بعد أن أصبح اهتمام الآباء بفلذات أكبادهم في إجازة..أطفال يحيون الشوارع حتى آخر الليل

> استطلاع/ وئام نجيب

> تتحول شوارع عدن وحوافيها كل عصر إلى أماكن للهو الأطفال ولعبهم، أصواتهم وصراخهم وضحكاتهم البرئية تملأ المكان، ولكن سرعان ما كانت تسكن هذه الشوارع من شقاوتهم عند بدء سدول الظلام، فكل طفل يعود إلى منزله لتناول وجبة العشاء، ومشاهدة مسلسلات الأطفال المفضلة إليه، ومراجعة دروسه، حالياً انقلبت الأمور وتبدلت، أطفال تحولوا إلى أشبه ما يكونون بالخفافيش التي لا تنشط إلا ليلاً، فتجدهم إلى أوقات متأخرة من الليل يلهون ويلعبون، الأمر الذي يكشف مدى الإهمال من قبل بعض أرباب الأسر تجاه فلذات أكبادها، وهو ما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع المخاطر، لاسيما في هذه المرحلة التي تشهد انفلاتا أمنياً غير مسبوق، وانتشاراً كبيراً للحبوب المخدرة والحشيش بأنواعها، والتي شجعت على انتشار جريمة الخطف والاغتصاب، والاتجار بالأعضاء البشرية.
“الأيام” ناقشت هذه المشكلة مع عدد من أولياء الأمور والمهتمين وذلك لما لها من خطورة على حياة الأطفال في هذه المرحلة العصيبة التي تعيشها مدينة عدن.
لهو الأطفال ولعبهم في الشوارع إلى أوقات متأخرة من الليل، لها مخاطر جمة عليهم، كما أنها تكشف مدى إهمال كثير من أولياء الأمور تجاه أبنائهم، والتي غالباً ما تنتهي بندم حين لا ينفع الندم.
العم محمد سعيد تحدث لـ«الأيام» عن هذه المشكلة ودور الآباء تجاهها بالقول: “أنا لا أسمح لأبنائي بالخروج إلى الشارع، إلا في حالة قضاء حاجة للمنزل تطلبت ذهابهم إلى البقالة فقط وبصحبة ابنتي الكبرى، وعن رأيه فيمن يسمحون لأبنائهم باللعب في الشوارع إلى أوقات متأخرة من الليل قال العم سعيد: “أولئك يرتكبون خطأ كبيراً بحق أبنائهم لاسيما في وضعنا الراهن، الذي يشهد انفلاتاً أمنياً غير مسبوق، وغياب الأخلاق لدى الكثير من الناس، كما أن ترك الأطفال يلهون في الشوارع له أيضاً سلبيات كثيرة على الفرد والأسرة، حيث يكتسب هذا الطفل عادات وسلوكيات قد لا تتناسب مع سنه أو عاداته التي من شأنها أن تؤثر على الطفل وسلوكياته تجاه أسرته كغياب الهيبة والاحترام للوالدين، أيضا يعرضهم للكثير من المخاطر”.
**ظاهرة دخيلة على عدن**
صالح العمري قال: “تطرأ على الأطفال جراء اختلاطهم ببيئة غير ملائمة لهم ولسنهم الكثير من الظواهر الغريبة والدخيلة والتي باتت منتشرة في هذه المدينة، أبرزها انتشار الحبوب المخدرة والحشيش بكافة أنواعها وأسعارها، بالإضافة إلى ظاهرة حمل السلاح التي أصبحت منتشرة بكثرة مؤخراً بينهم، وهو ما يشكل خطورة حقيقية على حياتهم وذلك لعدم معرفتهم بكيفية استخدامه وغيرها من الأمور التي يتطلب توافرها في من يستخدم هذا السلاح”.
مضيفاً: “لقد أصبحنا في وقتنا الحاضر نخاف فيه على الأولاد أكثر من الفتيات، وذلك لأن الفتيات أكثر تقبلاً للنصيحة”، وقارن العمري في سياق حديثه مع “الأيام” بين طفولة الماضي والحاضر وكيفية قضاء الأوقات واللهو واللعب بالقول: “كان في الماضي من عادة الأطفال الخروج في وقت مبكر من العصر والعودة إلى المنزل عند سماع أذان المغرب، بعكس ما هو حاصل الآن حدثت تغييرات في سلوكيات الأبناء أنفسهم، حيث أصبح الطفل في حال رفض أبويه إعطائه المصروف يلجأ إلى سرقة أحد أفراد أسرته.
واعتبر العمري أن “الأسر التي تترك أطفالها إلى أوقات متأخرة من الليل بأنها أسر غير طبيعية ومفككة، بل إن كثيرا منها لا تعلم أين يذهب أبناؤها ومتى يعودون إلى المنزل”.
وحمل العمري خطباء المساجد والمدرسة جزءا كبيرا من تفشي هذه الظاهرة لغياب دورها في توعية أفراد المجتمع وتخليها عن القيام بواجبها”.
**إهمال الوالدين**

محمد صالح أعاد السبب الرئيس وراء انتشار هذه المشكلة إلى إهمال الوالدين وعدم الاهتمام بهم، ومن هنا أتمنى من أولئك الآباء والأمهات الحفاظ على أبنائهم وحمايتهم من المخاطر التي باتت تحدق بهم وتعرضهم لكثير من المخاطر جراء لعبهم إلى أوقات متأخرة من الليل، كما يجب على الآباء أيضاً معرفة أصدقاء أطفالهم والاعتدال في طريقة التربية، وذلك لأنه متى ما شعر الابن بالأمان وعدم الخوف من أهله سيأتي بأصدقائه إلى المنزل لكي يتعرف عليهم الأهل”.
**الأم تتحمل النصيب الأكبر**
“يجب أن تتلاءم التربية المتبعة من قبل الوالدين مع عمر الابن، وذلك لأن مراعاة القدرات العقلية والجسدية ضرورية جداً”، هذا ما قالته أم ريتاج لـ«الأيام» عن ترك الآباء أبنائهم يلعبون في الشوارع لأوقات متأخرة من الليل، مضيفة: “إنه متى ما تجاوزت أساليب التربية عمر الطفل تأتي بثمار سلبية ضد الطفل، كما أن حرمان الطفل من أخذ حريته له مشكلات أيضا على نفسية الطفل، ومن هنا يجب على الأهل معرفة ملاحظة مدى رغبة أطفالهم وإلحاحهم على الذهاب إلى الشارع ومن دورها تقوم بمعرفة أسباب ذلك، وما هي الأشياء التي تجذبه في اللعب في الشارع وغيرها من الأشياء التي يجب معرفتها”.
وحملت أم ريتاج الجزء الأكبر من هذه المشكلة إلى الأم باعتبارها هي المسئولة الأولى على أبنائها.
أما أم أحمد فقالت: “باتت شريحة الأطفال أكثر شريحة مجتمعية تتعرض لعملية الاغتصاب ومن هنا يجب على الأهل المحافظة على أبنائهم ومراقبتهم بشكل مستمر، حيث بات كثير منهم يذهب فور حصوله على مصروف من والديه إلى مقاهي النت لمشاهدة أشياء سلبية وضارة عليه، الأمر الذي جعل هؤلاء الأطفال يعيشون مراحل أكبر من سنهم”.
ولمعرفة الأسباب الحقيقية التي تدفع أولئك الأطفال إلى اللعب لأوقات متأخرة من الليل وكانت كثير من الأسباب متفقة، عدد من الأطفال الذين التقت بهم «الأيام» وهم ممن يدرسون في المدارس الخاصة قالوا: “نذهب في تمام الساعة الرابعة عصراً إلى المدرس الخصوصي، والتي تستغرق ساعة كاملة نعود بعدها إلى المنزل لنشاهد التلفاز، وفي الساعة السابعة ليلاً نخرج إلى الشارع للعب كرة القدم أو جري، أو غميضة، فتاتير، سبع الصاد أو مصارعة وغيرها من الألعاب وبعد انتهائنا من اللعب نعود إلى المنزل الساعة العاشرة ليلاً”.
**لها آثار سلبية كثيرة**

كما أن للمتخصصين في هذه الموضع رأي، أوضحوا فيه آراءهم حول هذه القضية التي أصبحت تهدد حياة الأطفال في هذه المرحلة التي تشهد انفلاتاً امنياً، وكذا أسباب تخلي بعض الآباء عن القيام بواجباتهم لحماية أبنائهم، وأخذهم هذا الأمر بشيء من اللامبالات، يقول أحمد المجرشي أستاذ علم النفس في كلية الآداب - جامعة عدن: “إن بقاء الأطفال خارج المنزل إلى وقت متأخر في المساء يعبر وبحق عن إهمال شديد من قبل جميع أفراد الأسرة، ويترتب عليه الكثير من المشكلات السلوكية بل والاضطرابات النفسية لدى الأطفال يتلخص أهما في أن تأخر الأطفال خارج المنزل في المساء قد يكسبه سلوكاً عدوانياً وخوفا نتيجة لما يتعرض له من قبل الأكبر منه سناً من عدوان، فعادةً لا يخاف الأطفال من بعضهم إلا لو كان هنالك سلوك عدواني يخيفه خاصة الاحساس بالنقص وعم الكفاءة ربما بسبب فارق السن، وهو ما يساعد على نقل العدوان إلى داخل المنزل، ولكن ما الذي يدفع الطفل إلى العدائية؟
يعد الخوف إشارة للحفاظ على الذات، ويؤدي الخوف إلى زيادة ضربات القلب، وزيادة إفراز العرق، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة إفراز الأدرينالين، وكل ذلك يزيد من قدرة الفرد على مواجهة الخطر بالقتال أو الفرار وغالباً ما يستجيب الأطفال للمثيرات المهددة بردود أفعال اندفاعية”.
ويضيف المجرشي: “غالباً ما تأتي العدوانية مع الإحباط فالآباء المغالون في الشدة والمنع مع أطفالهم سيؤدي ذلك إلى تزايد الإحباط عند الطفل ويصلون به إلى الغضب والعدوانية ثم يقومون بإحلالها على الأطفال الآخرين في مجتمعهم والأصغر منهم سناً والذين يجدونهم في الشارع في أوقات متأخرة من المساء، وما يجب أن نعرفه أيضاً أن التشدد في العقاب والتخويف من عدم التأخر خارج المنزل قد يزيد من تفاقم مخاوف الأطفال وبالمثل فيما يتعلق بالتسامح المفرط وعدم وضع حدود لسلوكيات الطفل ومواعيد عودته للمنزل وطعامه ومذاكرة دروسه ووقت نومه قد لا يساعد ذلك على نجاحه في الدراسة والمحافظة على صحة الطفل الجسمية والنفسية، وربما لا يعطي الطفل الفرصة على تنمية ضبط النفس بصورة كافية كما يجعل الطفل غير مدرك للواقع وعواقب ما يفعله، ولهذا يجب معرفة اهتمامات الأبناء وأصدقائهم وكيف يقضون أوقاتهم، فالمتابعة للأبناء من كثب من أساليب التربية السليمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته”.
وأردف: “فلا يمكن للطفل أن ينشأ في بيئة مليئة بالحب والحنان والرفق أن يتخذ من العنف وسيلة للتعبير عن نفسه، بالإضافة إلى أن هناك نوعا آخر من المشكلات قد تحدث بسبب تأخر الأطفال خارج المنزل مساء كمشاكل النوم عند الأطفال فالمولود حديثا يحتاج إلى 23 ساعة نوم وهذه الفترة تتناقص تدريجيا إلى أن تصل إلى 8 ساعات وذلك بعد سن 18 سنة ففي هذه الفترة تتم عملية البناء للجسم وتزداد قدرات الخلايا العصبية، فإذا وجد جسم الطفل الوقت الكافي من النوم هذا يعني أن تأخر الطفل مساءً في الشارع سيحرمه ليس فقط من الاهتمام بدراسته وإنما أيضا عدم نمو قدراته الجسمية والعقلية، كما قد يسبب له الكثير من مشاكل النوم عند الأطفال منها: الأرق وهو نوع من أنواع اضطراب النوم الذي يصيب الكثير من الأطفال، حيث يعاني الطفل ـ الذي يعاني من اضطراب النوم بسبب الأرق والتكلم أثناء النوم والتقلب طوال الليل وبعدها يستيقظ الطفل دون أن يأخذ كفايته من النوم - من سرعة الانفعال والتهيج والقلق الواضح وشدة التوتر مع صعوبة التركيز وكثرة البكاء”.
ومضى يقول: “ومن هنا ترجع الكثير من مشاكل النوم عند الأطفال إلى عادات نوم غير منتظمة أو للقلق بشأن الذهاب إلى النوم أو الاستغراق فيه، كما أن التأخر خارج المنزل قد ينتج عنه أشياء أخطر كما أسلفنا بذكره سابقا كأن يكتسب هؤلاء الأطفال الكثير من الانحرافات السلوكية أو أن يكونوا عرضة للتحرش الجنسي أو المخدرات وتعلم السرقة والنصب أو الاحتيال وغيرها من انحرافات الأحداث السلوكية”.
**تعرضهم إلى الاستغلال**
من جهته تحدث الدكتور سيف محسن عبدالقوي أستاذ علم اﻻجتماع واﻻنثروبولوجيا في جامعة عدن لـ«الأيام» عن المشكلات اﻻجتماعية الناجمة عن تأخر الأطفال إلى وقت متأخر في الليل بالقول: “المشكلات كثيرة ومتنوعة وبالذات التي تسبب بأضرار في سلوك الأطفال وتعيق عملية التنشئة من أداء وظائفها بالشكل المطلوب بتنشئة الجيل الجديد تنشئة صحيحة تواكب التطور في مختلف مجاﻻت الحياة الأخلاقية والتعليمية والانضباط لنظم السلوك اليومي، أما عن الوضع القائم اليوم وما سبقها من اختلاﻻت في النظم القيمة في سلوك الأطفال والشباب هذه الفئات العمرية تمر بمرحلة من أخطر مراحل التنشئة اﻻجتماعية لأنهم يكونون أكثر عرضة لكثير من الأمراض اﻻجتماعية كالحبوب والمخدرات واللواط وغيرها من البثولوجيا اﻻجتماعية”.
وأضاف: “فاﻻنفلات القيمي والأخلاقي يتيح للمصابين بتلك الأمراض المذكورة سابقا من تحقيق سلوكهم غير السوي بهؤﻻء الأطفال الذين يظلون لفترات طويلة متأخرين عن العودة إلى المنزل في وقت مبكر من أجل مراجعة الدروس وتناول وجبة العشاء في وقتها والنوم المبكر من أجل النهوض من النوم مبكرا لأداء صلاة الفجر والتجهيز للذهاب إلى المدرسة في الوقت المحدد، هذا المفروض أو الواجب الذي يجب أن يكون، لكن ماذا نتوقع من الأسر التي ﻻتتابع عودة أبنائها إلى البيت في الوقت المبكر وﻻ تتابع مراجعة دروسهم وﻻ تعرف هل ذهبوا إلى المدرسة أم ﻻ، كل هذه الأمور وغيرها تلعب دورا مغايرا ضد تنشئة الأطفال واللعب في الشوارع إلى أوقات متأخرة تخلق أمراضا اجتماعية ﻻ حصر لها”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى