> العين .. إنها جزء من الإنسان، ولكنها مثلت في قديم الزمان أروع معاني الغزل وإلى الآن، وتصورت بأجمل المعاني والألفاظ وأبيات الغزل، فالحديث عن العيون وسحرها وجمالها كان له النصيب الكبير في كلمات الشعراء، فكان الإبداع من الشعراء العرب في وصف هذا الجمال الأنثوي الساحر.
والعيون هي مرآة الروح التي غنَّى لها الشعراء عبر العصور، وأظهروا من خلالها الوجد والهيام، وهي صاحبة أشهر لغة في الأرض يتحدث بها الناس أجمعون، فهي افتتاحية الوجه والبصمة الأولى التي تميزه، وإذا كان الشاعر العربي القديم أوجز في لغة العيون عندما قال:
سألتها لكن بغير كلام
فتكلمت لكن بغير لسان
وقال أمير الشعراء أحمد شوقي:
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت
قلبي بأحلى قبلة شفتاكِ
وبلغت بعض مآربي إذ حدّثت
عيني في لغة الهوى عيناكِ
وأكد المتخصصون أن لغة العيون تمثِّل (55%) من لغة التخاطب بين الناس، بينما تحظى الكلمة المنطوقة بنسبة (7%)، وموسيقى الصوت (38%).
والعرب القدامى جعلوا من العين رمزًا للحكمة وصواب الرأي، فقالوا: (عين الحكمة، وعين الصواب، وعين العقل)، إلا أن البعض يرى أن العين نفسها قد تؤدى إلى جنون المفتون بها.
فالعيون الجميلة لا تعرف الرحمة، وخاصة إذا كانت العين تتمتع بالتألق والسحر، فالعين الساحرة قد تحيلك إلى جماد كعيني (ميوزا) في الأساطير الإغريقية، والتي يتحول من ينظر إليها إلى عمود من الملح، ويبقى على هيئته التي تجمد عليها إلى الأبد !.
يبدو أن الشاعر العباسي الشريف الرضي يجازف قائلاً:
وبعدًا لعيني لِمَ أصابته بالأذى
وإلا تلقت واقع السوء قبَلُه
ليثير حنق الشاعر الكفيف بشار بن برد، الذي يحذر قائلاً:
إنَّ في عينها دواءً وداءً
لِمُلِمٍّ والدَّاءُ قبْل الدَّواء
ربَّ ممسى ً منها إلينا رغـ
م إزاءٍ لا طاب عيشُ إزاء !
**ألوان العيون**
وللعيون أيضًا ألوان ساحرة، يحكي عنها الصاحب بن عباد المؤرخ العربي القديم فيقول: (العين الخضراء تدخلك جناتها، والزرقاء تغرقك في بحورها، والعسلية تذيقك من عسلها، أما السوداء فتقتلك بسحرها !)، ونحن في هذه العجلة سنورد أجمل الأبيات التي قيلت في لون العيون بحسب ترتيب الصاحب بن عباد لكي لا ننحاز إلى لون دون آخر:
**العيون الخضراء**
يقال إن أصحاب العيون الخضراء ذوو شخصية قوية، ويمتازون بقوة الإرادة والعاطفة وصلابة الرأي، وهم عاطفيون للغاية، ويتمتعون بالكم الهائل من الحنان، فقال نزار قباني عن العين الخضراء التي تدخلك جناتها:
جاءت وفي يدها دفتر صغير ...
ورغبت إلى الشاعر أن يكتب شعرًا
في عينيها ...
فإلى صباح عينيها الخضراوين
هذه الحروف ..
حَشَدت أوراقَ الربى كلَّها
ضمنَ إطارٍ .. بارعٍ .. أشقرِ
يا عينُ .. يا خضْرَاءُ .. يا واحةً
خضراءَ ترتاحُ على المرمرِ ...
كما قالت الشاعرة ليلى أورفة في ديوانها (فراشة ترفّ):
لا أدري ما كان لون عينيه ...
لكنهما سحرتاني
لم أكن يومًا .. آبه للعيون
سوداء كانت أم خضراء
أم أي لون آخر
لكن عيني هذا الأسمر
أدهشتاني
ففي عمقهما .. ألم جرح
ينزف أبدًا
في لونهما ... رحيل عمر
بين المروج والسهول
ومن أجل عينيك – ولأول مرة –
عشقت في العيون
اللون الأخضر
**العيون الزرقاء**
إنها تعطي صاحبها نظرة عميقة ساحرة يبحر الناظر إليها يقول نزار قباني الغرق في بحور العيون الزرق، فقال:
الموجُ الأزرقُ في عينيك .. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق
وأنا ما عندي تجربةٌ
في الحب .. ولا عندي زورق ..
إن كنت أعز عليك .. فخذ بيديّ
فأنا عاشقةٌ من رأسي .. حتى قدميّ
إني أتنفَّسُ تحتَ الماء ..
إنّي أغرق ..
أغرق ..
أغرق ..
**العيون العسلية**
أما العيون العسلية التي تذيق محبها والهائم بها عسلاً تقول الشاعرة نعنوعة قعبور
أمام طاولة منسية
جلست أتأمل وجهك الوسيم
وجمال عيونك العسلية
الشمس تغادر بهدوء
تنثر ظلال ... ذهبية
وزهور تغفو بجواري
تحلم أحلامًا ... سحريه
وطيور تنشد .. بسرور
زقزقة ... كالسيمفونيه
وأنا مبهورة ... مسحورة
بجمال العيون العسلية
مرسوم في بؤبؤ عينيكَ
قصة حب ...خرافيه
**العيون السوداء**
(إن للعيون السوداء بريقًا يخترق حُجب الخيال بأشعته تارة، ويتلقى إيحاءات الخلود المنتظرة تارة أخرى).. مصطفى صادق الرافعي، (يظل مشعل الحكمة متألقًا مادامت عيون النساء الجميلات لا تُلقى عليه وهجها).. مارسيل تينير، السواد .. لآلئ في عيون النساء .. شكسبير.
وقال الشاعر العربي (جرير) في العيون السوداء أجمل بيت قيل في الغزل عند العرب وهو:
إنّ العُيُونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ
قتلننا ثمَّ لمْ يحيينَ قتلانا
يَصرَعنَ ذا اللّبّ حتى لا حَرَاكَ بهِ
وهنَّ أضعفُ خلقْ اللهِ أركانا
الحور: شدة بياض المقلة مع شدة سوادها.