المدرسة المحسنية العبدلية بلحج.. رحلة العودة إلى الماضي الجميل

> تقرير / هشام عطيري

> عندما تهم بالدخول إلى شوارع الحوطة “المحروسة” عاصمة محافظة لحج الخضيرة تشاهد عن يسارك مبنى مهترئا مكونا من دورين، وقد زينته لوحة قديمة جداً كتب عليها المدرسة المحسنية العبدلية، التي بنيت في العام 1939م.. واشترك في بنائها بحسب حديث الباحث والكاتب علي بن علي سعد محسن فضل بن علي العبدلي، وأخيه السلطان عبد الكريم فضل العبدلي - رحمهما الله - لتصبح منارة للعلم في زمن كان العلم من ركائز المجتمع اللحجي البديع، فقد ازدهرت تلك الفترة بشيوع المعرفة، وأصبحت المدرسة المحسنية منارة للعلم في شبه الجزيرة العربية.
عندما عاد أحد الدارسين في المدرسة تذكر الماضي الجميل وذلك الملعب الواسع الذي يقع أمام المدرسة من الجهة الجنوبية ليمارس كل الطلاب نشاطاتهم، ذلك الحلم قد انتهت خيوطه بفعل البسط عليه من “متنفذين” فلم يتبقَ من المساحات الواسعة منه سوى مبنى يتآكل مع مرور الزمن.
يقول الباحث علي بن علي سعد عن ماضي تشييد المدرسة: “إنه خصص لصرفياتها مداخيل ما يقارب ألف فدان لتغطية متطلبات المدرسة، ورواتب المدرسين والعمال، وتم بناء المدرسة من طابقين، حيث يحتوي الطابق الأول على المخازن وإدارة الضبط والربط والتحضير والصفوف الأولى للروضة، والصف الأول الابتدائي”.
أما الطابق الثاني فتجد صفوف الابتدائية الأخرى إلى جانب غرفة ناظر المدرسة وقاعة المدرسين.. وللمدرسة بابان من الجهة الجنوبية والشمالية، فيما في الجهة الغربية توجد أبنية ملحقة بالمدرسة، منها فناء المدرسة التي يتحكم بها الكشاف المدرسي، كما يوجد في ذلك الفناء المسرح المدرسي، وفي شماله مسجد للطلبة، تقام فيه دورات تحفيظ للقرآن الكريم، أما الجهة الجنوبية للمدرسة فتستقبلك بملعب يمارس فيه الطلبة رياضاتهم، ويقيمون فعالياتهم ومسابقاتهم، كما أن الملعب في الغالب يحتضن الحفل الختامي للعام الدراسي بحضور سلطان لحج أو من ينوب عنه.
لقد تخرج في المدرسة المحسنية المثقفون والأدباء والسياسيون والزعماء فأصبحت شعاعاً أضاء كل البلاد.
يقول السلطان علي عبد الكريم العبدلي: “إن الإصلاح في السلطنة قد بدأ بالتعليم، حيث أوقف والده - رحمه الله - ما يزيد على ألف فدان من أملاكه في محافظة أبين، إضافة إلى وقف أخيه المرحوم محسن فضل للمدرسة المحسنية والمستشفى، وزاد الاهتمام بها إلى أن أوفد مدرسين من مصر الشقيقة لتطوير التعليم في مدينتي الحوطة والوهط، حتى أصبحت شهادة المدرسة المحسنية معتمدة في المدارس المصرية، وهنا نتذكر من كانت له بصمة حية في بلورة الفكر اللحجي مع المصري في المدرسة، وهو عبدالله علوي بن حسن الجفري الذي تولى إقناع والدي بفكرة إيفاد مدرسين مصريين للتعليم في محافظة لحج، بل وكان مبعوث الوالد إلى مصر للتفاوض مع الحكومة المصرية بهذا الشأن وتكللت جهوده بالنجاح، وكانت مهمتي بعد ذلك التصدي لاعتراض المعتمد البريطاني الذي كان يرى أن اتصالنا بمصر تجاوز للسلطة البريطانية التي لم يكن لها أي حق قانوني أو تعاهدي علينا، وقد تمكنت من إثبات ذلك من خلال صيغ المعاهدات المبرمة بيننا وبين بريطانيا وكانت غمامة صيف، وتجاوزناها، واستمر تطوير التعليم عاما بعد عام، وعند اعتراف وزارة المعارف المصرية بشهادة المدرسة المحسنية بدأنا بإرسال البعثات إلى مصر لإتمام تعليمهم الثانوي والجامعي”.
وهنا لا ننكر أن المدرسة كانت تزخر برجال عظماء كان لهم دور في تطوير التعليم والتدريس في المدرسة أمثال صالح عوض دباء، وعبدالله هادي سبيت، ومحمد سعيد سبيت، ومحمد حسن أفندي، وصادق حسن افندي - رحمهم الله - إضافة إلى من تخرجوا في العراق على اختلاف تخصصاتهم الدراسية.
البناء العشوائي يزحف على المدرسة المحسنية
البناء العشوائي يزحف على المدرسة المحسنية

ها هي اليوم المدرسة المحسنية التي كانت تعد الوجه الجميل لمحافظة لحج المشرق أصابها ما أصاباها خلال العقود التي مضت، فتحولت من منارة للتعليم إلى مبانٍ لمكاتب إدارية تربوية خلال فترة من الزمن، حتى تم إغلاقها نهائياً دون الاستفادة منها نتيجة لتدهور المبنى الذي يحتاج إلى إعادة ترميم وصيانة من الجهات المختصة قبل أن تحل الكارثة، ونتذكر هذا الماضي العريق.
إن الناظر لهذا الصرح التعليمي الكبير يشاهد مدى اندثاره يوماً بعد يوم، من شدة الإهمال الذي لم يسلم من الاقتحام وتغيير بعض معالمه التراثية الأصيلة، حتى وصل الأمر إلى صدور بعض التوجيهات في أعوام سابقة بتسليم المدرسة إلى اتحاد الأدباء، وهو ما رفضه العديد من الشخصيات الاجتماعية والأدبية ومنهم السيد عبد الرحمن الجفري رئيس حزب رابطة الجنوب العربي الحر الذي طالب أن يتم ترميم المدرسة ببنائها الجميل مع بقاء اسمها القديم (المدرسة المحسنية العبدلية)، كما اقترح أن يكرم مؤسسها كرائد للتعليم في كل المنطقة، مشيراً إلى أنه قام بالتدريس فيها، علاوة على خيرة المدرسين المصريين، وتعلم فيها صفوة وأجيال رموز الوطن وقيادته السياسية والأدبية والعلمية.
وقال العبدلي: “إن مبنى المدرسة والأراضي التي أوقفها أمير التعليم في كل المنطقة هي أمانة لا يجوز التفريط فيها ولا بالأرض الموقوفة لهذا الهدف النبيل”.
وختم العبدلي حديثه بالقول: “إن المدرسة المحسنية تحتاج اليوم إلى تضافر جهود المجتمع المحلي لإعادة تأهيل المدرسة لتكون مدرسة نموذجية تحتضن طلابا متميزين، كما يجب البحث عن عائدات المدرسة من الأراضي التي تم وقفها لصالح هذه المنشأة”.
فهل نعيد هذا الإشعاع العلمي إلى سابق عهده، أم نتباكى على الماضي الذي ما زلنا نبحث عن رجاله اليوم؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى