إب.. انفلات في حضرة سلطة منفلتة

> تقرير/ عبدالعزيز الويز

> أصبح الحاج محمد عبده البعداني (20 عاما) يغيب بشكل دائم عن أداء صلاة الفجر في المسجد، خلافاً لما اعتاد عليه لعقدين من الزمن، بينما بقية الصلوات بالكاد يواظب على أدائها في مسجد الحي الذي يسكن فيه وسط مركز محافظة إب.
مضى عليه على هذا الحال قرابة شهرين متتابعين، وحينما سأله الحاج أحمد مؤذن المسجد عن أسباب ذلك أجابه: “معاد بيش أمان كما كان، بِينا أصلي الفجر في البيت جماعة مع أسرتي”.
يسكن الحاج محمد في بيت ملك في حي راقي إلى حد ما، وهو حي شهد - كما بقية أحياء المحافظة - في بضع شهور حوادث انفلات أمني مروعة، ليست الاغتيالات، والسطو المسلح على محلات تجارية إلا نذر يسير من حوادث دامية باتت المحافظة المسالمة واقعة فيها.
للأسف أصبح الخوف والحذر الشديدين قاسما مشتركا يسكننا جميعاً، لم يعد أحد في مأمن، الكل أصبح هدف سهل للموت في أي لحظة سيئة، يقول أحمد الحسام من أهالي مديرية العدين واصفا الوضع الأمني في مديرية من أجمل المديريات العشرين التابعة للعاصمة السياحية لليمن(إب): “إلى ما قبل اجتياح مسلحي الحوثي المحافظة منتصف أكتوبر الماضي وسيطرتهم عليها لاحقا بقوة السلاح كانت إب ملاذاً آمناً للفارين من المحافظات المستعرة بالاقتتال الأهلي، والصراع المسلح، والانفلات الأمني، وهو ما يفسر واحدة من أسباب ارتفاع عدد الطلاب والطالبات في مدارس التعليم الحكومي والأهلي في المحافظة إلى أكثر من 734 ألف طالب وطالبة في المرحلتين الأساسية والثانوية خلال العام الجاري 2014م مقارنة بــ 640 ألفاً خلال العام السابق”.
ويقول المحلل السياسي عبدالكريم الحجافي: “حتى في أيام أحداث انتفاضة 11 فبراير 2011م الساخنة لم تكن إب بهذا الانفلات الأمني المخيف”.
عبدالكريم الحجافي
عبدالكريم الحجافي

الأحد الفائت خرج عدد من تجار محافظة إب عن صمتهم، وفي مقر الغرفة التجارية بالمحافظة عقدوا مؤتمراً صحفياً شكوا فيه تعرضهم لخسائر اقتصادية كبيرة بسبب ما قالوا عنه: “تزايد حالات السطو المسلح على محلاتهم التجارية من قبل مليشيات مسلحة”.
التجار قالوا :”إن 45 محلا تجاريا تعرضوا لحالة سطو مسلح وتم نهب الملايين من الريالات بقوة السلاح خلال الشهرين الماضيين”.
كما اتهموا مسلحين باستخدام السلاح في إجبار التجار على دفع جبايات مالية مخالفة للقانون، بحسب كلامهم.
**حكم الغلبة**
المركز الثقافي عقب هجوم انتحاري
المركز الثقافي عقب هجوم انتحاري

حاليا تخضع إب لسيطرة مسلحي الحوثي (أنصار الله) الوافد معظمهم من محافظات عمران وصعدة، وتضطر السلطة المحلية بالمحافظة، ومعظم المكاتب الحكومية للتعامل معها كـ “سلطة غلبة”، في حين يفضل البعض من قيادات العمل الوظيفي عدم الحضور إلى الدوام إلا للضرورة القصوى.
وتشهد مديريات غياب مستمر وشبه تام للسلطة المحلية فيها بدعوى سيطرة مسلحي الحوثي عليها.
ويشكو كثير من قيادات العمل لا سيما الأمني منها تدخل مسلحي الحوثي في أعمالهم، وعدم تمكينهم من القيام بمهامهم على الوجه اللازم قائلين: “نحاول قدر المستطاع أن نؤدي دورنا، لكن الظرف الذي تعيش فيه اليمن عموما ومحافظة إب خصوصا لا يسمح بذلك، أنصار الله يقحموا أنفسهم في كل شيء، وفارضين سلطتهم علينا على نحو سيء”.
ويقول الضابط في الأمن ( أ ، ن ) رافضا الكشف عن اسمه: “انقسام وأخطاء
كثيرة ما تظهر مواقف عدم انسجام داخل المكون الحوثي، وخلاف شديد لا يستطيع أن يخفي نفسه، كما حدث بين مسلحين حوثيين في مديرية العدين، طرف منهم ينتمي إلى محافظة عمران والآخر ينتمي إلى محافظة صعدة، لم يلبث أن تطور الخلاف إلى اشتباك مسلح بين الطرفين سبت 17 يناير الفائت”.
كما تبرز أخطاء جسيمة تصدر عن عناصر منهم و قيادات غالبا ما تجلب عليهم السخط الشعبي والرسمي، وتثير حماس المواطن لعدم التعامل معهم حتى كـ “سلطة امر واقع” ، والاندفاع لمناهضة تواجدهم كـ “مليشيا عنف متمردة، وجهة إيذاء”.
في واحدة من استنباطات الانطباع الحوثي في أوضح تجلياته عن أهل إب يصف أبو أحمد القادم من محافظة عمران “أصحاب إب هؤلاء ملاعين، ما قدرنا نفهمهم، لا هم مع المسيرة القرآنية، ولا هم ضدها”.
على مدى أسبوعين متتاليين منذ أحداث ما بتت تعرف بـ “ أحداث 19 يناير “ الرئاسية يحرص عصام محمد على المشاركة في كافة الفعاليات الاحتجاجية، التي تشهدها المحافظة، والرافضة لما يقول عنه “الانقلاب، والتواجد المليشياوي الحوثي في إب”، وحينما تتعمقه أكثر يرد عليك جازماً: “هؤلاء محتلين وهمج”.
أطفال في فعاليات ضد العنف بإب
أطفال في فعاليات ضد العنف بإب

انطباع عصام وقبله أبو أحمد من شأنه - بحسب المحلل السياسي عبدالكريم الحجافي - أن يفاقم حالة الكراهية المتبادلة بين الطرفين، ويعزز من فرص حوادث الانفلات الأمني، ما لم يتأصل الأمر بين الطرفين إلى عداء ومواجهة مسلحة لا سمح الله، ستكون نتائجها كوارثية على الحياة، ولا رابح فيها سوى ملك الموت.
**استشعار الخطر**
كمن استشعر خطورة الوضع القائم في المحافظة سارع تكتل احزاب اللقاء المشترك في محافظتي إب وتعز لعقد لقاء أواخر الشهر المنفرط، في إطار ما اتفق أنصار الفيدرالية على تسميته “إقليم الجند”، وكان مما أسفر عنه اللقاء دعوة “السلطة المحلية بمحافظة إب وأجهزتها الأمنية والعسكرية للقيام بدورها الدستوري والقانوني، والحد من الممارسات التي أدت إلى تقليص دورها وأدخلت المحافظة في وضع أمني وإداري في منتهى الخطورة”، كما نص عليه البيان.
وكشف المشترك عن 740 ما أسماها “حالة انتهاك لحقوق الإنسان”، قال البيان: “إنها حصلت في محافظة إب منذ دخول الحوثيين”، وقبل أن ينفض اللقاء انتفض المشاركون يدعون فيه إلى اجتماع آخر يضم بحسب بيانهم “قيادة السلطة المحلية في المحافظتين والمكونات السياسية والاجتماعية للقاء موسع لتدارس وضع المحافظتين، والخروج بصيغة تمكن أجهزة الدولة من ممارسة عملها وحفظ أمن واستقرار المحافظتين”.
قبلها كان لقاء موسع ضم السلطة المحلية بالمحافظة وأحزاب المشترك وقادة الأجهزة الأمنية تداعى برئاسة المحافظ يحيى الإرياني للمطالبة بمنع حمل السلاح، والتجوال به والاصطفاف لتنفيذ القرار.
حدث هذا بعد ٣ أيام من وقوع حادثة تفجير المركز الثقافي الشنيع الذي ذهب ضحيته 29 قتيلا و45 جريحا.
بعدها بيومين عادت اللجنة الأمنية العليا بالمحافظة لعقد اجتماع برئاسة المحافظ الإرياني نفسه، وأعلن الاجتماع عن ما وصفه بـ “تدابير” لجعل المواطن يعيش حياة طبيعية”، وما هي إلا خمسة أيام تمر حتى أسفرت تلك التدابير عن حادثة اغتيال مدير التخطيط والإحصاء والمعلومات في إدارة امن المحافظة العقيد عباس المغربية برصاص مسلحين مجهولين، أعقبها حوادث مشابهة آخرها اغتيال المحامي محمد حسن زيد المساوى صباح أمس الأول الثلاثاء بذات الطريقة.
وحتى تبزغ “تدابير” السلطة المنفلتة عن حوادث أخرى تبقى فرصة عودة الحاج محمد البعداني لأداء صلاة الفجر جماعة في المسجد لا تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت، مالم يسبق الأجل ويحسم أمل الرجل الستيني الواثق بالقدر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى