في الذكرى (176) لاحتلال بريطانيا عدن..«الأيام» الصحافة العدنية.. دور نضالي متميز في دعم الثورة

> تقرير/ علي راوح

> في التاسع عشر من يناير 1839م وبعد محاولات سابقة أقدمت بريطانيا على احتلال عدن بعد أن اختلق القبطان (هاينس) حكاية نهب الصيادين العدنيين للباخرة (داليا دولت) التي جنحت قرب شواطئ عدن، وعند قدوم قوات الكابتن (هاينس) إلى ميناء صيرة نشبت في ذلك اليوم معركة شرسة قدم من خلالها أجدادنا ملحمة بطولية رائعة وبأسلحتهم البدائية ومنها السلاح الأبيض مقابل السلاح الفتاك لجنود المستعمرة، وقدموا ما يربو عن مائة شهيد، لكن الفارق بالعدد والعدة كان لصالح القوات الغازية البريطانية التي أحكمت سيطرتها على الميناء ومن ثم بقية المناطق في عدن.
ومن يومها لم يستكين شعبنا في الجنوب طيلة فترة المستعمر التي امتدت حتى الـ 30 من نوفمبر 1967م أي (128) عامًا هي فترة احتلال بريطانيا للجنوب، حيث اندلعت الانتفاضات الشعبية في كل مناطق الجنوب اليمني المحتل.. لكننا في هذه القراءة سنركز على الدور النضالي الوطني الذي اضطلعت به الصحافة الوطنية في عدن منذ مطلع أربعينيات القرن العشرين أي منذُ عام 1940م، حيث عبرت عن هموم الوطن الرازح تحت هيمنة المستعمر، وساهمت في دعم النضال الوطني الهادف إلى الاستقلال، ودأبت الصحافة الوطنية على فضح السياسة الاستعمارية في الجنوب ومقارعة الحكم الكهنوتي في الشمال الذي كان يشكل رديفًا للمستعمر البريطاني.
فمنذ العام 1940م وحتى فجر الاستقلال عام 1967م شهدت عدن ازدهارًا كبيرًا في مجال الإصدارات الصحفية، حيث أُنشئت أعداد كبيرة من المطابع والصحف الأهلية والحزبية والنقابية فضلاً عن الصحف الحكومية.. ونشوء الصحافة في عدن جاء وليد ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية، أي أن تاريخ الصحافة في عدن هو انعكاس للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
مدخل مدينة التواهي مطلع الستينيات
مدخل مدينة التواهي مطلع الستينيات

ومعلوم أن نشوء الصحافة في مستعمرة عدن جاء في ظل الوجود الاستعماري البريطاني، وبعد قرن من الاحتلال عندما بدأت عدن تتحول إلى مركز تجاري مع نشوء البدايات الأولى للعلاقات الرأسمالية في هذه المدينة الاستراتيجية.
**مرحلتان من نشوء الصحافة العدنية**
ذكر الأستاذ الفقيد عبدالرحمن خبارة في كتابه (نشوء وتطور الصحافة في عدن) أن تاريخ الصحافة في عدن ينقسم إلى قسمين أو مرحلتين أساسيتين: المرحلة الأولى تمتد من 1940م - 1956م، فيما تمتد المرحلة الثانية من عام 1956م - 1967م، حيث بدأت هذه المرحلة مع بداية تكوين الأحزاب السياسية ونشوء الحركة النقابية ومعها نشأت الحركة الوطنية واتضحت الاتجاهات المعادية للاستعمار البريطاني والنضال في سبيل نيل الإستقلال، وامتدت هذه المرحلة حتى حدوث التحول النوعي للحركة الوطنية الذي جاء مع اندلاع الثورة المسلحة في الـ 14 من أكتوبر 1963م، حتى تكللت بالنصر وتحقق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م.
**كم كبير من الإصدارات**
وعندما نستعرض الكم العددي للصحف الصادرة في عدن منذ الأربعينات وحتى يوم الاستقلال نجد أن هناك كمًا كبيرًا من الصحف يزيد عددها عن (45) بين صحيفة يومية وأسبوعية ونصف شهرية وشهرية، منها صحف أهلية مستقلة وصحف حزبية ونقابية فضلاً عن الصحف التابعة للسلطة الاستعمارية مثل صحيفة (صوت الجنوب) لسان حال حكومة الاتحاد، وصحيفة (الجنبية) لسان حال الحرس الاتحادي، وصحيفة (الساعة) لسان القوات البريطانية.
ولعله من المفيد هنا أن نذكر أبرز الصحف الصادرة في عدن خلال الفترة من (1940 - 1967م) وهي : صحيفة “فتاة الجزيرة” أول صحيفة يمنية تصدر في عدن، صحيفة “الأيام”، صحيفة “الطريق” صحيفة “صوت اليمن”، صحيفة “الحق” صحيفة “الأخبار”، صحيفة “الكفاح”، صحيفة “اليقظة”، صحيفة “البعث”، صحيفة “النهضة”، صحيفة “القلم العدني”، صحيفة “أيدن كرونكل”، صحيفة “أخبار الجنوب”، صحيفة “الجنوب”، صحيفة “المستقبل”، صحيفة “الذكرى”، صحيفة “الرقيب”، صحيفة “الزمان”، صحيفة “الفاروق”، صحيفة “الفلز”، صحيفة “الفجر”، صحيفة “الشعب”، صحيفة “الحقيقة”، صحيفة “الأمل”، صحيفة “المصير”، صحيفة “الصباح”، صحيفة “الميزان”، وغيرها من الصحف والنشرات الأهلية والحزبية والنقابية.
ومع تعدد وتباين الاتجاهات الفكرية والحزبية لهذا الكم الكبير من الصحف الصادرة في مستعمرة عدن قبل الاستقلال إلا أن غالبية هذه الإصدارات تمحورت أهدافها في التعبير عن هموم الوطن والمواطن وتجسيد روح النضال الوطني بشتى أنواعه، بما يحقق استقلال جنوب الوطن اليمني، ولم يقتصر دور الصحافة العدنية على تجسيد هموم المواطن في جنوب الوطن وفضح السياسة الاستعمارية، بل دأبت العديد من الصحف على مقارعة الحكم الإمامي الكهنوتي ومناصرة الحركة الوطنية المعارضة لهذا الحكم، كما كانت هناك صحف ناطقة باسم الحركة الوطنية في شمال الوطن مثل صحيفة “صوت اليمن” التي أسسها المناضلان الوطنيان محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان منتصف الأربعينات وغيرها من الإصدارات والنشرات التي رافقت نشاط الأحرار في عدن، كما لا ننسى صحيفة “الفضول” التي أصدرها الشاعر الوطني عبدالله عبدالوهاب الفضول.
جندي خارج أسوار معسكر بردفان
جندي خارج أسوار معسكر بردفان

وكما ذكرنا آنفاً فإن غالبية الإصدارات الصحفية في عدن ورغم التباينات الفكرية والاتجاهات الحزبية إلا أن غالبيتها جسدت العمل الوطني الهادف إلى تحقيق الاستقلال والتخلص من براثن الاستعمار، عدا الصحف الناطقة باسم السلطة الاستعمارية أو ما كان يسمى بحكومة الاتحاد التي دأبت على قلب الحقائق ووصف الثوار بأنهم مجرد عصابات مرتزقة تقوم بأعمال التخريب وإثارة القلاقل أمثال صحيفة “صوت الجنوب” التي سنتناول نماذج من أخبارها لاحقا.
ومن خلال المراجع التي بحثنا فيها في أروقة المكتبة الوطنية بعدن وكذا الاستعانة بكتاب (نشوء وتطور الصحافة في عدن) لمؤلفه الأستاذ الفقيد عبد الرحمن خبارة (رحمه الله) نستقرئ دور واتجاهات بعض الصحف الصادرة في عدن ومدى إسهاماتها في مؤازرة الكفاح المسلح منذ اندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963م وحتى تحقيق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م بشكل موجز ومختصر.
**صحيفة «الأيام» .. ومقارعة المستعمر**
صحيفة «الأيام» التي أصدرها الأستاذ الفقيد محمد علي باشراحيل (رحمه الله) عام 1958م نجد أن هذه الصحيفة المستقلة ومنذ بداية صدورها قد عبرت عن هدفها الأساسي وهو الاهتمام بالقضية الوطنية ومقارعة المستعمر البريطاني بالحجج الثابتة، ودعت منذ البداية إلى ضرورة ائتلاف كافة الهيئات الوطنية والأفراد في هيئة شعبية يكون هدفها الأول والأخير قضية الوطن والابتعاد عن المصالح الحزبية والذاتية الضيقة، كما تصدت «الأيام» لمختلف الممارسات والمعاناة والهموم التي كانت تتعرض لها مختلف الشرائح الاجتماعية، ومن ذلك حرمان السلطات البريطانية لبنات عدن من حق التعليم العالي فضلا عن محدودية المدارس واحتكار المنح الدراسية العليا لبنات الجاليات الأجنبية.
**مقال لباشراحيل يجبر مجلس العموم على إصدار قرارات للإصلاح**
دورية بريطانية في أحد شوارع كريتر
دورية بريطانية في أحد شوارع كريتر

وكان المقال الذي كتبه عميد «الأيام» الأستاذ المناضل محمد علي باشراحيل عام 1962م بعنوان (السياسة التعليمية تحتاج إلى غربلة) وشرح فيه مشكلة التعليم في عدن وما تلاقيه بنات عدن من ظلم وحرمان وفضحه لما يدور في أروقة وصفوف ثانوية البنات في خور مكسر التي تعتبر أعلى مدرسة للبنات في عدن، وكيفية إعطاء المنح الدراسية التي لا يصل إليها إلا الطالبات الأجنبيات وعلى نفقة عدن، فكان لهذا المقال ردود أفعال كبيرة أفضت إلى إضراب طالبات المدرسة عن الدراسة وتضامن طلاب كلية عدن والمعاهد الأخرى معهن، فكان هذا المقال الشرارة التي أشعلت فتيلا، إذ لم يقف الأمر عند الإضراب وإنما امتد لفضح جملة من الممارسات التي تنتهك حقوق الطالبات وتمييز الأجنبيات، وتصاعد الأمر للقيام بالمظاهرات التي اجتاحت أحياء لتعطل الدراسة في جميع مدارس عدن، وصدر بيان الجمعية العدنية للنساء مؤكدا على أهمية تنفيذ جملة من المطالب المتعلقة بنظام التعليم ووصلت قضية الإضراب إلى مجلس العموم البريطاني الذي أصدر جملة من القرارات لإصلاح الوضع.
وواصلت «الأيام» برئاسة عميدها المناضل الفقيد محمد علي باشراحيل مواقفها الوطنية ومناصرتها لثورتي سبتمبر وأكتوبر ودعوتها لتوحيد الصف الوطني في سبيل تحقيق النصر حتى نال شعبنا استقلاله، وواصل الناشران هشام وتمام نهج أبيهما المناضل محمد علي باشراحيل، واصلا ذلكم النهج الوطني لعميد «الأيام» ألف رحمة على الفقيد محمد علي باشراحيل وعلى ابنه العميد الثاني لـ«الأيام» هشام، وعمر مديد للأستاذ تمام وتمنياتنا بالنجاح لأبناء هشام الذين أثبتوا أنهم أحفاد أوفياء لجدهم باشراحيل فها هي «الأيام» تواصل المشوار الوطني بنكهة أيام عميدها الأول وعميدها الثاني.
**صحيفة “الطريق”**
جنديان بريطانيان أمام محل الألعاب في مدينة التواهي
جنديان بريطانيان أمام محل الألعاب في مدينة التواهي

صحيفة “الطريق” أصدرها الأستاذ محمد ناصر محمد في يناير 1966م في خضم الكفاح المسلح ضد المستعمر ومنذ صدورها هدفت الصحيفة إلى تأييد الكفاح المسلح والوقوف مع الثوار وتبنت نشر البيانات للعمليات الفدائية بدون حيادية كما دأبت على مهاجمة السياسة الاستعمارية، الأمر الذي أدخلها في صراع مع القوى ذات المصلحة مع المستعمر البريطاني، فضلا عن مناصرتها لثورة 26 سبتمبر ونتيجة لموقف الصحيفة مع قضية الكفاح المسلح ورؤيتها الوطنية وبلورتها لقيم وأفكار الحرية والعدالة فقد أقدمت السلطات البريطانية على إغلاقها في فبراير1967م.
**صحيفة “المصير”**
صدرت صحيفة المصير في أوائل 1967م وجاء صدورها في ظروف صعبة ومنذ البداية كرست “المصير” نشر الأخبار والتقارير والتعليقات والمقالات لزعماء الجبهة القومية هادفة بذلك إلى مقارعة السلطة الاستعمارية وتوعية المواطنين بأهمية التحرر ونيل الاستقلال.
**صحيفة “الجنوب العربي”**
جاء ميلاد هذه الصحيفة متزامنا مع الانتفاضات القبلية ضد الحكم الانجلوسلاطيني في عدد من المشيخات والسلطنات الشرقية والغربية مثل انتفاضة دمان الربيزي والمجعلي والعولقي في دثينة ومكيراس ويافع وشبوة، وتناولت أخبار القصف اليومي للطائرات البريطانية ضد أبطال هذه الانتفاضات واضطلع دور الصحيفة في الدفاع عن حقوق كل أبناء الجنوب واهتمت أيضا بالقضايا الوطنية والاجتماعية في مستعمرة عدن ومنها حقوق المواطنين في تكوين النقابات والجمعيات وتابعت ما يجري وراء الكواليس في الدوائر البريطانية حول قضية الجنوب بما في ذلك فكرة الاتحاد الفيدرالي ونظرا لهذه المواقف فقد تعرضت للإنذارات والتهديدات المتكررة من قبل السلطات البريطانية التي منعت وصولها إلى الإرياف.
**صحيفة “الأمل”**
عربة عسكرية بريطانية في أحد جبال ردفان
عربة عسكرية بريطانية في أحد جبال ردفان

صدرت صحيفة “الأمل” في عام 1965م في وقت كان فيه العمل المسلح قد اتسعت مساحته في عدن والمحميات البريطانية فساندت الكفاح المسلح ودأبت على نشر البيانات والمقالات والدراسات وأخبار العمل النقابي والطلابي وفضحت الممارسات القمعية وعملت على تعبئة الرأي العام ضد الحلول التوفيقية المهادنة ودعت إلى الوحدة الوطنية بين جميع فصائل العمل الوطني، وعلى هذا النهج سارت عدد من الصحف الصادرة في عدن مثل صحيفة “اليقظة” وصحيفة “الكفاح” اللتين ساندتا العمل الوطني وآزرتا المناضلين في شتى مراحل الكفاح المسلح.. ونقرأ هنا تعليقا لصحيفة “الكفاح” في عددها الصادر يوم 5 يوليو 1964م تقول فيه: “وبعد أن أكلت بريطانيا خيرات هذا الوطن وامتصت دماءه تبحث اليوم بريطانيا عن قاعدة إضافية تتخلى بعدها عن عدن، بعد أن تركت وضعا اقتصاديا مهزوزا ورخاء مصطنعا، فأين الوعود التي كانت تمني بها في بادئ الأمر أمراء وحكام الاتحاد؟ وأين الوعود التي قطعتها على نفسها تجاه عدن؟ أين المنح المالية التي قالت إنها ستغدقنا بها للقيام بمشاريع التصنيع والزراعة وغيرها من المشاريع التعليمية والصحية”.
**“صوت الجنوب”.. تقلب الأمور**
أما صحيفة “صوت الجنوب” الصادرة باسم وزارة الإرشاد القومي الحكومية فنجد أنها تجافي الحقيقة وتقلب الأمور، حيث نجد في عدد لها في شهر أكتوبر 1963م عقب اندلاع ثورة 14 أكتوبر حيث تصدر العدد العناوين الآتية:
- معركة بين الجيش وعصابة لبوزة في القطيبي
- أسفرت المعركة عن مصرع اثنين مع أفراد العصابة أحدهم زعيمها.
وكتبت تحت عنوان (حقيقة الأحداث في مشيخة القطيبي) تقول أصدرت وزارة الإرشاد القومي البيان الآتي: قام النائب محمود بن حسين القطيبي بزيارة إلى مشيخة القطيبي بقصد وضع خطط للتطوير الزراعي وتحسين الأراضي وليست هذه بالمهمة السهلة حيث إن تلك المنطقة الموحشة والجبلية ظلت فترة طويلة مأوى لعصابات اللصوص الذين يحصلون على الأسلحة والمال والذخائر من اليمن وكمثال على هذه المشاكل ماحدث يوم السبت 12 أكتوبر للنائب محمود حسين حين أطلق عليه وعلى حراسته النار بواسطة أفراد القبائل المرتزقة الذين عادوا مؤخرا من اليمن وبعد أن صد النائب هذا الهجوم بدون خسائر عاد ورجع في اليوم التالي وبرفقته فرقة من جيش الحرس الاتحادي وتعرضت هذه الفرقة لنيران فريقين من رجال العصابات الذين أطلقوا النار من مراكز تقع في الجانب الجبلي بقيادة رجل العصابات الرجعي والمفسد غالب راجح لبوزة الذي عاد مؤخرا مع عدد من الرجال من اليمن يحمل أسلحة وقنابل يدوية لإشاعة الإرهاب، ولم يصمد أتباع اللص لبوزة أمام القوات الاتحادية التي أرغمتهم على الفرار وقد خسروا اثنين منهم، أحدهما راجح لبوزة ولم تصب القوات الاتحادية بأية خسائر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى