زواج أم تأبط شرًا

> محمد حسين الدَبَاء

> تزوج أبو كبير عامر بن الحليس الهذلي أم تأبط شرًا، وكان غلامًا صغيرًا، فلما رآه يكثر الدخول على أمه تنكر له، وعرف ذلك أبو كبير في وجهه إلى أن ترعرع الغلام، فقال أبو كبير لأمه: ويحكِ، قد والله رابني أمر هذا الغلام، ولا آمنه، فلا أقربك ! .. قالت: فاحتل عليه حتى تقتله.
فقال أبو كبير له ذات يوم: هل لك أن تغزو؟.
فقال تأبط شرًا: ذلك من أمري.
فقال أبو كبير: فامض بنا. فخرجا غازيين ولا زاد معهما، فسارا ليلتهما ويومهما من الغد، حتى ظن أبو كبير أن الغلام قد جاع، فلما أمسى قصد به أبو كبير قومًا كانوا له أعداءً فلما رأيا نارهم من بعد، قال له أبوكبير: ويحكَ قد جعنا، فلو ذهبت إلى تلك النار فالتمست منها لنا شيئًا !
قال تأبط شرًا: ويحكَ وأي وقت جوعٍ هذا.
فقال أبو كبير: أنا قد جعت فاطلب لي
فمضى تأبط شرًا فوجد على النار رجلين من ألص من يكون من العرب، وإنما أرسله إليهما أبو كبير ليقتلاه، فلما رأياه قد غشي نارهما وثبا عليه، فرمى أحدهما، وكر على الآخر فرماه، فقتلهما، ثم جاء إلى نارهما فأخذ الخبز منها، فجاء به إلى أبي كبير، فقال: كل لا أشبع الله بطنك ! ولم يأكل هو.
فقال أبو كبير: ويحكَ أخبرني قصتك.
قال تأبط شرًا وما سؤالك عن هذا، كل، ودع المسألة.
فدخلت أبا كبير منه خيفة، ثم سأله بالصحبة إلا حدثه كيف عمل فأخبره، فازداد خوفًا منه، ثم مضيا في غزاتهما فأصابا إبلاً، وكان يقول له أبو كبير ثلاث ليالٍ: اختر أي نصفي الليل شئت تحرس فيه، وأنام، وتنام النصف الآخر وأحرس.
فقال تأبط شرًا: ذلك إليك، اختر أيهما شئت.
فكان أبو كبير ينام إلى نصف الليل ويحرسه تأبط شرًا، فإذا نام تأبط شرًا، نام أبو كبير أيضًا، لا يحرس شيئًا حتى استوفى الثلاث، فلما كان في الليلة الرابعة ظن أن النعاس قد غلب تأبط شرًا ، فنام أول الليل إلى نصفه وحرسه تأبط شرًا، فلما نام تأبط شرًا، قال أبو كبير: الآن يستثقل نومًا وتمكنني فيه الفرصة، فلما ظن أنه قد استثقل أخذ حصاةً، فحذف بها، فقام تأبط شرًا كأنه لم ينم، فقال: ما هذه الوجبة ؟.
قال أبو كبير: لا أدري.
قال تأبط شرًا: والله صوتٌ سمعته في عرض الإبل، فقام وطاف فلم يرَ شيئًا، فعاد فنام، فلما ظن أنه استثقل أخذ حصيةً صغيرة فحذف بها، فقام كقيامه الأول، فقال: ما هذا الذي أسمع؟.
قال أبو كبير: والله ما أدري، قد سمعت كما سمعت وما أدري ما هو ولعل بعض الإبل تحرك، فقام تأبط شرًا وطاف فلم يرَ شيئًا، فعاد فنام، فأخذ حصيةً أصغر من تلك فرمى بها فوثب كما وثب أولاً، فطاف وعس فلم يرَ شيئًا ورجع إليه، فقال تأبط شرًا: يا هذا، إني قد أنكرت أمرك، والله لئن عدت أسمع شيئًا من هذا لأقتلنك!.
فقال أبو كبير: فبت والله أحرسه خوفًا أن يتحرك شيء من الإبل، فيقتلني. فلما رجعا إلى حيهما، قال أبو كبير: إن أم هذا الغلام لامرأة لا أقربها أبدًا .. وقال هذه الأبيات:
ولقد سريتُ على الظَّلام بمغشمٍ
جلدٍ من الفتيانِ غيرِ مُهبَّل
مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقِدٌ
حُبك النِّطاق فعاشَ غيرَ مثقلِ
حَمَلَتْ بِهِ في لَيْلَة ٍ مَزْؤُودَة ً
كرهاً وعقدُ نطاقها لم يُحلَّلِ
فأتت به حُوشَ الجنانِ مبطَّناً
سُهُداً إذَا مَا نَامَ لَيْلُ الهَوْجَلِ
وَمُبَرَّأً مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَة
ورضاعِ مُغيلة ٍ وداءٍ معضلِ
فإذا نظرتَ إلى أسرّة وجهه
بَرَقَتْ كَبَرْقِ الْعَارِضِ المُتَهَلِّلِ
وَإذَا قَذَفْتَ لَهُ الْحَصَاة َ رَأَيْتَهُ
يَنْزُو لِوَقْعَتِهَا طُمُورَ الأخْيَلِ
وإذا رميتَ به الفجاجَ رأيته
يهوى مخارمها هويّ الأجدلِ
وَإذَا يَهْبّ من الْمَنَامِ رَأَيْتَهُ
كَرُتُوبِ كَعْبِ السَّاقِ لَيْسَ بِزُمَّلِ
مَا إنْ يَمَسّ الأَرْضَ إلاَّ مَنْكِبٌ
مِنْهُ وَحَرْفُ السَّاقِ طَيَّ المِحْمَلِ
يُعطي الصِّحابَ إذا تكونُ كريهة ٌ
وَإذَا هُمُ نَزعلُوا فَمَأْوَى الْعُيَّلِ
فَإذَا وَذَلِكَ لَيْسَ إلاَّ ذِكْرُهُ
وَإذَا مَضَى شَيْءٌ كَأَنْ لمْ يُفْعَلِ
**محمد حسين الدَبَاء**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى