في العيد الوطني للدولة ..الكويت جغرافيا صغيرة ودور كبير !

> د. هشام محسن السقاف

> الكويت وهي تتزيا بلبوس العيد الوطني الرابع والخمسين المصادف الـ25 من فبراير الحالي، هي حكاية أرض وإنسان تتجلى بوضوح في سطور التاريخ المتعاقب على مدى القرنين الماضيين على الأقل، بحيث لا يمكن القول إنها صنيعة استعمار مثلاً أو نتاج النفط أو الغاز، فللكويت تكوين مدني تاريخي في رأس الخليج العربي، قد مد وشائجه العروبية في كل مكان ناطق بالضاد بحثا عن الذوات المشتركة، فكانت (عدن) التوأم في الرسوخ المديني والمدني بعلائق متشابهة تبادلاً وائتلافاً تشهد عليه تلك البيوت الواحدة هنا وهناك، وبقية من وكالات تجارية كانت يوما رائجة (وكانت السفينة الوسيلة لتبادل الأفكار والناس والبضائع) كما يقول شون ماكريل.
وبتقصي المنابع الموسيقية لأحد المبدعين الكبار الأمير أحمد فضل القمندان سنجد أن (الصوت) وهو من أعراق الألوان الغنائية ذي الجذور الحضرمية يعود إلى (البر) العدني عبر السفن الكويتية يستقر عميقا ضمن تكوين شخصية (القمندان) اللحنية تأثرا مع غيره من الألحان الفلكورية اللحجية، قبل أن ينسج القمندان ثوبه الجديد منها لتأخذ الأغنية اللحجية شكلها الممثل موسيقيا، وهناك ما يوثق متانة ما يربط المدينتين (الكويت) و(عدن) من تواشج اجتماعي وتبادل تجاري واتصال ثقافي.
الفيلم السينمائي الوثائقي (إلى الكويت من ميناء عدن) الذي يعد أول فيلم سينمائي حقيقي تم تصويره في عام 1939م على يد سائح أسترالي تولى تصويره لمدة ساعتين عن جميع أعمال البحر من عدن إلى الكويت كأول فيلم تسجيلي حي وشامل (مجلة العربي العدد 675 فبراير 2015)، فاقترنت عدن بالكويت بجدارة ما يجمعهما، وتتشابه النوادي الأدبية والثقافية في المدينتين من حيث النشأة والفكرة على السواء، حيث شهدت الكويت في العام 1924م ميلاد النادي الأدبي الأول، وهي الفترة نفسها التي راجت فيها النوادي مثل نادي الأدب العربي وبروز نخبة (أنتلجنسيا) رائدة ومنفتحة مع الثقافة العربية والعالمية في عدن.
وفي العام 1951م بث الأثير صوت مبارك الميال قائلا (هنا الكويت) إيذانا ببدء انطلاقة إذاعة الكويت بفارق زمني قصير عن (إذاعة عدن)، وإن كان البث التجريبي في كلا المدينتين قد بدأ قبل ذلك، ويقاس على ذلك النسق الصحفي الذي بدأ باكرا في الكويت بمجلة (الكويت) عام 1928م التي أصدرها مؤرخ الكويت الشيخ عبدالعزيز الرشيد كأول مجلة في الكويت ومنطقة الخليج (العربي 675)، والتي كانت تطبع في مصر ثم في إندونيسيا، أما مجلة (كاظمة) الصادرة في عام 1948م التي رأس تحريرها أحمد السقاف بينما كان عبدالحميد الصائغ صاحب الامتياز، فهي أول مجلة تصدر وتطبع في الكويت، بينما أصدرت نخبة من المثقفين في اليمن مجلة (الحكمة) عام 1938م، وتولى رئاسه تحريرها الشهيد عبدالوهاب الوريث ولم تعمر طويلا لضيق صدر الإمام بما يكتب فيها، فتوقفت عن الصدور عام 1939م، لتصدر في عدن أول صحيفة بالمقاييس الصحفية العصرية هي (فتاة الجزيرة) عام 1940م على يد الاستاذ الكبير محمد علي لقمان.
إن الكويت قبل استقلالها عام 1961م قد شهدت نموا مطردا في الوعي السياسي والثقافي تبلور في ظهور الجمعيات والنوادي الثقافية واتساع مناحي العمل الوطني وصدور مجلات عديدة في الكويت وخارجها، فقد ولدت مجلة (البعث) ومجلة (الفكاهة) و (اليقظة) و (الإيمان) التي عكس صدورها من ارتباط شرائح المجتمع الكويتي بالفكر القومي، وهي شهرية تعبر عن لسان حال النادي الثقافي القومي، وضمت عددا من الأسماء اللامعة، بينهم أحمد الخطيب وأحمد السقاف، وغيرهم من الأسماء (العربي 675)، ومجلة (الإرشاد) التابعة للإخوان المسملين، وغيرها من الإصدارات والمجلات التي زخرت بها خمسينيات القرن الماضي.
بيد أن المجلة الأشهر في تاريخ الصحافة في الكويت هي مجلة (العربي) سفير الكويت الدائم في البلدان العربية، والتي صدر العدد الأول منها في شهر ديسمبر 1968م بعد تحضيرات دامت أربع سنوات، ليكون على رأس تحريرها أحمد زكي وإلى جانبه كل من سليم زبال مخرجا وأوسكار متري مصورا وعبدالوارث كبير سكرتيرا للتحرير والمخرج محمد حسين زكي ثم الرسام أحمد الوردجي ومحمود السمرة نائبا لرئيس التحرير، وتزامن صدورها مع انعقاد مؤتمر الأدباء العرب في الكويت، وصدر منها 35 ألف نسخة في العدد الأول.
الكويت
الكويت

أما غداة الاستقلال فقد كانت صحيفة (الرأي العام) التي صدرت في 16 أبريل من عام 1961م هي أول صحيفة بالمفهوم التقني والعصري في الكويت (العربي 675)، ثم كرت المسبحة بإصدارات صحفية على درجة عالية من التقنية والمهنية مستفيدة من معطيات الحرية المتاحة في بيئة خليجية لم يكن في وارد حساباتها ذلك القدر الذي تعاملت به الكويت مع حرية الكلمة مترافقا مع تجربة برلمانية مبكرة بالمقاييس الديمقراطية، ودستور ضابط لإيقاع الشراكة السياسية في ذلك البلد، ما ميز الكويت عن كثير من البلدان العربية باستثناء لبنان الشقيق الذي دخل في حرب أهلية بعد أن نقل إليه العرب تناقضاتهم ليكون أرضا بديلة لتصفية الحسابات السياسية فيما بينهم.
واللافت أن ازدهار الصحافة الكويتية في السبعينات جاء متزامنا مع الأحداث في لبنان وهجرة بعض من صحافته إلى أوروبا، مما حدا ببعض المحللين للاعتقاد أن الصحافة الكويتية قد ورثت في كثير من صورها الصحافة اللبنانية، لكن ذلك لم يمنع من هنات هنا وعثرات هناك في مسار الحياة البرلمانية أو الحرية الصحفية لاعتبارات لا تخلو منها أي تجربة ديمقراطية وإنسانية في العالم.
واللافت كذلك أن تجربة الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990م بكل مراراتها ومآسيها المفجعة للكويت الأرض والإنسان وبكل تداعياتها الموجعة للتضامن العربي لم توقف دواليب الحركة والتطور في البلد الشقيق، فالكويت قد تعافى تماما من مخلفات هذه المرحلة بعد حوالي ربع قرن من المأساة وعاد للعمل القومي ضمن إطار مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، كدأبه ونهجه الذي ترسخ على مدى نصف قرن منذ الاستقلال، وبتجرد عروبي صميم لا يحاسب على ما كان ولا يجرم الشعوب بأفعال الحكام، فعاد السباق إلى مساعدة الأشقاء في غير مكان من الأرض العربية، وهي السياسة المتوازنة التي جذر عراها حكيم الدبلوماسية العربية أمير البلاد الحالي سمو الشيخ صباح الجابر الصباح، مذ تسلم العمل في وزارة الخارجية الكويتية في الستينات المنصرمة.
وكان لدولتي اليمن بعد الثورة والاستقلال نصيب من تلك المساعدات التي تقدم تحت لافتة العون الأخوي النزيه دون تدخلات أو اشتراطات معينة، وبالرغم من الحصار الذي فرض على جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحت مبررات نظامها السياسي الراديكالي في عدن، فإن الكويت ما كانت لتنصاع له بوعي إدراكها أن تشديد الخناق على الدولة اليسارية في عدن يزيدها ارتباطا بقوى اليسار العالمي وتحديدا الاتحاد السوفييتي السابق، ولو قيض للعدوان العراقي الغادر أن يتم قبل إعلان الوحدة لكانت كتائب جيش الجنوب الضاربة في طلائع قوات درع الجزيرة والتحالف الدولي المناهض للعراق.
لقد كنا نتمنى في فترات الظلم الذي لحق بالجنوب من حرب تقويض الوحدة واستبدالها باحتلال بغيض من قبل قوات النظام في صنعاء صيف 1994م أن يكون لدولة الكويت وشقيقاتها الأخريات في مجلس التعاون الخليجي، وفي المقدمة الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، دور منصف يتجاوز ما رأيناه بعد هذه الحرب الظالمة لاعتبارات دولية محضة، ولكننا اليوم في أمس الحاجة لأن يتغير الموقف الخليجي إحقاقا للحق، ولما فيه مصلحة الجميع في هذه المنطقة.
**د. هشام محسن السقاف**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى