أسمهان.. (1 - 2) أسطورة الغناء العربي التي ولدت في الماء وماتت في الماء

> «الأيام» متابعات

> كتب الناقد الفني اللبناني إلياس سحاب في مجلة العربي في عدد أكتوبر 2014م مقالا قيما موسوما: “أسمهان (1912 - 1944) أسطورة الغناء العربي الحديث.. 70 عاما على رحيلها”.. نستعرض ذاك في هذا الحيز على حلقتين متتاليتين.
مع أن لقب (الأسطورة) في الغناء تعود بعض النقاد العرب على إطلاقه على أكثر من واحد أو واحدة من أساطين الغناء العربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، فإن هذا اللقب يليق أكثر ما يليق - برأيي - بصوت أسمهان، ليس لما يتضمن من قيم فنية استثنائية ونادرة فقط، بل لأن حياتها الشخصية في بدايتها ومسارها ونهايتها كان فيها الكثير من أجواء الأساطير أيضا.
هي التي ولدت في الماء (على متن باخرة كانت أسرتها تهرب بواسطتها من تركيا) فولدت فيها مساء الرابع والعشرين من نوفمبر في العام 1912م وماتت في الماء حيث غرقت بسيارتها في إحدى ترع نهر النيل يوم الرابع عشر من يوليو في العام 1944م قبل سبعين عاما بالتمام والكمال.
وهي الأميرة التي دفعها عشقها للغناء إلى التضحية بكل غال ونفيس حتى تظل حرة تمارس هواية الغناء متى شاءت، وتنقطع عنها متى شاءت.
وهي بنت أسرة الأطرش التي لعبت دورا رئيسا في مقارعة الاستعمار الفرنسي لسورية، فدفعها اهتمامها الجانبي بالسياسة إلى مزاولة (اللعب مع المخابرات) البريطانية والفرنسية، اندفاعا وراء شغف الحياة بما تقدمه من إغراءات المجد والشهرة والثروة.
وهي بعد كل ذلك صاحبة الصوت الماسي النادر الرنين التي ولدت في عصر أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، فمالت أكثر ما مالت إلى التأثر بحداثة أسلوب عبدالوهاب وطبقت روح هذه الحداثة على معدنها الصوتي النادر فتألقت لوقت قصير كالشهاب اللامع في عصرهما، لكنها ما لبثت أن اختفت فجأة وبأسلوب الصدمة الدرامية، في ذروة عهدهما أيضا في منتصف الأربعينيات بعد أن نصبت نفسها في مرحلة احترافية لم تتجاوز سنواتها الجادة السنوات السبع، أستاذة للغناء العربي النسائي المعاصر، في عصر زعامة أم كلثوم للغناء النسائي التقليدي، فكانت كأنها النسخة الأنثوية من حداثة محمد عبدالوهاب.
ومع أن ظهورها الفني قد تزامن مع عصر تألق ليلى مراد الاستثنائي في مجال الأغنية السينمائية، فقد نصبت نفسها سيدة الأغنية السينمائية الحديثة، مع أن كل ما شاركت في تمثيله لم يتجاوز سوى فيلمين اثنين (انتصار الشباب) في العام 1941م الذي تقاسمت بطولته مع شقيقها الفنان فريد الأطرش، (وغرام وانتقام) في العام 1944م الذي تقاسمت بطولته مع يوسف وهبي وأنور وجدي، وماتت غرقا قبل الانتهاء من تصوير مشاهده الأخيرة، كما ظهر صوتها في فيلم ثالث بطولة محمد عبدالوهاب (يوم سعيد)، حيث أدت بصوتها الدور النسائي في مغناة (قيس وليلى) التي قامت بدورها تمثيليا ممثلة أخرى في العام 1939م.
مع شقيقها المطرب فريد الأطرش
مع شقيقها المطرب فريد الأطرش

صورة تجمع أسمهان وشقيقها فريد الأطرش ووالديهما
صورة تجمع أسمهان وشقيقها فريد الأطرش ووالديهما

رصيد أسمهان الغنائي الذي لعبت به كل هذه الأدوار الريادية في الغناء العربي المعاصر لا يتجاوز رغم ذلك الثلاثين أو الأربعين أغنية على أبعد تقدير.
** الهروب إلى القاهرة**
كان طبيعيا أن تكون قاهرة النصف الأول من القرن العشرين مسرحا ومقاما لهذه الأسطورة البشرية والغنائية التي انتقلت إليها بشكل شبه دائم مع والدتها وأشقائها في العام 1923م، هربا من الظروف الصعبة للثورة السورية على الاستعمار الفرنسي التي كان والدها منخرطا فيها بالكامل.
لكن الذي حدث أن حياة أسمهان ظلت مع ذلك مقسمة بين مصر وسورية موزعة بين عشقها للفن وممارسة ملذات الحياة في مصر والعودة إلى جذورها العائلية في جبل العرب في سورية، حيث اقترنت بما يشبه الضغط العائلي من ابن عمها، لكن سورية لم تكن فقط مسرحا للحياة الزوجية لأسمهان بل تحولت بسبب أحداث الحرب العالمية الثانية إلى مسرح لعلاقتها بالمخابرات البريطانية والفرنسية، حيث لعبت هذه العلاقة أدوارا مهمة في تسهيل دخول جيوش الحلفاء إلى سورية ثم فلسطين ولبنان.
ولعل هذا الدور الاستخباري السياسي الذي قامت به أسمهان كان أقصى من البنية المرهفة لعشقها الفني فظل يمثل مصدرا للخطر على حياتها الفنية الهانئة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى