الباعة المتجولون في أسواق عدن.. باب للارتزاق وآخر للعشوائية والإزعاج

> استطلاع/ نوارة قمندان

> تحول مؤخراً صباح عدن إلى أشبه ما يكون بإعلان حالة الطوارئ في المدينة، فما أن تشرق شمس صباح جديد، وتبدأ الحياة تدب في شوارعها حتى بيدأ الباعة المتجولون بمزاولة أعمالهم ومهنهم التي اعتادوا عليها، كبيع أسطوانات الغاز، وبيع السمك، والخضار، يجولون في الحواري وأزقة الشوارع، محدثين في ذلك حالة من الفوضى والإزعاج للساكنين مع بداية كل صباح وفي كل وقت، قرع لاسطوانات الغاز بطريقة مزعجة ومتكررة لا تراعي حالة الساكنين والمرضى، ومن جهة أخرى تجدهم يفترشون بسطاتهم الشوارع لعامة وأرصفتها.
ويعود ظهور هذه المشكلة في مدينة عدن إلى سنين عدة مضت ولكنها كانت تقتصر على شغل حيز بسيط من الشوارع التي يرتادها الناس بشكل مستمر، مؤخراً تحولت هذه المشكلة إلى ظاهرة بعد أن أصبحت مهنة الباعة المتجولين تكتسح كل الشوارع والأرصفة والأزقة بالمدينة، وهو ما بات يشكل حالة اختناق وشلل تام في حركة الناس ووسائل النقل والمواصلات.
**أصوات مزعجة**

خنق الشوارع، وشل حركة السير والمواصلات من قبل هؤلاء الباعة ليست هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها المواطنون لا سيما الساكنين في هذه الشوارع التي تعج بالمتسوقين بل تطورت عملية البيع باستخدام الميكرفونات ومكبرات الصوت للترويج عن بضائعهم، الأمر الذي يحدث حالة من الفوضى والإزعاج بطريقة مستمرة خصوصاً للساكنين في هذه الأماكن كجولة السفينة (الفل) بمدينة عدن (كريتر) والشوارع المجاورة.
يقول المواطن محمد علي ناجي “لقد بتنا نعيش حالة من الطوارئ، وأصبحت أصوات الباعة المتجولين كأذكار دينية كتب علينا أن نسمعها كل يوم، إن البيع وطلب الرزق ليس حراماً بل حثنا عليه ديننا الحنيف، ولكن ليس بهذه الطريقة المزعجة، فهذه الشوارع ليست شوارع تجارية وحسب، بل هي شوارع سكنية تجارية سكانها فيهم الأطفال، والمرضى، والنائمون، يجب على هؤلاء الباعة مراعاة حياة الناس وعدم التضييق عليهم”.
**سمة من سمات عدن**

إن الزائر لمدينة عدن لأول مرة عندما يشاهد حالة الفوضى وعدم الانضباط والعشوائية في أسواقها وشوارعها سترتسم في مخيلته بأن ما شاهده تعد سمة من سمات هذه المدينة التي سمع الكثير عن تحضرها وتمدنها وجمال شوراعها، هذا ما أوضحه الحاج عبده ناجي علوي عن ما آلت اليه شوارع ومدينة عدن في الفترة الأخيرة من عشوايئة وعدم انضباط، مضيفاً “سقى الله أيام زمان أيام النظام والقانون، أما الآن فحدث ولا حرج، خراب وفوضى وعدم انضباط وخنق للشوارع، وغياب النظافة وكل ما هو سلبي”.
**غياب الأمن**

المواطن جلال عبدالقادر فضل أعاد انتشار ظاهرة الباعة المتجولين في شوارع المدينة إلى الانفلات الأمني وغياب النظام والقانون، مضيفاً “لقد ازدادت نسبة المتجولين في الفترة الأخيرة وبشكل ملفت للنظر، وهو ما تسبب بانعدام النظافة في الشوارع وازدحام كبير فيها، الأمر الذي يعكس انطباعاً سيئاً لدى الكثير من المواطنين الزائرين لمنطقه عدن (السياح الأجانب)، كما أن الانتشار الكبير لهذه الظاهرة أدى إلى خلق المشاكل والمشاحنات بين الباعة والمواطنين في كثير من الأحيان، وتزاد هذه المشكلات في شهر رمضان الفضيل، كما تزاد فيه أعمال البلطجة من قبل البعض”.
من جهته قال علوي طه أحمد لـ«الأيام» “صحيح بات يشكل هؤلاء الباعة المتجولون مشكلة كبيرة على شوارعنا ومدننا بشكل عام؛ ولكن لا ننسى بأنهم يعولون من خلال تلك الأعمال التي يقومون بها أسرا كبيرة، نتيجة لغياب الأعمال والتوظيف الحكومي لهم، بالإضافة إلى أن أسعار الملابس أو مبيعاتهم مناسبة كبيرة جداً إذا ما قورنت بأسعار المحلات التجارية وذلك لارتفاع النفقات التي ينفقونها في أسعار الإيجار وما إلى ذلك من أمور تتعلق بهذا الموضوع”، مضيفاً “ما نتمناه من الجهات المعنية أن تقوم بواجبها أولاً بتوفير فرص عمل لمثل هؤلاء، بالإضافة إلى القيام بواجبها بتنظيم السوق وتطبيق القوانين عليهم كأخذ ضريبة وما إلى ذلك من تحسينات السوق وتنظيمه مع العمل على حمايتهم من أعمال البلطجة التي تمارس ضدهم من قبل البعض، كما نتمنى من هذه الجهات ذات العلاقة أيضاً أن تحدد أماكن خاصة للبيع وفق لوائح وشروط يلتزم بها الجميع حينها سيعاد للمدينة وشوارعها جمالها ورونقها الذي سلب منها عنوة وشوه وجهها الجميل”.
**ما بين المدرسة والبيع**

مهنة البيع والارتزاق لم تقتصر على الرجال والفئات العمرية الكبيرة، بل أصبحت فئة الأطفال وطلاب المدارس هم أيضاً من يمتهنون هذه المهنة لمساعدة أسرهم في توفير ولو الجزء البسيط من تكاليف الحياة المعيشية الصعبة، تاركين في ذلك اللهو واللعب وكذا مدارسهم أو الجمع بينهما كما هو الحال مع الطالب وجدان أحمد وهو بائع متجول في شوارع عدن القديمة يقول لـ«الأيام» “أنا طالب في الصف التاسع من المرحلة الأساسية، أقسم وقتي ما بين الدراسة والعمل فأنا أكبر إخواني الستة وأقوم بالتصريف عليهم”، مضيفاً “في أيام العطل الدراسية أتي إلى هنا للبيع، وفي أوقات الدراسة أتناوب أنا وأبي على البيع باعتباره مصدر رزقنا الوحيد”.
**وظيفة كحل بديل**
المواطن هيثم عبد الحق وهو بائع متجول في أسواق عدن يقول لـ«الأيام» “كنت موظفا في إحدى المؤسسة الحكومية منذ عام 2004م إلى أن شملني قرار الاستبعاد عن الوظيفة، ومنذ تلك الفترة أجبرت على امتهان هذا العمل الخاص لأعول أسرتي حتى يأتي الوقت الذي أعود فيه إلى عملي الطبيعي إن شاء الله”.

أما لطفي شوقي فقال: “أنا أحد الباعة الذين احترقت بضائعهم في سوق (السيلة) وخسرت الكثير، ولأعود لهذا العمل والذي يعد مصدر دخلي الوحيد بعت كل ما أملكه في القرية لأتمكن من إعالة أسرتي والمكونة من ستة أفراد”.
بدوره قال أحمد فرحان لـ«الأيام» بعد أن عجزت على توفير متطلبات الحياة الضرورية لأسرتي لجأت إلى هذه العمل وذلك بغرض تحسين وضعي المادي الصعب”، مضيفاً “أعمل أنا وابني في هذا العمل بعد أن ترك دراسته لعدم تمكنه من مواصلتها نظراً لضعف الإمكانات المادية”.
**الخاتمة**
البيع بطريقة متجولة في شوارع مدينة عدن مهنة بات يلجأ إليها جميع فئات المجتمع والمتسم جميعها بالفقر المدقع، بعد أن فرضت عليهم الظروف المادية الصعبة وتحكمت بهم مسارات الحياة وعقباتها، وظائف قد لا تتناسب مع أعمارهم ومؤهلاتهم إلا أن تلك الأعمار أصبحت بالنسبة لهم فريضة واجبة لا بد منها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى