر، وخلفت التفجيرات العديد من القتلى، ناهيك عن اندلاع موجهات في محافظات إب والبيضاء.
شهدت صنعاء عام 2014 سلسلة تفجيرات بينهما استهداف منزل السفير الإيراني بصنعاء بسيارة مفخخة في الثالث من ديسمبر ، وتبناه تنظيم القاعدة باليمن، كما هزت خمس تفجيرات متتالية في 24 من ديسمبر العاصمة وقتل فيها شخص وأصيب ثلاثة آخرون.
وكانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها استهداف وسط العاصمة والأحياء السكنية بمثل هذه العبوات، والغريب أنها حدثت في منطقة في عمق تواجد الحوثيين، ما يبعث على تساؤلات حول قدرتهم على السيطرة على الأوضاع الأمنية في العاصمة والمدن الأخرى التي يتمركزون فيها.
**مسوّدة الدستور**
عبدربه منصور لدى توليه الرئاسة
عبدربه منصور لدى توليه الرئاسة

بعد مرور عام كامل من الأحداث الدامية والمشهد السياسي المتقلب، جاء خبر مسودة الدستور نقطة بيضاء تنقذ ماء وجه الحكومة اليمنية، ولو قليلا، حيث أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في الـ22 من ديسمبر أن مسودة الدستور ستكون جاهزة خلال أيام من أجل تنفيذ بنود الحوار الوطني وفقا لمقتضيات المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وتشكل المصادقة على مسودة الدستور جسرا نحو تنظيم انتخابات برلمانية.
بات السيناريو اليمني اليوم مفتوحا على كل الخيارات والسيناريوهات، يتأرجح بين ثنائية الاتصال أو الانفصال من جهة، والحرب الأهلية والطائفية من جهة أخرى، بحكم الطبيعة القبلية والمذهبية للمجتمع اليمني.
وتطرح سيطرة الحوثيين على صنعاء ـ واقعيا وسياسيا، إلى جانب ضعف سلطة الدولة المركزية ـ تساؤلات حول مآل “اليمن السعيد” وثورته المنقوصة في العام 2015.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى