التعذيب بين الضمانات القانونية وتعقيدات الإثبات ومحاكمة الجناة.. (1-2) تجاوزات قانونية كثر عدد ضحاياها

> تحقيق/ فهد العميري

> بين الفينة والأخرى يدور حديث بين الأوساط الحقوقية والإعلامية حول وقائع تعرض مواطنين للتعذيب في السجون، بيد أن تعقيدات جمة تقف أمام الضحايا في إثبات تلك الانتهاكات، وإن تم ذلك فيستحيل تقديم مرتكبي تلك الجرائم إلى القضاء لينالوا جزاءهم الرادع والعادل، وهناك قصور في التشريعات الوطنية فيما يتعلق بهذه الانتهاكات.
ثمة تساؤلات حول طبيعة الانتهاكات ووقائع التعذيب التي تحدث في السجون اليمنية، وأسبابها وما هي الضمانات القانونية في القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية المتعلقة بحماية حقوق ضحايا التعذيب، وهل تسمح التشريعات للمنظمات المحلية والدولية زيارة السجون وتفقدها وتقديم العون والمساعدة لضحايا التعذيب؟.
أمين عام المركز القانوني اليمني المحامي مختار مهيوب الوافي تحدث عن جانب من هذا الموضوع بالقول: “التعذيب يعد انتهاكاً لحق الإنسان في سلامة جسده من التعدي عليه بالإيذاء البدني أو العقلي أو النفسي، ونظراً لخطورة جريمة التعذيب على الفرد والمجتمع لما يتركه من آثار مادية ومعنوية واجتماعية واقتصادية كان محل اهتمام المجتمع الدولي الذي منعه منعاً مطلقاً، كما عبرت عن ذلك في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، أما عن وقائع التعذيب وأساليبه التي يتم ممارستها في السجون اليمنية، فهي كثيرة حيث تبدأ عملية التعذيب للشخص المطلوب لأي سبب من لحظة القبض عليه، حيث يذهب المكلفون بسيارة عسكرية (طقم عسكري) مدججين بالأسلحة ويقتحمون مسكنه ويأخذونه بالقوة وإن حاول الاستفسار عن سبب ذلك أو إبداء أي اعتراض سرعان ما يتم الاعتداء عليه بالضرب، وقد يسحب سحباً بالقوة أمام أولاده وعائلته، وعامة الناس، ثم تأتي مرحلة التعذيب في أماكن الاحتجاز والتي يتنوع التعذيب فيها، كالضرب في عموم أجزاء الجسم باستخدام العصي أو أعقاب الأسلحة أو الحديد أو الأسلاك أو بالصعق الكهربائي أو بالتعليق أو يمنع من الماء والغذاء أو يوضع في غرفة انفرادية، ويحرم من النوم بعمل إضاءة عالية ليل نهار، وهناك أشكال لا حصر لها”.
**قصور تشريعي**
المحامي الوافي
المحامي الوافي

وعن أسباب التعذيب قال المحامي الوافي: “يتم التعذيب في أغلب الحالات لإجبار الضحية على الإدلاء بمعلومات عن أمر ما، أو للاعتراف بارتكابه جريمة، وقد يكون لإجباره القيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام به، وأهم الأسباب التي تجعل المسؤولين يرتكبون أعمال التعذيب بإفراط واستهتار تتمثل في القصور التشريعي في نصوص الدستور والقوانين لا سيما المتعلقة بالتعذيب، حيث يتمثل ذلك القصور في عدم إيجاد تعريف شامل جامع للتعذيب، كما هو معروف في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب المادة (1) منها والحصانات القانونية لمرتكبي جرائم التعذيب فلا يتم تقديمهم للمحاكمة إلا بعد الحصول على إذن من النائب العام وعدم قيام النيابة العامة بدورها في الاستجابة لشكاوى ضحايا التعذيب سوى ما يطلبونه من إحالتهم على طبيب شرعي للكشف عن أثر التعذيب أو التحقق من صحة تلك الشكاوى، كما أن هناك قصورا من قبل النيابة في القيام بزيارات أماكن الاحتجاز والاطلاع على أوضاع وأحوال المحتجزين وغياب الوعي القانوني لدى مأموري الضبط القضائي وعدم تدريبهم وتأهيلهم”.
وبخصوص الضمانات القانونية للضحايا قال أمين عام المركز القانوني اليمني: “هناك ضمانات لكن منها ما يشوبها القصور، ومنها لا تطبق على أرض الواقع، ومثال على ذلك المادة (48) من الدستور التي كفلت للمواطنين حريتهم الشخصية كما نصت على عدم جواز تقييد حرية أحد إلا بحكم من محكمة مختصة وعدم جواز القبض على أي شخص أو تفتيشه أو حجزه إلا في حالة التلبس أو بأمر يوجبه ضرورة التحقيق يصدره القاضي أو النيابة المختصة، كما حظرت المادة التعذيب جسدياً أو نفسياً أو معنوياً وكذا القسر على الاعتراف، فهذه المادة فيها قصور تشريعي متمثل في عدم اشتمالها على تعريف جامع شامل للتعذيب وفقاً لما هو في اتفاقية مناهضة التعذيب، كما اقتصرت على التحدث عن التعذيب عند القبض أو الاحتجاز دون التعرض للتعذيب في غير تلك الحالات، إضافة إلى عدم تطبيق التدابير الواردة في المادة المتعلقة بالقبض والحجز.
أما الضمانات الدولية لمناهضة التعذيب فهي كثيرة، أهمها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية، أو المهينة المعتمدة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم(46 - 39) 1984م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء 1977م والتي نصت في مضمونها على العديد من الضمانات لمنع التعذيب وحماية ضحاياه من خلال تجريم التعذيب بكل أشكاله وأنواعه وملاحقة مرتكبي جرائم التعذيب وتعويض الضحايا وإعادة تأهيلهم”.
وتابع حديثه قائلاً: “أما عن مدى موافقة القوانين الوطنية لما هو في الاتفاقيات الدولية فهناك فجوة كبيرة بينهما وقصور كبير في التشريعات الوطنية المتعلقة بمنع التعذيب وتوفير الحماية لضحاياه، وأبرز أوجه الاختلاف هي عدم وجود تعريف للتعذيب وعدم وجود نصوص فعالة في القانون اليمني تمنع التعذيب ووجود قصور في التشريع العقابي اليمني بخصوص تجريم التعذيب والمعاقبة عليه وتجريم كافة أشكاله، وما هو مجرم فإن العقوبة غير مناسبة، إضافة إلى الحصانات الممنوحة لمرتكبي جرائم التعذيب في التشريع اليمني”.

وبخصوص الإجراءات التي يتم اتخاذها ضد مرتكبي جرائم التعذيب قال : “بالرغم من النص في الدستور على معاقبة كل من يقوم بأعمال تعذيب وكفالة الدستور لكل مواطن الحق في اللجوء إلى القضاء إلا أن هذه الحقوق تم تقييدها بنصوص القوانين، فمثلاً إذا قدمت شكوى من أحد ضحايا التعذيب أمام الجهات المختصة للتحقيق فيما تعرض له من تعذيب من أحد رجال الضبط القضائي أو أي موظف عام، فإن النيابة العامة لا تستطيع طلب الموظف المشكو به إلا بعد الحصول على إذن من النائب العام، وقد يأذن أو لا وهذه الحصانة منصوص عليها في المادة (26) إجراءات جزائية، كما أن هناك أسبابا أخرى تحول دون اتخاذ إجراءات ضد مرتكبي جرائم التعذيب كتهديد الضحايا والشهود إن وجدوا من قبل مرتكبي جرائم التعذيب وصعوبة إيجاد الأدلة، وخلاصة القول: إن الإجراءات القانونية التي تتخذ ضد مرتكبي جرائم التعذيب مرهقة للضحايا لتقيدها بالحصانة ومن يحال إلى القضاء بقدرة قادر ويوفق الضحية في إثبات ما تعرض له من تعذيب يكون الحكم بعقوبة تافهة لا تتناسب مع الجرم المرتكب، كما أنه لا يتم إنصاف الضحايا وتعويضهم التعويض المناسب عما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية ونفسية واقتصادية واجتماعية، ويرجع ذلك إلى عدم إيلاء القضاء اليمني اهتماما بما يطلبه الضحايا من تعويضات، كما أن القانون اليمني لا يسمح للمنظمات المحلية أو الدولية بزيارة السجون وأماكن الاحتجاز وجعل ذلك من اختصاص النيابة، وهناك نوعان من المساعدات والمعونات التي تقدم لضحايا التعذيب الأول مساعدات مالية أو تأهيل وإعادة إدماج فلا يوجد ما يمنع أية منظمة من تقديم مثل هذه المساعدات، والآخر المساعدات القانونية وتكون عن طريق منظمة حقوقية وعبر محامي مرخص له بمزاولة المهنة وبتوكيل من الضحية”.
واختتم المحامي الوافي حديثه قائلاً: “إن الصعوبات التي تقف أمام منظمات المجتمع المدني، تتمثل في عدم وجود نصوص قانونية تسمح لمنظمات المجتمع المدني بزيارات السجون وتفقدها، وضعف الوعي المجتمعي بدور وأهمية منظمات المجتمع المدني”.
**كثرة جهات الضبط القضائي**
من جهتها قالت الناشطة الحقوقية نجوى العريقي: “يعد التعذيب انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان، حظره القانون الدولي حظراً كلياً، وقد مثل رأس قائمة المسائل التي بحثتها منظمة الأمم المتحدة عند إرساء قواعد حقوق الإنسان باعتبار أن استخدامه يمس صميم الحريات المدنية والسياسية، بدأ من اجتثاث العقوبات البدنية في الأراضي المستعمرة كأول تدبير اتخذته منظمة الأمم المتحدة منذ سنة 1949م، فالقانون الدولي منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة غير الإنسانية والمهينة التي لا يمكن قبولها مهما كانت الظروف، ومع ذلك تستمر أغلب بلدان العالم في ممارسة التعذيب، بالرغم من أنه تم منعه منعاً باتاً، وتقرير 2001م لمنظمة العفو الدولية كشف أن 140 دولة مارست التعذيب فيما بين 1997م و2001م، وقد خلص ذلك التقرير إلى أن الآلاف يمارسون سنويا، الضرب، والاغتصاب، والصعق بالكهرباء بحق أناس آخرين”.
وعن أهم التجاوزات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي قالت العريقي: “لا تقوم أجهزة الاستخبارات والمباحث الجنائية بإحالة المتهمين إلى القضاء خلال المدة المقررة قانوناً (24) ساعة، كما أن هذه الأجهزة تلجأ في أحيان كثيرة إلى إخفاء المعتقلين لديها وتنتزع أقوال بعضهم بأساليب وطرق غير قانونية وتمارس بعض أجهزة الاستخبارات أعمال الاعتقال والقبض التعسفي بدون إذن من النيابة، كما تباشر هذه الأجهزة أعمال المراقبة والتجسس من غير إذن النيابة، ولا تنفذ ضمانات حقوق الإنسان المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، إضافة إلى أن كثيرا من مراكز الشرطة تقوم بالقبض على الأشخاص لأغراض أخرى غير جنائية كالنزاعات المدنية والتجارية والشخصية بين الأشخاص، كما أن أجهزة الضبط القضائي تمنع المتهمين من تصوير مستندات القضايا المنسوبة إليهم وأغلب هذه الأجهزة تمنع المحامين من حضور الإجراءات التي تباشرها في مواجهة المتهمين، ناهيك عن كثرة جهات الضبط القضائي الخاص في اليمن، وذلك يهدد حقوق الإنسان وحرياته، فكل جهة من الجهات تسعى إلى النص في قانونها على أن يكون لها صفة الضبطية القضائية الخاصة، فموظفو الصحة والضرائب والجمارك والبلدية وهيئة المواصفات والمحافظة على المدن التاريخية ووزارة الصناعة والتجارة وغيرها من الجهات لهم ضبطية وأغلب هذه الجهات تتعسف في استعمالها لصفة الضبطية، فبعضها تقوم بحبس المخالفين ومصادرة أملاكهم وكثرت أماكن الاحتجاز والاعتقال للأشخاص تبعاً لكثرة جهات الضبط، ناهيك عن وجود سجون خاصة لدى بعض الجهات غير الضبطية، إضافة إلى وجود سجون خاصة تتبع بعض الأشخاص”.
واختتمت حديثها بالقول: “إن اليمن من الدول التي صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب، وبالنسبة إلى التشريعات اليمنية فحرمت التعذيب بجميع أشكاله وصوره وجعله جرما يعاقب عليه القانون، ويتضح مما سبق وجوب صيانة كرامة الإنسان ومعاملته معاملة كريمة فلا يجوز استخدام التعذيب الجسدي أو النفسي وكل تعذيب للمتهم سواء كان جسدياً أو نفسياً بغير جريمة يعاقب عليها القانون”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى