الفرصة الأخيرة

> محمد أبوبكر الحّداد

> وجد سامي لزاماً عليه أن يقوم بأعباء أسرته الكبيرة، بعد موت والده المفاجئ، وهو ما يزال في الصف الثاني ثانوي، وبعد انتهاء مراسم العزاء، تشاور مع أمه حول ما يمكن عليه أن يفعله، خصوصاً وأن عوده غصن طري، لم يتعود على العمل الشاق.
كانت الحاجة تلح عليه ليترك مقعده الدراسي، ليبحث له عن عمل، حتى ولو كان في البناء، وسرعان ما تذكر أن له ابن عم يعمل فيه، ذهب إليه ووضع عليه الأمر وطلب منه أن يتوسط له عند صاحب العمل، غير أنه لم يجد ترحيباً، بسبب قلة الأعمال، ولكثرة من يطلبون نفس عمله، حيث كان العمل بالدور الأول فالأول، وفجأة أتى إليه أحد الصيادين طالباً منه أن يعمل معه غير أنه اعتذر بذريعة أن البحر مهنة غير رابحة وفيها الكثير من المخاطر.
حينها وقع في حيرة من أمره، وما الذي يجب أن يعمله فجميع إخوانه الخمسة لا معيل لهم، كانت أنظار إخوته تصوب نحوه وكأنها تقول له أنت المسؤول الآن علينا بعد وفاة والدنا، هذا الموقف خلق في نفسه الإصرار والتحدي مع نفسه ليثبت لأهله ولأبناء جيرانه أنه رجل يمكن الاعتماد عليه في وقت المصائب والمحن، وبعد أن أوصدت في وجهه الأبواب، أخبر أمه بأنه عازم على السفر إلى إحدى دول الجوار الغنية، رحبت الأم بالفكرة، وأخرجت ما تبقى معها من ذهب كانت قد جمعته أيام الرخاء والعز أثناء اغترابهم في دولة الكويت.
أخذ سامي تلك المصوغات، وتوجه بها إلى أحد الصائغين، فتحصل على مبلغ لابأس به، وأخذ يبحث ويستشير أصحابه، ومن سبقه للاغتراب، فما كان منهم إلا أن دلوه على أحد المهربين، فكانت المجازفة، والصبر على أهوال الطريق الوعرة، والكثبان الرملية، ومطاردة خفر الحدود، حتى تمكن من الوصول إلى عزبة معاريفه، من أبناء بلدته، فرحبوا به أشد الترحيب، وأخذوا يبحثون له عن عمل في إحدى الشركات خارج المدينة، وماهي إلا أيام حتى وجد نفسه يلبس تلك البدلة المخصصة للحرامي، وأخذ نوبته مع زملائه.
مكث غير بعيد حتى تنامى إلى سمعه خبر الإقامة والكفيل ولم تمض سوى أشهر حتى وصلت الحملة إلى تلك البقاع النهائية فاختاروه ورموا به في العربة المغلقة كالشاة المريضة، فتدحرج على سطحها، ليستقر فوق كومة من اللحم لم يتبين صاحبها وسط ذلك الظلام الدامس، ظل يفكر في المصير الذي ينتظره، وفي الأسرة التي تركها وراءه، والديون التي تراكمت عليها، وأخذ يقلب الأمور في رأسه، ماذا عساهم فاعلون بي وبأصحابي؟ وماهي الجريمة التي ارتكبها حتى يعامل بهذه الطريقة؟ وماهي إلا لحظات توقفت العربة عند السجن المركزي، وأخذ الجنود باقتيادهم إلى زنازين الترحيل، حتى اليوم الثاني ليرحلوهم إلى حرض، دون غذاء أو ماء أو مأوى.
**محمد أبوبكر الحّداد**

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى