عدن الميناء الهام منذ القرن الرابع قبل الميلاد.. أين أصبح؟!في العام 1850م أعلن ميناء عدن ميناء حر.. كان ثاني ميناء في العالم بعد (نيويورك) ويستقبل نحو 50 باخرة يوميا

> تقرير/ علي راوح

> ما نسمعه اليوم من تصريحات حول ميناء عدن، لاترتقي إلى مستوى المسئولية في أدنى درجاتها بما يتعلق بما يتطلب انجازه لانتشال ميناء عدن من وضعه المتردي وتأهيل خدماته.. فهل يريدون ذبح هذا الميناء الهام كما ذبحوا قبله أكبر شركتين سياديتين في عدن هما شركة الملاحة الوطنية وشراكة أحواض السفن، وشردوا كوادرهما وعمالهما بعد أن كانتا من أنجح الشركات على مدى تاريخ طويل؟.
لماذا لا يتركون الأمر لكوادر هذا الميناء الذي أنشئت أمانته عام 1889م؟
تعود بي الذاكرة إلى صباح يوم الأحد الموافق 25 أغسطس 1996م أي قبل (18 عاماً) و (5 أشهر) تقريباً، حينها كلفني رئيس التحرير فقيد الصحافة الحرة الأستاذ هشام باشراحيل (رحمه الله) بتغطية وقائع الندوة الخاصة والمكرسة حول الأهمية الإستراتيجية والموقع والدور الخاص الذي تميزت به عدن عبر العصور والازدهار التجاري الذي احتلته عبر مينائها الشهير، حيث كانت الندوة التي أقيمت في جامعة عدن بعنوان (عدن عبر التاريخ) وشارك فيها عدد من المختصين والمهتمين ومنهم الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه المؤرخ اليمني المعروف، والدكتور صالح باصرة رئيس جامعة عدن حينها، والقبطان عبدالمعطي حسن من مصلحة الموانئ، والمهندس معروف عقبة، وقد أقيمت هذه الندوة في غمرة احتفالات الغرفة التجارية بذكراها العاشرة بعد المائة، وحضرها عدد من الوفود التي وصلت إلى عدن للمشاركة بهذه المناسبة وعدد من المسئولين في الغرفة وجامعة عدن، وجمع من الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء والأساتذة والمهتمين بتاريخ عدن.
**لعلى الذكرى تنفع**
ومن منطلق أهمية تلكم الندوة وما تناولته من حقائق تاريخية متميزة عن أهمية مدينة عدن عبر العصور نورد مقتطفات من حديث المشاركين فيها، لعلى الذكرى تنفع المؤمنين، ونريدها أن تنفع القائمين على أمر هذه المدينة الحضارية التي حباها الله بمميزات طبيعية حظيت بها دون العديد من المدن العالمية.
**عدن كانت ميناء هاما في القرن الرابع (ق.م)**
أورد الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه/ المؤرخ اليمني في مداخلته بأن الدور التاريخي الذي تميزت به عدن والتي أطلق عليها (العربية السعيدة) أعطاها الخصوصية التي اشتهرت بها كموقع للتبادل التجاري عبر الطريق البري الذي ربط اليمن بالشام، وأوضح أهمية اليمن كميناء بحري، وأن عدن قامت كميناء هام في القرن الرابع قبل الميلاد في عصر امتداد النفوذ (القتباني) وحينها قامت عدن بدور المنطقة الحرة وقال: “إن عدن في خصوصيتها هي كما تناولها كتاب المؤرخ عبدالله محيرز فهي خلقت لتكون منطقة حرة”.
**تاريخ عدن هو تاريخ الغرفة التجارية**

من ناحيته أشار الدكتور صالح علي باصرة إلى أن تاريخ عدن المعاصر هو التاريخ الخاص بالغرفة التجارية الذي هو تاريخ ازدهار عدن والعكس، إلا أن عدن ازدهرت خلال فترة الاحتلال البريطاني ثم انهارت خلال الحكم الوطني، فقد كانت عدن محور اهتمام بريطانيا دون غيرها من المناطق فتربعت عدن على موانئ البحر الأحمر وغيرها، وعند احتلالها كان هناك صراع حول عدن هل يكون دورها حربياً أو دور تجاري؟ ثم أصبحت عدن ذات دور تجاري.
**أسباب انهيار عدن بعد الاستقلال**
وأرجع باصرة أسباب انهيار عدن كميناء بعد الاستقلال عام 1967م
لعدة أسباب منها:
- أن عدن حصلت على استقلالها في لحظة حرب حزيران 67م وإغلاق قناة السويس.
- جاء استقلال عدن في فترة صراع أمريكي بريطاني، فكانت لدى بريطانيا فلم ترغب بريطانيا أن تهيمن أمريكا على مواقع هيمنتها السابقة (عدن) وربما كانت هناك صفقة بريطانية روسية، ودخلت عدن في نظام سياسي اقتصادي جديد كانت له تبعاته السيئة المؤثرة.
- الصراع البريطاني المصري جعل بريطانيا تحرص على منح الاستقلال للجبهة القومية التي لاترغب في الوحدة مع شمال اليمن موقع النفوذ المصري، وهذه العوامل الآنفة من المتغيرات أثرت على عدن فانهار دورها كميناء، وفقد دورها التجاري الهام وتزامنت هذه الفترة مع وجود موانئ جديدة منافسة في المناطق المجاورة، وبدأ هذا الانهيار منذ 67م وحتى 1990م، فكان أن حصلت خلال هذه الفترة تطورات كبيرة مجاورة، فكان على عدن أن تستعيد دورها وأن تقطع أشواطاً كبيرة.
**عدن تستعيد سمعتها**

وتحدث القبطان عبدالمعطي حسن عن نشاط ميناء عدن التجاري ومراحل تطوره وأهم ما جاء في حديثه:
- عام 1839م كانت البداية في نشاط الميناء عندما أنشئ مركز لتجارة الفحم.
- عام 1845م توسع نشاط الميناء بعد أن تم إنشاء مخازن الفخم والتي شيدت في ميناء صيرة.
- عام 1850م أعلن ميناء عدن ميناء حراً ولا تزال هناك لوحة توضح اسم المنطقة الحرة.
عام 1855م تم وضع لسان بحري في المعلا وتم تحويل الميناء إلى المعلا، ثم تطلبت الحاجة لتعميق الميناء وخاصة بعد إنشاء الغرفة التجارية، لأن السفن كانت تفرغ خارج الميناء مما سبب بعض الأضرار للتجار، وهنا تشكلت الغرفة التجارية لحماية مصالح التجار في الميناء.
- عام 1889م أنشئت أمانة ميناء عدن كي تشرف على النشاط وشجعت الشركات الهندية والأجنبية على مزاولة التجارة وكانت هذه الشركات هي النواة التجارية، وكان ضمن برنامج عمل أمانة ميناء عدن تعميق الميناء، فكانت عدن أول بلد عربي يشهد نشاط الاتصال البرقي، وهذا عامل مساعد ومشجع للتجار من خلال الحصول على المعلومات التجارية عبر هذه الاتصالات البرقية.
وفي عام 1934م تم إنشاء أربعة أرصفة عمق (31) قدم وتزايدت أعداد السفن الداخلة إلى الميناء.
وفي عام 1950م تمكن فريق الميناء من إدخال سفينة كل (33) دقيقة (40-50) سفينة يومياً تفرغ حمولتها في المرسى، ثم شهد الميناء تطوراً في بناء (3) مراس جديدة وتعميق مراس أخرى وحتى عام 1960م، وكان ميناء عدن يحتل الموقع الثاني بعد (نيويورك).. ثم ونتيجة لعدد من العوامل الداخلية والخارجية ازدهرت الموانئ المجاورة وأدخلت التجهيزات التقنية وتقهقر ميناء عدن ليصل إلى الموقع (334)، ولكن الآن وبعد حفر ميناء الحاويات سيعود ليحتل المرتبة (22) وسون يكون وضعه أفضل من بعض الموانئ المجاورة، وأتوقع أنه بعد 5 سنوات ستتمكن عدن من استعادة عافيتها وسمعتها الدولية.
وأشار معطي لنقل البضائع في الحاويات قائلاً: “هذا النوع من النقل يشكل 80 % من النشاط التجاري العالمي، كانت السفن تحمل ألفي حاوية، ولكن ونتيجة للتطور التكنولوجي في صناعة السفن فقد استحدثت سفن عملاقة تصل حمولتها إلى ثمانية آلاف حاوية، وهذا النوع من السفن يواجه صعوبة في مستوى أعماق الموانئ، ونحن في عدن يصل العمق في الميناء إلى (16) وهو أمر غير متوفر لدى العديد من الموانئ، فسيكون ميناء عدن الموقف للسفن القادمة من أوروبا إلى الشرق الأقصى ولن يكون هناك ميناء منافس لنا، كما أن ميناء عدن له شهرة في تقديم الخدمات للسفن من حيث التزويد والترميم وكافة الخدمات، ولدى الميناء عدد من المشاريع مثل مشروع الإسمنت والصوامع.
**ازدهار ثقافي وفكري**
وفودغفيرة من السياح في ميناء عدن
وفودغفيرة من السياح في ميناء عدن

وتطرقت الندوة إلى الازدهار الثقافي والفكري لمدينة عدن وأشارت إلى:
- ازدهار الثقافة في عدن منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي وهذا يتزامن مع تاريخ الغرفة التجارية.
- كانت عدن منطقة مفتوحة للعالم كله، ففي 1925م وصل إليها عبدالعزيز الثعالبي الذي شكل أول مركز ثقافي وتشكلت عدد من نوادي الأدب.
- كانت في عدن تعددية ثقافية وسياسية ودينية فشهدت الحركة الأدبية والفكرية تطوراً مزدهراً منذ العشرينات.
- الثراء الفكري والثقافي الذي شهدته عدن رافقه ثراء سياسي بدأ في إطار ضيق ثم تطور وشكل إطاراً مجسداً لليمن كله (الجبهة الوطنية المتحدة).
- لم تنحصر الحركة الثقافية في الجانب الشعري بل شمل القصة، فالرواية ثم المسرح الشعري ورافق ذلك ازدهار المكاتب والمطابع وعاشت عدن نهضة اقتصادية وفكرية وصحافية، ولم يكن هناك أي نوع من أنواع المناطفية أو الكراهية أو البغضاء بين السكان القادمين من كل مناطق اليمن والأرياف ومن الدول المجاورة لبلادنا.. (انتهى حديث الندوة).
**هي أيضاً مدينة السياحة**
ومع أهمية مينائها التجاري فإن عدن هي أيضاً مدينة السياحة، حيث اشتهرت منذ القدم بموقعها الجغرافي المتميز الذي جذب إليه أنظار العالم، فكان أن تعرضت عدن لعدد من الغزوات الاستعمارية، كان آخرها الاحتلال البريطاني في النصف الأول من القرن التاسع عشر والذي دام نحو (129 عاماً).
وإلى جانب ما حظيت به عدن من موقع جغرافي يربط بين أجزاء الكرة الأرضية كذلك تميزت أيضاً بموقعها السياحي الجميل بما يحيط بها من شواطئ بحرية دافئة، تلك الشواطئ الذهبية الساحرة التي يجد فيها السائح متعة غير عادية، إلى جانب ما يتمتع به السائح أثناء زيارته لعدد من المعالم التاريخية الأثرية التي تحتضنها عدن والتي تحكي عن ماض حضاري عريق عاشته هذه المنطقة، ولعل أهم هذه المعالم الأثرية (صهاريج عدن التاريخية) التي خطيت بإعجاب شديد لدى السياح وكل من يزورها، وكذلك (قلعة صيرة) هذا المعلم الشامخ الذي يحكي عن بطولات الأجداد في مقاومة الغزوات الاستعمارية، وهناك تلك اللوحة الجميلة المتمثلة بـ(بوابة عقبة عدن)، ومن جامع العيدروس الشهير فضلا عن جامع أبان بن عثمان بن عفان والمنارة التاريخية المنتصبة بجانب مبنى البريد في كريتر، إلى جانب ما تحتضنه عدن من المعابد المختلفة وكذا منزل الكابتن (هينس) ومكتبه (مكتب الخدمة المدنية بالخساف حالياً)، وعدد آخر من المعالم التاريخية الجذابة.
**السياحة تجارة رابحة لم تفعل**
وما يلمسه المتأمل لواقع حال السياحة في عدن سيجد أن الجهات المعنية لم تعمل بما من شأنه تهيئة المناخ ووضع الخطط الكفيلة باستغلال الجانب السياحي باعتباره نوعاً من أنواع التجارة الرابحة التي تشكل مصدر دخل قومي للبلد، من خلال الاهتمام بهذه المعالم وتلك الشواطئ لضمان جذب السياح وترغيبهم، وخلق نوع من أنواع الدعاية والترويج السياحي لسمعة هذا البلد.
**مسئولية وطنية جماعية**
ومن هذا المنطلق تبرز الأهمية الوطنية بضرورة قيام الجهات المسئولة في السياحة والسلطة المحلية والمصالح الأخرى التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالتعامل مع السياح القادمين إلى عدن أن تقوم بتأمين كل المتطلبات التي يحتاجها السياح والقيام برسم ووضع البرامج الترفيهية، وحسن التعامل مع القادمين لضمان تلك الانطباعات الجميلة لدى كل سائح وكل زائر لهذه المدينة الحضارية عدن.
وقد يتساءل المرء بمرارة عن ماهية الانطباعات التي يخرج بها السائح الأجنبي عن مدنية عدن وشعبها في ظل هذه الوضعية المتدنية التي نلمسها حالياً؟.
إذ من المفترض أن ترتب الجهات المعنية وتختار بعناية كل من له صلة باستقبال أو مرافقة الأفواج السياحية، وكل من يتعامل مع السياح مثل الشركة البحرية وموظفي الجمارك والهجرة وحتى سائق التاكسي، وفي مقدمة ذلك اختيار المرشدين السياحيين من ذوي الكفاءة والثقافة العالية، ولا يستثني الأمر عمال الفنادق والمطاعم السياحية.
**شهرة عالمية نراها تضيع**
ومن المعروف أن ميناء التواهي هو المدخل البحري الذي تصل إليه السفن السياحية التي تأتي بآلاف السياح من مختلف بلدان الأرض، وقد اشتهرت مدينة التواهي منذ القدم لدى الأجانب باسم (Steamer Point) بمعنى (ملتقى البواخر)، وشهدت التواهي منذ القدم حركة دؤوبة من النشاط التجاري بفعل قدوم ومغادرة السياح والبحارة عبر بوابة الميناء الشهيرة.. وحسب ما أتذكره (في طفولتي) مطلع الستينات أن مدينة التواهي كانت مدينة جميلة ونظيفة وتحوي العديد من المتاجر الزاهية المملوءة بأصناف البضائع المغرية.
وأتذكر أن أصحاب هذه المتاجر اكتسبوا - بحكم تعاملهم مع السياح - عدداً من اللغات الأجنبية وفي مقدمتها اللغة الإنجليزية فضلاً عن اللغات الفرنسية والروسية والأسبانية والتركية..إلخ.
وكان في التواهي أقدم وأرقى الفنادق مثل فندق الصخرة (روك هوتيل) وفندق الهلال (كريسنت) وفندق السفير (الامبسادور) وكانت هذه الفنادق تمتاز بالنظافة العالية وتقدم خدماتها للسياح وكل النزلاء.. كما كانت المدينة مزدانة بتلك اللوحة المتمثلة بالساعة المنتصبة على الجبل المقابل لبوابة الميناء والتي كان معظم الناس يسترشدون بها في معرفة الوقت لعدم توفر الساعات الشخصية لدى الكثيرين، وللعلم أن هذه الساعة قد تعرضت للإهمال.
**مناظر تثير الرعب والتقزز**
واليوم يشاهد المرء كثيراً من المناظر المزرية في مدينة التواهي والتي (لاشك) أنها تثير تقزز السائح الأجنبي وتترك انطباعات سيئة عن هذه المدينة التي اشتهرت بصفاتها الجميلة، ومن هذه المناظر تلكم القمامات المبعثرة في كل مكان، والمياه المتدفقة من مجاري الصرف الصحي والتي تفوح روائحها الكريهة التي تزكم الأنوف، بالإضافة إلى تكاثر المهنوهين (المجانين والمتجننين) والمتسولين، وأنكى من كل ذلك ما يشاهده السائح وكل الزوار من تجّول أشخاص بالزالي الشعبي وهم مدججون بأنواع الأسلحة إبتداءاً بالسلاح الأبيض مروراً بالقنبلة والمسدس وإنتهاءً بالرشاش الآلي، مما يولد لدى السائح أو الزائر الرعب والخوف من هذه المناظر غير الحضارية والتي لم يألفها من قبل..
إننا نناشد الجميع في كافة الجهات المسئولة في محافظة عدن وفي مقدمتهم محافظ عدن الجديد الدكتور عبدالعزيز بن حبتور، بأن يتحملوا مسئولياتهم لما من شأنه تهيئة كل مدن المحافظة وجعلها جميله ونظيفة خالية من المناظر والمظاهر المنفرة فالواقع الحالي لمدينة عدن لا يشرف كل من تعز عليه سمعة عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى