لاجئة سورية عمرها عشرة أعوام.. معلّمة في العراء

> كترمايا / جبل لبنان«الأيام» علي حشيشو

> من بين 400 نازح سوري يسكنون 50 خيمة منصوبة وسط أرض زراعية ببلدة كترمايا في جبل لبنان تبرز الطفلة براء عنتر ذات السنوات العشر كمدرِّسة أطفال بعضهم يكبرها عمراً.
لكن “الآنسة” براء كما ينادونها تجيد دور المعلمة فهي تُحضّر ملفات تلاميذها بمنتهى الدقة وتهيّئ لهم الأسئلة كل على ورقته التي تحمل اسمه ولا تنسى أن تزين ملفات التلاميذ برسومها اليدوية تضعها فوق طاولة خشبية مهترئة تتراقص يُمنة ويُسرة.
أما مقاعد التلاميذ التقليدية فقد استبدلتها براء بحكم الظروف القاهرة بصفوف من الأحجار كما استعاضت عن لوح الحائط بالرسم بإصبعها في الهواء لتصوير كيفية كتابة الأحرف.
منذ أن نزحت عائلتها قبل ثلاث سنوات عن بلدتها كفر بطنا في ريف دمشق بسبب الحرب الدائرة هناك وحطت رحالها في المخيم في رحلة نزوح شملت أكثر من محطة وبراء تثابر على تعليم أطفال المخيم الذين حرموا من تلقي تعليمهم الأولي.
ولقي نحو 200 ألف شخص حتفهم بينما نزح ما يقرب من نصف سكان سوريا عن ديارهم بسبب الحرب الاهلية الدائرة هناك منذ ما يقرب من أربع سنوات.
ويستضيف لبنان الذي يقل عدد سكانه عن خمسة ملايين شخص أكثر من مليون لاجئ سوري ويسجل فيه أعلى معدل من اللاجئين بالنسبة لسكان البلاد في العالم.
ويعيش النازحون السوريون في لبنان في ظروف سيئة للغاية خصوصا في جو من العواصف الثلجية التي تضرب الشرق الاوسط.
وفي جو بارد أقامت براء صفا دراسيا تحت شجرة سنديان في طرف المخيم كانت تعطي درسا باللغة الفرنسية لعشرة تلاميذ وهي التي تتمتع بشخصية فيها مزيج من وقار الكبار وتسامح الأطفال لها. وتملك من الحب في قلوب تلاميذها ما يمكنها من فرض الانضباط أثناء الحصص.
وتقف فتاة صغيرة اسمها رندلى لتقول للمعلمة “آنسةأنا عملت فرض الأبجدية”. وتضيف براء “أنا أحب درس الآنسة براء فهي تعلمني من دون أن تصرخ علينا”.
وفي الاستراحة وقبل الانتقال إلى درس اللغة العربية قالت براء ردا على سؤال لرويترز عن الهدف من تعليم الاولاد “لأني أحبهم ولا أريد أن يصبحوا جاهلين أدرسهم ما درسته أنا في المدرسة في سوريا”.
هي وإن كانت مدرّسة في المخيم لكنها تلميذة في نفس الوقت إذ أنها تذهب يوميا إلى مدرسة البلدة بدوام مسائي.
تختصر الأجوبة وعيناها ترمقان تلاميذها الذين ينتظرونها بفارغ الصبر وتقول “في لبنان تعلمت الفرنسية واحببتها وصرت أدرسها للصغار وأعلمهم بالفرنسية كل ما أتعلمه”.
تشكو المعلمة الطفلة غياب أي دعم من اي جهة “نكتب على وجهيْ الورق وليس لدينا أقلام بعدد التلاميذ لأن لا أحد يشتري لنا دفاتر ومستلزمات التدريس”.
وللمصادفة ينادون في المخيم على براء فقد حضر للتو أحد الصحفيين حاملاً هدية لبراء لوحاً صغيراً وعشرات الدفاتر وأقلام الرصاص والتلوين والبرايات والمحايات والكرتون والمساطر.
ويقول الصحفي الذي رفض ذكر اسمه “لأن براء أثرت بي كثيرا عندما رأيتها خلال زيارتي للمخيم قبل يومين وهي تعطي الدروس لرفاقها بكل جدية وتمكن وقررت أن أتبرع لها بعدما شعرت بحاجتها الماسة للوح والدفاتر والقرطاسية”.
طارت براء من الفرحة عند استلامها هبة الصحفي وأسرعت نحو “الصف” قائلة “أنظروا ماذا أحضروا لنا” جمعت الأوراق البيض من أيدي الأطفال ووزعت عليهم الدفاتر الجديدة وأقلام الرصاص والتلوين والقرطاسية ثم طلبت الهدوء “هيا نكمل الدرس” ثم طالبتهم بنسخ الأحرف الابجدية لأكثر من مرة كما قامت بتهجئة اسم كل منهم وكذلك أسماء المدن السورية الكبرى.
وقالت أن أغلى أمنياتها “أن تنتهي الحرب بسوريا وأن أعود مع أهلي إلى البيت وإلى مدرستي هناك إذا لم نعد لسوريا سنصبح مثل الفلسطينيين بدون بلاد. مستحيلة الحياة هنا.. أشعر أنني أسكن في البريّة”.
رويترز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى