الرشوة والفساد والمحسوبية..ثالوث أنهك المجتمع اليمني وشخصن مؤسسات الدولة

> استطلاع/ أياد الوسماني

> انعكست آثار الفساد المالي والإداري مباشرة على المجتمع اليمني بجميع فئاته، وعلى مختلف المستويات، حيث إن الفساد يُعدّ عاملاً أساسياً من عوامل كثيرة تزيد معاناة المجتمعات النامية كاليمن.
ويشكل الفساد سبباً في اختلال ميزان العدل في مؤسسات الدولة، عندما تمارس الرشوة أو المحاباة أو الواسطة، من أجل تقديم خدمات ومنافع لمن لا يستحقها على حساب من هو أهل لذلك، حيث تحرم هذه التصرفات غير السوية الكثير من أصحاب الحقوق من الحصول على حقوقهم المستحقة في مجالات الحياة المختلفة التعليمية والاقتصادية غيرها.
وقد بلغت الرشوة والفساد إلى أعلى مستوياتهما وذلك بالتلاعب بأقوات الناس، حيث انتشرت مؤخراً نتيجة للتعامل بالرشوة مع الجهات المعنية أعداد كبيرة من الأغذية منتهية الصلاحيّة وبيعها للمواطنين في الأسواق الشعبيّة.
يحيى العكوري
يحيى العكوري

لهذه الظاهرة الكثير من السلبيات على الفرد والمجتمع في شتى مناحي الحياة، وذلك لما ينتج عنها من أخذ للحقوق والحرمان منها بطرق غير صحيحة ومخالفة للشرع والقوانين، يقول يحيى العكوري: “الفساد هو الفيروس الذي من السهل انتشاره في مؤسسات الدولة، وأصبح أشبه بالمرض الخبيث الذي يصيب الإنسان وينهك جسده تماماً كما هو حاصل في أجهزة الدولة ومؤسساتها، فالفساد في بلادنا ينخر بمخالبه موارد البلاد، وعطل حركة الكثير من الإدارات وتسبب في أزمات مستعرة ضحيتها الوطن والمواطن”، وأضاف: “تبدو هذه الظاهرة أكثر من غيرها حضورا يتوارثها أصحاب النفوذ وصناع القرار في اليمن، كما يبدو أيضاً أن محاربة الفساد غير مجدية في ظل الانهيار الوشيك الذي تمر به بلادنا، وكان الفساد أحد أسباب هذا الانهيار، ولهذا نتمنى تفعيل دور جميع الجهات المعنية بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين وعدم التواطؤ أمام هكذا قضايا بما يضمن على الأقل حفظ الحق العام وردع المتعطشين لنهب خيرات البلاد”.
**يجب القضاء على الفساد**

الصحفي وليد كحلاء بدوره قال: “إن الفساد ليس ظاهرة حديثة، وليس مقتصرا على البلدان النامية دون المتقدمة، كما أنه من غير الممكن معرفة مدى انتشار الفساد بشكل دقيق في منطقة ومقارنتها بأخرى، وإنما يتم ذلك في الغالب بشكل تقريبي، فمعظم أعمال الفساد تتم بسرية، ونادراً ما يتم الكشف عن مثل هذه العمليات وخاصة تلك التي تتم في الأوساط الرسمية العليا، حيث إن هذه الأوساط تشكل فيما بينها شبكة تقوم من خلالها بأعمال الفساد وتحيط أعمالها بالسرية التامة ونادراً ما يتم كشفها أو معرفة تفاصيلها.. أما بالنسبة لتأثيراته فالفساد يضعف أولاً من جودة البنية الأساسية والخدمات العامة، ويدفع ذوي النفوس الضعيفة للسعي إلى الربح غير المشروع عن طريق الرشاوى بدلاً من المشاركة في الأنشطة الإنتاجية، ويحد من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات، ويفضي إلى معدلات ضريبية متزايدة تجبى من عدد متناقص من دافعي الضرائب، ويقلل ذلك بدوره من إيرادات خزينة الدولة ومن ثم قدرتها على توفير الخدمات العامة الأساسية”.
وأضاف: “كما لا ننسى أيضاً أن الفساد يقود إلى التشكيك في فعالية القانون وفي قيم الثقة والأمانة، إلى جانب تهديده للمصلحة العامة من خلال إسهامه في خلق نسق قيمي تعكسه مجموعة من العناصر الفاسدة، الأمر الذي يؤدي إلى ترسيخ مجموعة من السلوكيات السلبية”.
وقال: “لكي نقضي على الفساد يتطلب منا عدم التسامح والتساهل والتهادن والتهاون في تطبيق القانون بعيداً عن الانتقائية والمزاجية، فهو المطرقة الوحيدة على رؤوس الفاسدين”.
**الشعب هو السبب**
مختار الأخشر
مختار الأخشر

أما مختار الأخشر - ناشط مدني - فتحدث لـ«الأيام» عما يشهده المجتمع اليمني من فساد في شتى مجالاته بالقول: “يعتبر الفساد هو الاستخدام السيئ للمنصب أو الوظيفة العامة، هذا تعريفه في القطاع الحكومي، كما أن آفة الفساد تعتبر من أخطر الآفات على التنمية والعمل الروتيني بالمؤسسات الحكومية، ومن هنا يكون تأثيره على المواطن كبيرا، وقد تكون هذه التأثيرات داخلية نفسية أو تكون خارجية في صحته في الشعور بالذنب وعدم الثقة بالنفس والخجل لقيامه بذلك العمل، ومن تأثيراته على المواطن أيضاً أنه يؤدي إلى تدهور الاقتصاد وتدني المستوى التعليمي وتضخم العمالة ووجود البطالة”.. وحمل الأخشر الشعب المسؤولية بدرجة رئيسة في انتشار هذه الظاهرة.
**غياب الرقابة والمحاسبة**
الصحفي فارس سعيد قال: “يعتبر الفساد من الممارسات غير المشروعة التي تهدف إلى تحقيق مصالح خاصة شخصية أو حزبية أو فئوية على حساب المصالح العامة في المجتمع، سواء أكانت هذه الممارسات تتم بصورة عشوائية أم منظمة، سرية أم علنية، فردية أم جماعية، وتعاني منه كل المجتمعات النامية منها والمتقدمة على حدٍ سواء، لكن بمستويات تختلف باختلاف التقدم الحضاري والإنساني”.
فارس سعيد
فارس سعيد

وتابع حديثه لـ«الأيام» بالقول: “الفساد يترعرع وينتشر حيثما تكون مؤسسات الحكم ضعيفة، وتفسح له الحكومة وقواعدها المجال، ونتيجة لاختلال وضعف الأنظمة السياسية والاجتماعية والقانونية، وعندما تكون المؤسسات الرقابية كالبرلمان والقضاء ومنظمات المجتمع المدني والصحافة مهمشة أو مصابة هي الأخرى بالفساد، ومن هنا ترتبط هذه الظاهرة ارتباطاً وثيقاً بضعف مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على مواجهة مثلث الفساد المتمثل في احتكار القوة والافتقار إلى الشفافية وغياب المساءلة والمحاسبة، نتيجة تعرضها للاستغلال أو عدم تطبيق القوانين أو غموضها أو تحويرها وصياغة قوانين أخرى تخدم أغراض وأهداف فئات اجتماعية معينة”.
وأضاف: “وتتزايد هذه الظاهرة بصفة خاصة في المجتمعات النامية والأقل نمواً وذات الموارد المحدودة، والتي تعد اليمن واحدة منها، حيث باتت تشكو من تنامي وانتشار الفساد في مؤسساتها المختلفة وعلى نطاق واسع جدا، ويمكن تحديد أهم وأبرز تلك الأشكال والمظاهر في المجتمع اليمني في تفشي الرشوة التي تعد من أبرز مظاهر الفساد الإداري في اليمن وأكثرها انتشاراً في الإدارة العامة اليمنية حتى غدت سلوكاً عادياً يمارسه كثير من الموظفين العموميين الذين أصبحوا يعتقدون بشرعية الرشوة ويعتبرونها مصدراً للكسب المشروع”.
وأردف: “إن أبرز مظاهر الفساد في المجتمع تتمثل في استغلال المحسوبية والوساطة في الأجهزة والمؤسسات العامة والتي تمارس عادةً من قبل كبار موظفي الدولة وأصحاب الوجاهة والشخصيات الاجتماعية والتلاعب بالمناقصات العامة وقضايا الاختلاس والابتزاز والتزوير، وتعيين أبناء وأقارب كبار الموظفين والمسئولين في الوظائف الهامة والمميزة، وضعف المساءلة والمحاسبة، وانعدام الشفافية”.
وقال: “إن مكافحة الفساد لا يمكن أن تقضي على هذه الظاهرة بالكامل، ولكن العمل الجاد هو الذي يدفع إلى أن يكون الفساد استثناءً لا قاعدة، وهذا لا يكون إلا من خلال الجهد الجماعي ابتداءً من الإرادة السياسية وانتهاءً بإرادة الفرد والمجتمع”.
مختتماً بالقول: “إن اللجوء إلى الشفافية في كل الجهات الحكومية التي تتعامل مع الجمهور هو الحل والأساس للقضاء على الرشوة، وذلك من خلال إنشاء وحدات رقابية في الأجهزة الحكومية لتفعيل آليات المساءلة الداخلية التي أثبتت فعاليتها في كثير من الدول، وكذا تفعيل آليات المساءلة الخارجية، بالإضافة إلى تفعيل قوانين المحاسبة المالية لكبار الموظفين دون مجاملات أو اعتبارات شخصية”.
**فساد متجذر**
أحمد الشميري
أحمد الشميري

من جهته قال الصحفي أحمد الشميري: “الدولة توجد بكامل مكوناتها الإدارية والتشريعية وتفعيل دور القضاء بشكل قوي، لكن ما يدور الآن لا يبشر بخير ولا يمكن أن يخلق دولة قوية، لقد كنا نعاني من سوء إدارة وغياب دور الرقابة غير أن الصراعات أفقدتنا سلطة الدولة بكامل مؤسساتها، وأعتقد أننا الآن بحاجة لمليارات الدولارات حتى نصنع رقابة ونخلق مجتمعا يحارب الفساد، كونه متجذرا وبمسميات مختلفة، كان مشوارنا صغيرا ولكنه الآن تضاعف، فلا يمكن أن نحارب الفساد إن لم تتوفر إرادة شعبية أولاً وهذه الإرادة يخلقها رأس هرم الدولة الغائب في بعض المدن حالياً”.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى توعية وإلى حملات وسلطة قوية تعاقب كل من يتورط في أبسط قضية فساد حتى على مستوى رشوة جندي (الراشي والمرتشي)، لا أن يعاقب الموظف الصغير ويترك الكبير يزداد ثراء، بحاجة إلى الزج بالكثير من المتورطين بأعمال نهب وسرقة وغيرها للمال العام في السجون، سواء من المليشيات أو غيرها، بحاجة إلى حملات لضبط الكثير من العصابات وتوعيتها وتعبئتها بأفكار تخدم المصلحة العامة، بحاجة إلى رفع رواتب موظفي الدولة وخاصة الجيش وهيئة التدريس، بحاجة إلى تشجيع ومكافآت في أوساط الجيل الصاعد، هناك جملة من الإجراءات للوصول إلى دولة خالية من الفساد”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى