اليمن والأوسكار

> «الأيام» متابعات

> في إطار البحث القيم الموسوم (سينما اليمن الوليدة في عيون سينمائي العالم) للباحثة والكاتبة والصحفية اليمنية الزميلة (أفراح ناصر) المنشور في مجلة “العربي” الكويتية، عدد أكتوبر 2014م، نستعرض هذا الجزء الخاص باليمن والأوسكار فيما يلي:
ولا شك في أن هذه الحركة السينمائية الوليدة لم تنجح بعد في الوصول للنتيجة المرجوة بخلق دور عرض سينما رسمية في البلاد، ولكن نجاح الحركة يتمثل في أنه وصل للفضاء العالمي بامتياز.
سجلت المخرجة الشابة اليمنية من جهة الأب والأسكتلندية من جهة الأم، سارة إسحاق، إنجازا تاريخيًا بإنجازها أول فيلم يمني يُرشح لجائزة الأوسكار الوثائقي ضمن فئة الأفلام الوثائقية القصيرة، الفيلم الوثائقي (ليس للكرامة جدران) الصادر في عام 2012م.
كان الأمر مفاجأة لإسحاق نفسها فور تلقيها خير اختيار باكورة أعمالها الإخراجية للمشاركة في مهرجان جائزة الأوسكار العالمية في دورته الـ86، ففيلم (ليس للكرامة جدران) تم إنجازه بمحض المصادفة.
كانت خطة سارة المبدئية قبيل قدومها لليمن في عام 2011م بعد غياب لمدة عشر سنوات عاشتها في أسكتلندا أن تعود لإعادة خلق روابط بينها وبين جذورها الأصلية، وتسجل ذلك في فيلم يوثق سيرتها الذاتية، ولكنها وجدت نفسها أمام مرحلة تاريخية تمر فيها البلاد، فلزم الأمر تغيير المسار لينتهي بها الأمر إلى أن تنجز فيلمين وثائقيين، الأول (ليس للكرامة جدران) والثاني (بيت التوت) الذي عُرض في مهرجان دبي السينمائي في العام الماضي.
تخبرنا سارة أثناء زيارتها للعاصمة السويدية استوكهولم أثناء مشاركتها في عرض فيلم (ليس للكرامة جدران) عن كيفية بدء المرحلة التحضيرية للفيلم، وتقول (كان الأمر عفويًا، فلم تكن هناك خطة مسبقة محددة لشكل ذلك العمل، ولم نتلق أي دعم مؤسسي رسمي حكومي في إنجاز الفيلم، بل إننا قمنا بصناعة الفيلم بخالص مجهوداتنا الفردية.. هي مجموعة من الظروف غير المتوقعة التي دفعتنا لإنجاز الفيلم، ولم نتصورا أبدًا أن ينتهي بنا المطاف إلى السجادة الحمراء في حفل الأوسكار).
فيلم (ليس للكرامة جدران) ولد من رحم الثورة وهو ثمرة تعاون بين سارة إسحاق والمصور اليمني أمين الغابري والمصور ومصمم الجرافيك عبدالرحمن حسين، ثلاثة شباب يمنيين وحدوا طاقاتهم وإنتاجهم التصويري في إنجاز الوثائقي، يحكي الفيلم عن مجريات أحداث يوم دام في بداية الثورة، وذلك في توثيق القمع العنيف من قبل قوات الأمن لمتظاهرين سلميين في يوم 18 مارس 2011م المعروف بيوم جمعة الكرامة، والذي يعتبر نقطة تحول في مسار الثورة اليمنية.
تفسر سارة نجاح الفيلم بوجود عوامل عديدة وتقول: “أعتقد أن الفيلم نجح لأن الموضوع مهم ومؤثر وفريد من نوعه، والرسالة التي نقلناها عن الشعب اليمني وإصراره على سلمية التظاهر بالرغم من نسيجه الاجتماعي القبلي ووجود ثقافة السلاح والتسلح، هذه الرسالة هي التي أثرت في الناس حول العالم”.
سارة اسحاق خلال حفل الاوسكار بعد ترشيح فيلمها ليس للكرامة جدران، للأوسكار في فئة الأفلام القصيرة
سارة اسحاق خلال حفل الاوسكار بعد ترشيح فيلمها ليس للكرامة جدران، للأوسكار في فئة الأفلام القصيرة

كان طموح فيلم (ليس للكرامة جدران) هو إيصال رسالة للعالم عن نضال الشعب اليمني من خلال تسليط الضوء على جمعة الكرامة وتخليد ذكرى شهداء ذلك اليوم الدامي، وأن يكرس الفيلم أهداف الثورة والتضحيات التي قُدمت لتلك الأهداف السامية.. يهدف الفيلم إلى أن يكون مرآة تعكس حقيقة موقف الشباب اليمنيين وشجاعتهم أمام رصاص القمع، على أمل أن يتم دحض كل المفاهيم النمطية عن أن الشعب اليمني همجي.. فهل تم إيصال تلك الرسالة فعلاً؟، تجاوب سارة بأن العالم صار اليوم أكثر قربًا من الجانب الإنساني لليمن وتقول: “في كل عرض للفيلم كنت اندهش من ردود الأفعال الرائعة جدًا من قبل الحضور.. في كل عرض يعبر الجمهور عن تأثره بمدى بساطة القصة ومدى مصداقيتها، ويعبرون عن تقديرهم لنضال الشعب اليمني السلمي.. لا أخفي أننا فوجئنا بكل هذا النجاح الذي حققناه”.
إلى جانب عرض الفيلم في مهرجانات عالمية، تم عرضه مرات عديدة على القناة التلفزيونية اليمنية وفي عدد من الصالات في مراكز ثقافية محلية في اليمن بحضور ممثلين من عدد من المؤسسات الحكومية كوزارة الثقافة ووزارة حقوق الإنسان، الأمر الذي أثار نقاشًا جديًا بخصوص دور الإدارة السياسية في إحياء دور العرض السينمائية في اليمن.
تقول سارة إن من أهم مكاسب نجاح الفيلم هو ردة الفعل الإيجابية من الجانب الحكومي تجاه قطاع السينما في اليمن، وتقول: “أعتقد أن هذا النقاش سيؤدي إلى البدء في إنشاء دور سينما وإبداء اهتمام أكبر بهذا القطاع في المستقبل”.
لـ (الوثائقي) نصيب الأسد:
تعد فترة التسعينيات فترة انطلاق السينما اليمنية، أما فترتها الخصبة فكانت على مر العقد الأخير.. من الجلي أن هناك توجهًا كثيفًا إلى صناعة الفيلم الوثائقي من قبل المخرجين السينمائيين اليمنيين، وهو توجه متأثر بالكم الكبير من القضايا الإنسانية والاجتماعية، فقد ظهرت تلك الأفلام لتوثق وتنتقد الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية المتردية.. ممكن وضع إطار واحد لمجموعة صنَّاع الأفلام اليمنيين الحاليين، وندعوهم بمجموعة صنَّاع الأفلام الواقعيين، فهم نزلوا بالكاميرات إلى الشوارع، تقريبًا بأسلوب إبداعي جديد يعرف في علم السينما بـ (الغوريلا) (Guerrilla filmmaking)، ليصوروا بيئات واقعية متعلقة بموضوع الفيلم، لم يقتصر الأسلوب على الشكل وإنما على المواضيع المعالجة، فالمواضيع تقترب من الواقع وتسلط الضوء على كفاح الإنسان العادي.
الحالة الفنية التي برزت من خلال صناعة الأفلام الوثائقية تعود إلى توافر المكونات النوعية للمادة المصورة على مستوى الشخصيات والديكور الواقعي، إلى جانب أن ميزة التكلفة نسبيًا تمكن بلورتها بأقل الإمكانات، وهكذا وجد صناعة الأفلام الوثائقية في اليمن البيئة الخصبة للوثائقي، وخصوصًا أن أبرز القيود التي تعيق صناعة الأفلام في اليمن هو التمويل، الأمر الذي يحد أيضًا من تنوع الفيلم اليمني إلى المزيد من الأفلام الروائية القصيرة والطويلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى