(المسيرة) في مواجهة شعب يرفض السير معها

> تقرير/ عبدالعزيز الويز

> يتمنى زعيم أقوى جماعة مسلحة في اليمن أن يصبح يوما بارعاً في الكلام القليل، لكن الشاب الذي يعزل نفسه عن العالم، في منطقة نائية وعرة (النقعة) شمال اليمن، صار يتحدث نيابة عن الشعب، ومزار لوفود دول عظمى في ظرف سنوات قليلة جدا.
غالبا ما تبدو خطابات عبدالملك الحوثي المسجلة حكرا لقناة “المسيرة” التابعة للجماعة مرهقة ومملة لمتابعيه، وما ينطبق على خطابات السيد أو “المرشد” (كما يسميه مناوئوه) ينطبق ـ إلى حد ما ـ على مغامرات الجماعة المراهقة والناشئة بالحروب.
بإذاعتها الجمعة الماضية من عقر القصر الرئاسي في العاصمة صنعاء ما أسمته “الإعلان الدستوري”، وضعت جماعة الحوثي (أنصار الله) كما تحب أن تتسمى، نفسها في مواجهة رفض شعبي مضاعف، يضعها في مزيد من العزلة عن الهوية الوطنية الجامعة، وفي مأزق أكبر مما حدث في استقالة الرئيس هادي وحكومة التوافق، غير قادرة معه على السير بمفردها في إدارة بلد تتجاذبه مخاطر وتحديات عديدة لن تمنحها الاستقرار، ومتعة الاستفراد بالحكم المرجوة.
الإعلان الحوثي جاء كخطوة تالية استكملت فيه الجماعة الشيعية ما يقول عنه معارضون “إنقلاباً مسلحاً”، كانت قد بدأته في 19 يناير المنفرط للإطاحة بنظام المبادرة الحاكم، و آل إلى وضع رئيس الجمهورية ووزراء في حكومة بحاح تحت الإقامة الجبرية، بعد خوض مسلحوها مواجهات مع قوات الحماية الرئاسية، سقط فيها قتلى وجرحى من الطرفين.
عقب بث الإعلان الحوثي كتب طارق القحطاني (26 عاما) المغترب في السعودية على صفحته في الفيس بوك، في أسرع وأقوى رد شعبي “أعلن من الآن عن نفسي أني مجهول الهوية، ولا يشرفني أن أكون يمنيا يحكمني الحوثي”.
لم تمر سوى ساعات حتى أصبح طارق يقود حلفاً كبيراً من “مجهولي الهوية” الغاضبين في موقع التواصل الاجتماعي، في حين لم تنتظر مدن مثل (تعز، عدن، إب، صنعاء،... ) طلوع الصباح للتعبير عن موقفها من إعلان الحوثي، فخرج مواطنوها في مظاهرات ليلية عبرت عن رفضها للإعلان، ولما أسمته “الانقلاب المسلح على الشرعية، والاتفاقيات، ووثيقة الحوار الوطني”.
أضافت التظاهرات الليلة بدورها لحركة الرفض الاحتجاجية مذاقا وقوة أخرى لم تعهدها احتجاجات انتفاضة 2011م ضد حكم صالح.
الاحتجاجات السلمية التي حدثت في معظم محافظات اليمن إلى جانب أنها أفرغت ما يقوم به أصحاب “المسيرة” من أي شرعية شعبية أو ثورية كما يزعمون، إلا أنها من وجهة نظر المحلل السياسي محمد ودف (36 عاما) “لا يمكن أن تجبر جماعة مسلحة وعنيفة على العودة إلى الصواب، والعدول عن قرارتها الكوارثية”.
يعلق “ودف” في حديث خاص لصحيفة “الأيام” بالقول: “ما كتبه طارق يكشف عمق الرفض لدى الناس حيال ما يقوم به الحوثيون من مغامرات جنونية، وإلى أي مدى يمكن مواجهتهم”.
ويضيف: “اليمني بطبيعته يقاتل ويموت ولا يفرط بهويته”.
بدلا من أن يحدث إعلان الحوثي شرخاً جديدا في الأوصال يجذب حلفاء جدد بفعل سحر سلطة الجماعة الفارضة سيطرتها في الميدان، ومناكفات القوى وانتهازية بعضها، كما اشتهى مفكرو الجماعة، أخذت موجة الرفض غير المتوقعة لمولودها غير الشرعي تصعقها وتزنقها أكثر، وتلوح في الأفق كقاعدة صلبة لتشييد جبهة قوية ومتماسكة لمواجهة غرور وجموح الجماعة، بصورة أوسع وأعظم من تلك الجبهة التي تشكلت في أحداث 2011م ضد نظام صالح، والتي كان الحوثيون طرفاً فاعلاً فيها.
يقول علي البخيتي ـ المستقيل عن جماعة (أنصار الله) ـ بعد أحداث الرئاسة: “تداعيات الانقلاب ستطال كل يمني وليس الأحزاب الخارجة من السلطة”.
وفي مقال تناولته وسائل الإعلام أكد البخيتي الذي كان يشغل عضو المكتب السياسي للجماعة، وناطقا رسميا باسمها في مؤتمر الحوار الوطني على أهمية توحد القوى الفاعلة في المشهد “لا يمكن مواجهة (أنصار الله) إلا بعمل سياسي عبر تحالف وطني واسع وبمشروع وطني جامع”.

في محصلة متابعة وقراءة من كثب لأعوام من عمل وسلوك القوى السياسية بشقيها الحاكم والمعارض، لا يبدي الكاتب والصحفي عبدالعزيز المجيدي تفاؤلا في أن تلعب القوى السياسية دورا في مواجهة ما أسماه “غطرسة الحوثي بتصعيد شعبي سلمي يعيد شيئا من التوازن في القوى”.
واتهم المجيدي في حديث خاص لـ “الأيام” القوى السياسية بتوفير غطاء للانقلاب بتوقيعها اتفاق السلم والشراكة بعد اجتياح مسلحي الحوثي صنعاء، وسيطرتهم عليها، من خلال استمرارها فيما قال عنه “مسلسل الخذلان للناس بدءا من 2011م، وإجهاض ثورة شعبية، ليصل الأمر لاحقا إلى شرعنة إجراءات انقلابية أطاحت بكل الاتفاقات التي أبرمتها نفسها، وراحت بعدها تتسول عطايا الحوثي فوهبها القاضية بالإعلان”.
وأضاف: “قيادات الأحزاب لا تؤمن بالشارع والشعب، وغالبا ما تستخدمه بشكل رديء كورقة للمفاوضات لإقرار أمر واقع”.
تداعيات الإعلان الحوثي سطرت لغة حادة في المواقف الداخلية والخارجية الرافضة له، وقاد السلطات المحلية في محافظات (عدن، لحج، أبين، الضالع) إلى عقد لقاء موسع في عاصمة اليمن الاقتصادية (عدن) الأحد الفائت هاجم “الانقلابين الحوثيين”، متوعداً إياهم “بخطوات قوية ومؤلمة”.
وكشف اللقاء عن أن تلك الخطوات ستتخذ بتنسيق مع السلطات المحلية فيما يسمى “أقاليم المحافظات الجنوبية والشرقية، وإقليم سبأ والجند، وصولا لعمل موحد في الحفاظ على الأمن والاستقرار”.
وفي خطوة أكثر تطورا وخطورة حضرت في سياق ردة الفعل على الإعلان الحوثي أقر اجتماع عقد الأحد الفائت ضم شخصيات اجتماعية ومسؤولين محليين ومشايخ قبليين من محافظات مأرب والجوف والبيضاء في إطار ما سمي “إقليم سبأ” العصي على سيطرة الحوثيين تحديد اليوم (المتزامن مع يوم ذكرى انتفاضة 11 فبراير) موعداً لتدشين “إقليم سبأ” رسميا، وإعلان انفصاله ذاتيا عن مركز الحكم بصنعاء، وكلف لجنة تحضيرية منبثقة عن الاجتماع لاتخاذ “الإجراءات اللازمة لإعلان الانفصال”.
خارجيا توالت بيانات وتصريحات الرفض “لما أقدم عليه الحوثيون من خطوات تصعيدية أحادية الجانب”، كما في بيانات الجامعة العربية، ومجلس الأمن، ومجلس التعاون الخليجي، والأمين العام للأمم المتحدة، والتي حذرت في مجملها من “خطورة تمادي جماعة الحوثي في خطواتها التصعيدية”، واعتبرت من شأنها أن تؤدي إلى انهيار العملية السياسية وزيادة أعمال العنف، وتمزيق اليمن، وتعريض السلم والأمن الإقليمي والدولي لأفدح المخاطر”، بحسب ما جاء في بياناتها.
موجة الرفض الكبيرة لإعلان الحوثيين غير المحسوبة ربما في أجندة المبعوث الأممي جمال بن عمر، قلبت عليه طاولة الحوار، وظهر مع إعلان الحوثي عاطلاً عن العمل، قبل أن يحزم حقيبة سفره في ذات يوم الإعلان باتجاه المملكة السعودية كعادة كثير من اليمنيين الفارين من جحيم البطالة، بيد أن إقامة بن عمر لم تدم سوى ليلتين في مملكة النفط ليعود بعدها إلى صنعاء مشحوناً يستجدي القوى السياسية منحه فرصة حوار أخرى، لاعلاقة لأنين ووجع اليمنيين وحاجتهم به، بقدر ما هدف هذه المرة إلى “منح غطاء سياسي لما يقوم به الإنقلابون على الواقع”، كما صرح بذلك أمين عام التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري المحامي عبدالله نعمان القدسي أمس الأول الإثنين لـ “ الوحدوي نت”، داعيا ما أسماها “القوى السياسية” الكف عن حوار كهذا.
حدث هذا أمس الأول عقب استئناف الحوار الذي اضطر نعمان إلى مغادرته غضبانا، بعد تهديدات مهدي مشاط ممثل الحوثيين في الحوار، ومحاولته فرض خيارات جماعته بالقوة، إلى جانب عدم التزام المبعوث الأممي بالتصريح للصحفيين بعدم اعتراف الأمم المتحدة بإعلان الحوثي حسب ما اتفق عليه كشرط للعودة للحوار.
يقول علي البخيتي: “دخول الأحزاب في مفاوضات مع أنصار الله دون وجود حد أدنى من التفاهم والتنسيق بينهم سيعني فشلا جديدا للحوار”.
وهو ما كان الصحفي والكاتب المجيدي قد أشار إليه في معرض حديثه بقوله: “من خلال المؤشرات فإن العودة إلى المفاوضات لن تكون خارج الإعلان الدستوري الحوثي، والمفاوضات السابقة تقول إن الأطراف كانت ترحب بإعلان دستوري بصيغة تضعها في الحسبة، إلا أن الحوثي قلب الطاولة وملأ الفراغ بطريقته”.
من مأزق إلى مأزق أكبر تقفز جماعة الحوثي غير مكترثة بما ينتج عن قفزاتها في الظلام، الأمر الذي قد لا يجعل الرفض الشعبي يستمر خياراً سلمياً وحيداً أمام تغول وتوغل جماعة ما تفتأ بوصف خصومها السياسيين بالدواعش، ويتباهى أعضاؤها غير الأميين أنهم في مهمة مع الله، وتتطرف بقدرتها وحيدة على حكم اليمن ومحاربة الإرهاب.
“لن نسمح بانزلاق الوطن إلى قعر حرب أهلية”، يقول فيصل الحاج ـ مواطن من ريف إب ـ قبل أن يضيف: “سينتصر الشعب في النهاية”، قالها منتعشا، وهو يشير بسبابته إلى وجهي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى