في ظل غياب تام لدور الرقابة..مغاسل الثياب.. أماكن لنقل الكثير من الأمراض الجلدية

> استطلاع/ نوارة قمندان

> باتت المغاسل الخاصة بغسل الثياب في عدن من الأشياء الأكثر انتشاراً، وذلك لتزايد الزبائن عليها يوماً بعد يوم، لاسيما من فئة الشباب غير المتزوجين أو البعيدين عن أهاليهم.
وكان المواطن على ثقة تامة بهذه المغاسل لالتزام أصحابها بشروط الصحة المطلوبة، وكذا قيام الجهات المعنية بالرقابة والمتابعة عليها، ومعاقبة المخالف منها، وذلك حفاظاً على صحة المواطنين، غير أن وضع هذه المغاسل انقلب رأساً عن عقب، بعد أن غاب دور الجهات المعنية وأصبح الحبل على الغارب، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتقال الأمراض الجلدية من شخص لآخر، لعدم التزام ملاك المغاسل والعاملين فيها بالشروط الصحية.
“هناك فرق كبير بين الماضي والحاضر في استخدام هذه الخدمة، ففي الماضي كانت هناك أعمال رقابة وتفتيش عليها بعكس ما هو عليه الأمر اليوم حيث أصبح الفرد هو رقيب نفسه”، هذا ما بدأ به حمود شرف عامل في إحدى المغاسل بعدن حديثه لـ«الأيام» عن المغاسل والعملية التي تتم من خلالها عملية الغسل، وأضاف: “إن عملية غسل الثياب في المغسلة تتم عن طريق فرز الملابس البيضاء عن الملونة، والفصل ما بين (المقاطب) والقمصان أثناء الغسيل، وذلك من خلال تنقيعهم (تبليل الملابس) في البانيو قبل غسلها، يتم بعدها غسل الملابس بمواد التنظيف كالصابون والكلوركس، والماء أيضاً يتم تغييره بعد كل غسلة وهكذا تستمر العملية، والمشكلة الوحيدة التي نعاني منها هي الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي”.
وأشار شرف في سياق حديثه عن طبيعة عملهم إلى أن “هناك طريقة يتم التعرف من خلالها على ملابس الزبائن كترقيم ملابس كل زبون على حدة، وفي حال حدث خطأ في فرز الملابس يتم إرجاعها من قبل الزبون وفي حال لم يعيدها نقوم بتعويض الزبون”.
**هناك فرق كبير بين مهنة الأمس واليوم**
ولمعرفة المزيد عن الفرق بين هذه المهنة بين الماضي والحاضر وما يشوبها من تجاوزات حالياً تعرض من يتعاملون مع هذه المغاسل إلى الكثير من الأمراض الجلدية، يقول الأستاذ والكاتب الصحفي الكبير نجيب يابلي: “المغاسل مهنة عرفتها عدن منذ القدم حيث كانت توجد بها آبار مخصصة ويوجد بجانب كل بئر مغسلة تسمى بـ “آبار الدوابي”، حيث كانت تستخدم مادة الريتا (بذرة) في غسل الملابس في عهد الاحتلال البريطاني، بالإضافة إلى وجود دوابيه (مغاسل) لغسل ملابس الجيش البريطاني حيث كان يوضع على الميري (البزة العسكرية) مادة النشأ التي تعمل على استقامة الدريس العسكري وتتم هذه العملية باستخدام آلة الكي اليدوية التي تحوي كمية كبيرة من الجمر قد تصل إلى رطلين من الفحم والتي من شأنها أن تنتج درجة عالية من الحرارة كفيلة بقتل أي جراثيم ومكروبات داخل الملابس، ومن المعروف أن الميري (البزة العسكرية) سميكة فلهذا لا تحترق، أما عن الملابس العادية كالقمصان والأثواب فعند كيها يتم وضع قطعة من القماش فوق الملابس قبل الكي، وكانت الملابس البيضاء تغسل بمادة النيل، وتعتبر المواد المستخدمة في الماضي طاهرة وأكثر ضمانا وأقل خسارة”.

وعن الفرق بين المغاسل في الماضي والحاضر قال اليابلي: “بالفعل هناك فرق كبير وذلك يعود إلى زيادة عدد السكان وتدني مستوى الفرد الذي نتج عنه زيادة ظهور هذه المغاسل كون أن هذا العمل لا يكلف الكثير فكل ما يكلفه هو الجهد العضلي ومواد التنظيف، ومن المعروف أيضاً بأن عامل المغسلة مهما بالغ في استخدام الكاوية الكهربائية فلن يؤدي ذلك إلى قتل الجراثيم الموجودة على الملابس بشكل كامل”. مضيفاً: “في الماضي وفي عهد الاحتلال البريطاني كانت دولتنا مصنفة من دول الرعاية لأنها اهتمت بأمور المواطنين، أما اليوم فقد أصبحت دولة جباية أي أنها تأخذ من المواطن ولا تعطيه شيئا”.
**يخضع لشروط صحة عدة**
يخضع من يريد مزاولة هذه المهنة إلى الشروط الصحية المتبعة، وذلك لضمان سلامة وصحة المواطنين وتجنيبهم التعرض للأمراض الجلدية، هذه الشروط كانت تطبق على أتم وجه في الماضي، غير أن ما هو حاصل اليوم يدل على غياب هذا الدور والالتزام بهذه الشروط الصحية، وذلك بعد أن غاب القانون ورمي به عرض الحائط.. «الأيام» التقت مدير صحة البيئة بمديرية صيرة (عدن القديمة) علي عبد الكريم ثابت لمعرفة المزيد حول هذا الموضوع ودور صحة البيئة فيه، حيث قال: “إن الشروط الصحية المترتبة على مزاولة مهنة غسل وكي الملابس كثيرة أبرزها: أن يكون مبنى المغسلة جيداً، وموقعها واسع لا يقل عرضها على 4 أمتار وطولها 13 مترا، أيضاً يجب أن تكون جدران المغسلة خالية من الرطوبة، وتكون أرضية المغسلة مبلطة ببلاط عادي، كما يجب أن تكون المغسلة مقسمة إلى غرفتين: غرفة خاصة لكي الملابس بكاوية بخار مزودة بأنبوب لتصريف البخار إلى الخارج، ويتوجب أيضاً أن يكون موقع آلة الكاوية مناسبا لا يتسبب بضرر للسكان، وما إلى ذلك من الشروط المطلوب توفرها في من يرد مزاولة هذه المهنة، أما الغرفة الثانية فخاصة بغسل الملابس”.
وعن المخالفات التي قد يرتكبها أصحاب المغاسل قال ثابت: “في حالة وجود مخالفات صحية من أصحاب المغاسل يتم إغلاق محلاتهم ولا يتم فتحها إلا بعد الالتزام بالشروط واللوائح الصحية، كما يتم تحميلهم غرامات نقدية بسند رسمي”.
المواطنة سمر عبداللاه تحدثت لـ«الأيام» عن هذه المهنة وما لها من أضرار صحية على الشخص في بعض الأحيان بالقول: “لكي يتجنب الفرد الإصابة ببعض الأمراض لاسيما الجلدية منها والتي تنتقل من شخص لآخر يجب تجنب غسيل الملابس في المغاسل”.
أما المواطنة فريال أحمد فعبرت عن اعتراضها الشديد على غسل الملابس في المغسلة بالقول: “إن الطريقة الخاطئة التي يتم غسل الملابس بها تجعل المواطن أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الجلدية”، موضحةً “أن أكثر من يتعاملون ويغسلون ملابسهم في هذه المغاسل هم من الشباب غير المتزوجين والبعيدين عن أهاليهم، ومن هنا أتمنى من الشباب أن يقوموا بغسل ملابسهم بأنفسهم ليجنبوا أنفسهم الإصابة بالأمراض الجلدية، كما أتمنى أيضاً من الجهات الرقابية متابعة ومراقبة هذه المغاسل”.
**أمراض كثيرة تنتقل عبر المغاسل**
لهذه المغاسل أضرار كبيرة على صحة الإنسان في كثير من الأحيان حيث تعتبر هذه المغاسل أحد الأسباب الرئيسة في نقل الأمراض الجلدية وللتعرف على الأمراض الجلدية التي قد تنتقل عبر غسل الملابس في المغاسل التقت “الأيام” بالدكتورة آسيا حسين الأصبحي أستاذ مساعد أمراض جلدية لمعرفة المزيد من المعلومات والاستيضاح حيث قالت: “إن أكثر الأمراض انتشاراً في وقتنا الحالي هو مرض الجدري الذي ينتقل بأكثر من وسيلة كالعيش مع الشخص المريض أو اختلاط ملابسه مع الآخرين أثناء الغسيل، كما أن هناك بعض الأمراض التي قد تنتقل عن طريق غسل الملابس بالمغاسل كأمراض قمل البدن، ويكون أكثر انتشارا عن أطفال الشوارع ويأتي عبر الإهمال بالنظافة الشخصية”.
مضيفةً: “إن المغاسل البخارية تعتبر أقل عرضة لانتقال الأمراض الجلدية وذلك لتعرض الملابس للحرارة التي تقتل الجراثيم بعكس المغاسل العادية فعند تعرض الملابس للكي يعمل على تقليل نسبة انتقال أي مرض جلدي، ومن هنا يجب على أصحاب المغاسل استخدام المواد المطهرة لتقليل نسبة انتقال الأمراض الجلدية، فأنا شخصياً أغسل بعض ملابسي بمغسلة بخارية كالفساتين التي يكتب فيها أن تغسل بالبخار، ولكن أقوم بتوصية صاحب المغسلة بفصل ملابسي عن البقية تجنبا لانتقال أي أمراض جلدية، وهذا ما ينبغي على صاحب المغاسل فعله بأن يفصل ملابس الأشخاص الرثة عن الأشخاص الطبيعية”.
مختتمة قولها: “هناك اعتقاد خاطئ لدى كثير من الناس بأن مرض (البهاق) ينتقل عبر دمج الملابس مع بعضها وهذا الاعتقاد خاطئ”.
**الخاتمة**
قد تكون الظروف المعيشة لدى بعض المواطنين تفرض عليهم ترك ملابسهم في المغاسل كنوع من الاتكالية ولا يعلم ما قد يحدث له في المستقبل من أمراض جلدية وخسارة مادية، ولحماية نفسه من تلك الأمراض والخسائر عليه الاعتماد على نفسه في غسل ملابسه، فالصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى، فكن حاملاً لتاج الصحة لا رائياً له.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى