عدن.. معالم تاريخية طي الإهمال.. فهل من صحوة مسئولة؟

> تقرير / علي راوح

> لم تكن عدن ملتقى تجاريًا وشرياناً نابضاً للملاحة الدولية فحسب، بل لقد امتازت بمعالمها التاريخية وشواطئها التي جذبت السياح إليها من مختلف بقاع الأرض، فعدن بموقعها الجميل المحاط بسياج مياه البحر الدافئة مزينة بشريط ساحلي ورمال ذهبية إلى جانب ما يتناثر على جسدها من معالم أثرية تاريخية تشهد بماض حضاري عريق، فعدن تحتضن العديد من هذه المعالم التي تعتبر غاية في الروعة والجمال والإبداع، وأهم هذه المعالم صهاريج عدن (صهاريج الطويلة)، قلعة صيرة، والحصون التاريخية المنتشرة على السلسلة الجبلية المحيطة بعدن، ومنها الحصن البديع القائم على أحد أطراف جبل (العر) جبل شمسان، وهناك منارة (سلامة) التي وصفها الكتاب الإنجليز بأنها ممشوقة القوام، جميلة الحلة، كما أن عدن تحتوي على معالم متميزة أخرى مثل المساجد والأبواب والسدود والقلاع والمدارس العتيقة وبوابة عدن إلى جانب المعابد الأثرية، ومنها معبد النار الكائن في منطقة الخساف، وهناك الفنارات التاريخية والملاحات المروحية التي لاتزال شامخة منذ مايقرب من (130) سنة.
نافورة العقبة
نافورة العقبة

**إهمال يدعو للأسف**
ومع أهمية هذه المعالم التاريخية التي تحتضنها عدن إلا أن الإهمال وعدم العناية بها أمر يدعو للأسف، وهو ما يفرض على الجهات المختصة أن تقف وقفة صادقة للعمل على الحفاظ على هذا التاريخ وانتشال هذه المعالم من وضعيتها المزرية من خلال وضع البرامج لصيانتها وتجديدها وتهيئة وسائل الخدمات السياحية والترويج السياحي لها، وجعلها مزارات تحكي تاريخ الأجداد والتي تعتبر بحق شاهداً حياً على حضارة اليمنيين عبر العصور، لقد ظلت معالمنا التاريخية ردحاً من الزمن طي النسيان لانعرف عنها شيئاً إلا ما يرد من إشارات في كتب التاريخ، ومن هذه الكتب التي أفردت فصولاً من معالمنا التاريخية كتاب (تاريخ ثغر اليمن) للمؤرخ أبي محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بامخرمة، المتوفي سنة (947هـ)/ وإشارات متفرقة في كتب: الهمداني والقلقشندي والمقدسي والدينوري، ولكنها إشارات غير دقيقة لم تفصح عن زمن تشييد هذه المآثر أو تلك، وهي مقتضبة لاتقدم تصوراً شاملاً عنها، وقد ظهر الخلط والتباين في الروايات واضحاً، ففي حين ينسب ابن المجور بناء المنارة للفرس ويجمع المؤرخون بمن فيهم أبو الفداء وتبدو روايته أكثر وضوحاً على أنها (أي المنارة) من مخلفات العصر الأموي. يختلف الكُتاب البريطانيون بصفة خاصة في ذلك اختلافاً يبعث على الحيرة، ثم يأتي الأثاريون فيدلون بدلوهم حيث يقول (سيرجي شير نسكي) إن المنارة شيدت في القرن الثامن الميلادي وأن زخرفتها المضلعة ربما كانت قائمة على أثر قديم يعود إلى ما قبل الإسلام ويلاحظ أنه في استنتاجه قد استند على المصادر الكلاسيكية والمعاينات الأولية والمقارنات بين المآثر من حيث زخرفتها وطريقة البناء.
منارة عدن
منارة عدن

**صهاريج عدن التاريخية**
يقول الباحث في المعالم التاريخية الأستاذ أحمد صالح رابضة في لقاء جمعني به عام 2000م : يبدو التباين واضحًا في الروايات التاريخية فهناك من الباحثين والمؤرخين من يعزو بناء الصهاريج إلى الرسوليين والطاهريين، ومنهم من يعتقد بأنها من مخلفات الحضارة اليمنية القديمة، ومنهم من يخلص إلى القول إن صهاريج الطويلة وحدها هي مجرد صرائف وهذا ما يعنيه الكتاب والرحالة الأقدمون بصهاريج عدن هي تلك الشبكة من الصهاريج داخل مدينة عدن، في حين ذهب البحث الأثري مذهباً آخر ومسلكًا مغايرا لهذه الآراء أو كاد، وذلك بعقد المقارنات بين المآثر المماثلة، حيث أكدت الدلائل العلمية على وجود العديد من الصهاريج المماثلة في بلادنا التي تمتاز بنفس مزايا ومواصفات صهاريج عدن، وتتفاوت في أحجامها وسعتها مما حدا بالدارسين والآثاريين إلى القول إنها من مخلفات الحضارة اليمنية القديمة، ويؤكد رابضة أن المعالم التاريخية في مدينة عدن لم تدرس دراسة منهجية كافية، فثمة العديد منها مازال طي النسيان لم يكشف النقاب عنها، ومن ذلك تلك المدارس التاريخية القديمة التي أنشئت في العصور الإسلامية، وإحدى هذه المدارس تعود إلى مخلفات العصر الرسولي، وقد تبين أنها تقوم في شارع الملك سليمان في كريتر في الموضع المسمى بمسجد (مذيهب) وهو تحريف للإمام الذهبي، حيث يذكر بامخرمة في (قلادة النحر وتاريخ ثغر عدن) أن (جبهة الطوشي) (اختيار الدين ياقوات) ابتنتها في حافة البصال، وبمقارنة الروايات الواردة في هذه المصنفات وغيرها بأخبار القاطنين من العلماء والفقهاء في هذه الحافة ومنهم العلامة محمد بن أحمد باحميش وابن عفيف وبافضل والمجرداني وغيرهم نتبين صحة ما ذهبنا إليه بيد أننا بحاجة إلى المزيد من الدراسات المنهجية التي سوف تميط اللثام عن معالم تاريخية في هذه المدينة العريقة (ثغر اليمن الباسم) ونافذتها المطلة على العالم الخارجي، وليس من قبيل الغلو إذا ما تهيأت الأسباب أن تغدو عدن منطقة جذب سياحي إذا تمكنت جهات الاختصاص في بلادنا والمنظمات الدولية من استغلال ما فيها من معالم تاريخية أثرية وسياحية وهي مواقع غاية في الروعة والجمال والإبداع والتي هي بأمس الحاجة إلى قلب رؤوف ويد سخية تمنحها العناية وتميط عنها لثام المخلفات وعوامل التعرية وتضفي عليها ألواناً من الجمال إلى جانب ما تمتلكه من جمال طبيعي خلاب.
صورة لقلعة صيرة
صورة لقلعة صيرة

**مؤتمر الصهاريج .. ولكن !! **
وعودة إلى مطلع التسعينات إلى عام 1992م. تقريباً، حينها نظمت الهيئة العامة للمدن التاريخية والمنظمة الدولية (U.N.B) مشروع تنفيذ الحملة الشاملة لتنظيف الصهاريج وإزالة ما فيها من مخلفات والتي أتت على كل المخلفات بأنواعها وهي جهود طيبة ومكثفة، وقد أثمرت بحيث غدا الموقع التاريخي للصهاريج مهيأ تهيئة كاملة للترميمات والإصلاحات الشاملة وفق النظم العلمية وبالمواصفات القديمة للبناء والتشييد، بحيث لا يمسخ المعلم التاريخي، وكان على الجهات المسئولة مواصلة المشوار والاستعانة بالتقارير العلمية المعدة من قبل لفيف من العلماء والاختصاصيين كتقرير الخبير ميان عبدالمجيد، وتقرير شير نسحي وتقارير خبراء اليونسكو الذين قاموا بزيارة عدن في التسعينات، لكننا ومع الأسف الشديد لم نر تواصلاً للجهود بعد تلك الحملة وعاد موقع الصهاريج إلى حالة الإهمال والنسيان، ولم نسمع من حينها وحتى اليوم عن أية جهود لإحياء هذا المعلم التاريخي.
صهاريج عدن
صهاريج عدن

**قلعة صيرة والحصون التاريخية**
ويشير الباحث في المعالم التاريخية الأستاذ أحمد صالح رابضة إلى أن قلعة صيرة والحصون التاريخية القديمة تعتبر من المآثر الهامة في عدن التي يجب استغلالها استغلالاً أمثل في الجانب السياحي، وقد بدرت فكرة إقامة مشاريع سياحية في هذه المواقع وفق معايير علمية على أن لا تلامس المآثر وتتعرض للعبث وهذه المشاريع ستدر أرباحاً طيبة على محافظة عدن وبخاصة إذا ما تم استخدام نظام العربات الكهربائية، كما ينبغي إعادة تأهيل بعض القلاع والحصون التركية الإنجليزية ومنها الحصن البديع القائم على أطراف جبل شمسان بحيث يغدو مزاراً للسياح كما أن بحارنا هي الأخرى وسيلة جذب سياحي لا نظير لها في سواحل وشواطئ العالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى