بمناسبة الذكرى الـ(45) لتأسيس المعهد الصحي بعدن قراءة في تاريخ تأهيل وتدريب الأيدي العاملة الصحية في عدن

> تقرير / علي راوح

> في السابع من مثل هذا الشهر فبراير من عام 1970م صدر القرار الجمهوري القاضي بإنشاء (معهد تطوير الأيدي العاملة الصحية) بعدن، معهد أمين ناشر حاليا، وتعود بي الذاكرة إلى منتصف العام 1973م أي قبل نحو 42 عاماً، وأنا حينها في ريعان الشباب في الثامنة عشرة من العمر، في ذلك العام تأسست منظمة لجان الدفاع الشعبي، وكنت أحد الشباب المؤسسين للمنظمة لجنة الشهيد بن هامل حي 2 مارس في حي الطويلة بكريتر، فقامت لجنة الحي برئاسة الفقيد محمد راشد علي بتنظيم دورة لعدد من شباب الحي، خاصة بالإسعافات الأولية في المعهد الصحي المذكور، وكنت أحد الشباب المنخرطين في هذه الدورة بهدف تقديم خدمة الإسعافات الأولية لسكان الحي، وهناك في المعهد تلقينا دروسا مركزة في معرفة تركيب أعضاء الجسم الإنساني وكيفية التعامل مع الشخص المصاب وتقديم الإسعاف الأولي له، كنا شغوفين ومتحمسين لكسب المعرفة في هذا المجال، وأتذكر من الأساتذة الذين تولوا تدريبنا مثل الأستاذ أبو بكر (رحمه الله) والأستاذ جميل ثابت (حفظه الله) وعدد آخر من المدرسين في المعهد، كنت أنا وبحكم مهنتي الصحفية في بدايتها، لحوحا في الأسئلة حتى في المواضيع الخارجية عن برنامج الدورة، كنت أسأل وأدون المعلومات وبالذات المتعلقة بتاريخ تدريب وتأهيل الأيدي العاملة الصحية، متى بدأت .. وأين .. وكيف .. ولماذا .. وبماذا؟.
كنت أطبق الأسئلة الخمسة التي تعلمناها في مبادئ الصحافة، وبعد اختتام الدورة عدنا إلى الميدان العملي لخدمة حينا السكني في حي 2 مارس في الطويلة بكريتر.

** تأهيل مبكر منذ الخمسينات **
في هذه الزاوية سأحاول وباختصار تناول قضية التأهيل والتدريب لكوادر العمل الصحي في عدن، والتي بدأت مبكراً وقديما كما هي ميزة عدن بأنها السباقة في العديد من المجالات ومنها الخدمات الصحية، كما سنتناول إنشاء أول مؤسسة صحية ممثلة بمستشفى الملكة (اليزابيث) الثانية (مستشفى الجمهورية بخورمكسر)، ففي مطلع الخمسينات من القرن الماضي كان احتياج مدينة عدن في المجال الصحي يتزايد يوما عن يوم ويتطلب رفع مستوى الخدمات على مستوى المدينة والريف، وكان من الأهمية بمكان تدريب فئات معينة من العاملين الصحيين تلبي الاحتياج الذي من شأنه توصيل الخدمات الصحية للمواطنين، وبدأ العمل في تأهيل عدد من الممرضين والقابلات في كل من:
مستشفى عفارة بالشيخ عثمان، الذي بدأ التدريب فيه من منتصف الخمسينات وكان تدريبا عمليا فقط، حيث انتدب شخص واحد من كل ولاية لغرض التدريب، كما بدأ التدريب والتأهيل للمرضين والقابلات في مدرسة التمريض في المستشفى الأهلي بكرتير عام 1956م، ثم انتقل إلى مستشفى الملكة (اليزابيث) حيث تم عقد أول دورة في التمريض المهني قوامها 20 طالبا وطالبة، وفي مستشفى المخزن بأبين فقد بدأ التدريب فيه وكانت أول دورة منتظمة عام 1953م، وشملت الجانبين النظري والعملي لمده 6 أشهر، كما بدأ التدريب في مستشفى عباس في لحج وكان أول تدريب عام 1961م.
أما في حضرموت فقد بدأت فكرة التدريب للعاملين الصحيين في مطلع الخمسينات في المكلا، وكان هناك مركز خاص بالطلاب الوافدين من مختلف مناطق المحمية الشرقية وتضم دولة القعيطي والكثيري والواحدي والمهرة، وتخرجت أول دفعة من المساعدين الصحيين من هذا المركز عام 1953م.
مستشفى الجمهورية
مستشفى الجمهورية

** قرار جمهوري لإنشاء المعهد الصحي **
وبعد الاستقلال وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عام 1967م اهتمت الدولة بإعداد وتأهيل الكوادر الصحية لإحلالها بدلا عن الكادر الصحي الأجنبي في عدن والمحافظات المجاورة، وتم إعداد مسودة القرار الجمهوري لإنشاء معهد تطوير الأيدي العاملة الصحية، ولكن القرار صدر في 7 فبراير 1970م بإنشاء المعهد وبدأ العمل في تلبية حاجة المؤسسات الصحية من الكوادر الصحية في مختلف التخصصات، وذلك لسد النقص الحاد بعد مغادرة الكثير من الكوادر الأجنبية فضلا عن هجرة العديد من الكوادر الوطنية المؤهلة إلى دول الجوار، وتم إدخال برامج تعليمية جديدة منتظمة قصيرة (18 شهرا) وطويلة (3 سنوات) بعد الإعدادية أو (التاسع) بهدف التغطية السريعة للمؤسسات الصحية والخدمات الوقائية والعلاجية المتزايدة.
وبين عامي 76 / 1978م وبعد عملية المراجعة والتشاور مع خبراء منظمة الصحة العالمية تم عقد عدة ندوات حول مراجعة وتقدم المناهج للتأسيس والتحضير لتعلية الدورات القصيرة من 18 شهرا إلى 3 سنوات، وفي العام الدراسي 81 / 1982م بدأ العمل في مساق الدراسة لثلاث سنوات في مجال (مفتش صحة عامة - فني صيدلة - مساعد طبي عام - التمريض المهني - فني أشعة - مساعد طبي أسنان) وتخرجت أول دفعة في العام الدراسي 83 / 1984م وفي تلك الفترة تأسست بعض الفروع للمعهد في العديد من المحافظات حيث تم تغيير اسم المعهد من (معهد تطوير الأيدي العاملة الصحية) إلى (المعهد الصحي المركزي)، بحيث يكون تدريب وتأهيل حملة الدبلوم فقط في هذا المعهد المركزي.
كما شمل نظام الترفيع أيضا البرامج المهنية حيث تم توجيه هذه البرامج وترفيعها إلى نظام العامين بشروط قبول جديدة هي إكمال المرحلة الإعدادية أو الموحدة (التاسع) وهي مساعد ممرض وقابلة مجتمع،
وفي عام 1985م تم استحداث برامج دراسية جديدة أخرى وهي(فني تخدير وفني عمليات) كما استحدث برنامج (مشرفة قابلة مجتمع).. وتعتبر هذه الدورة قيادية مدتها عامين يتم الالتحاق بها لأوائل الخريجين بعد خبرة عملية لاتقل عن 3 سنوات.
ومن عام 1985م بدأت الندوات وورش العمل تناقش مسألة تعلية المهعد الصحي والبدء في تأهيل حملة البكالاريوس في التخصصات المعتمدة في المعهد ولم يتم قبول طلبة البكالاريوس إلا بعد صدور قرار مجلس الوزراء رقم ( 14 لعام 1989م) الذي بموجبه تم تعلية المعهد إلى (المعهد العالي للعلوم الصحية) وبدأ العمل في تأهيل طلبة البكالاريوس في مساقات (صحة المجتمع وعلوم التمريض) بداية التسعينات، وفي عام 1996م بدأ بتدريب الطلاب في مساقات “بكالاريوس التخدير”، وفي العام 1990م تم تغيير اسم المعهد إلى (معهد أمين ناشر العالي للعلوم الصحية) والدكتور أمين ناشر هو أحد مؤسسي ومدرسي المعهد وجاء قرار تسمية المعهد تخليدا وتكريما لهذه الشخصية العلمية الفذة بعد حادث وفاته الأليم عام 1990م.

** أول مستشفى في المنطقة **
يعتبر مستشفى الملكة (اليزابيث) الثانية (مستشفى الجمهورية حاليا) في خور مكسر أول المؤسسات الصحية المتكاملة والواسعة في عموم الجزيرة والخليج، وجاء إنشاء هذا المستشفى حدثا صحيا كبيرا في عموم المنطقة وليس في عدن فقط.. حيث وضع له حجر الأساس من قبل الملكة (اليزابيث) الثانية في 27 أبريل 1954م وذلك خلال زيارتها التاريخية لمستعمرة عدن ونزولها في فندق الهلال (الكريسنت) في مدينة التواهي، وتم تجهيز المستشفى وافتتاحه رسميا في أغسطس 1958م، وفي عام 1969م أطلق عليه “مستشفى الجمهورية”، ويقال إن الملكة (اليزابيث) كانت قد طلبت من الدولة الوطنية بعد الاستقلال إبقاء اسم المستشفى باسمها على أن تتكفل برعايته ولكن هذا الطلب قوبل بالرفض على اعتبار أن السيادة الوطنية أغلى من كل الاعتبارات.
يقول الأستاذ عبدالوكيل السروري ـ رحمه لله ـ في كتابه (قراءة موجزة في تاريخ مستشفى الجمهورية وواقع تطور مهنة التمريض في اليمن) الصادرة في عام 2001: “لقد تعارف عليه كمستشفى تعليمي في عام 1977م، وإن ظل تعوزه البنى والإمكانيات الفنية التي تؤهله كمستشفى تعليم وفقا للقياس المعياري الصحي (G-LABAL HEALTH STANDARD). ومن العام 1958م حتى 1968م كان الطاقم الطبي والتمريضي والفني في معظمه من الإنجليز وبلدان الكومنولث وكانت سعته عند الافتتاح (500) سريرًا”.

** أوائل المدراء والكوادر **
- أول طبيب يمني عمل في المستشفى هو الدكتور سالم عبدالخالق، استشاري أمراض عقلية وعصبية.
- أول مدير لمستشفى الملكة (اليزابيث) هو الدكتور (أسكلتن برون) ثم الدكتور (فار).
- أول مدير للتمريض الآنسة (كوين) فالآنسة (بانس) ثم الآنسة (برونفلد).
- أول سكرتير للمستشفى السيد عبدالمجيد حسب الله.
- أول مدير قبل الاستقلال بشهور الدكتور محمد البار.
- أول مدير بعد الاستقلال الدكتور سالم أحمد يافعي، ثم الدكتور عبدالله محمد عفارة فالدكتور أمين ناشر ومن ثم الدكتور عبدالله عبدالولي، وتوالى على إدارته عدد من الإطباء.
- أول رئيس لهيئة التمريض الأستاذ محسن شيباني ثم علي كليب ومجاهد سعيد وعمر حريري وحمود سعيد وعبدالحديد عبدالمجيد.
- أول سكرتير بعد الاستقلال إبراهيم صعيدي وتلاه محمد عبده سالم وأحمد السيد وحسن الأصبحي ثم عبدالسلام، ولعبت مدرسة التمريض التي تأسست عام 1956م دورا في رفد المستشفى بالكوادر ثم معهد الفقيد أمين ناشر، كما لعبت كلية الطب بعد عام 1978م دورا داعما للمستشفى والخدمات الصحية، بالإضافة إلى الكوادر التي تأهلت في الدول الشقيقة والصديقة ومن ثم تزايد عدد الكادر الوطني وسارت حركة التأهيل والتدريب للكوادر الوطنية بخطى مكثفة ودعمت منظمة الصحة العالمية تلك الخطط والبرامج بكل إيجابية وتواصل العطاء بتنامي هذه الخدمة الإنسانية والحفاظ على هذا الصرح الصحي الهام، وقبل عدة سنوات أعلن عن منح المستشفى صفة هيئة مستقلة، وكانت بشارة خير مرجوة لتطوير خدمات المستشفى إلا أن الواقع غير ذلك فلم يلمس المواطن اهتماما واضحا في تطور خدمات المستشفى إلا الشيء النادر والبسيط.
وإذن.. فالمسألة بحاجة إلى وقفة جادة أمام أوضاع المستشفى من قبل الجهات ذات العلاقة في الوزارة والسلطة المحلية في عدن.. إذ أن هذا المستشفى مرجعي لكافة المحافظات والمناطق اليمنية.. نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه خير المواطن البسيط.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى