اليمن.. «مقبرة» مهاجرين أفارقة يحلمون بالتسلل إلى السعودية (2-2) ملاحقة المتاجرين بالبشر صعبة للغاية في بيئة حكومية وقضائية موسومة بالفساد والمحسوبية والتدخلات

> «الأيام» شبكة أريج

> يواجه المهاجرون الأفارقة مخاطر الموت عند عبورهم الأراضي اليمنية، ولا يسلم الكثير منهم من استغلال المهربين في دروب البحث عن الحياة.
«الأيام» تنشر الجزء الثاني من تحقيق استقصائي أعده الزميل علي سالم المعبقي، بدعم وإشراف شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية).
**رشاوى وعسكر**
تعد جيبوتي محطة عبور أولى للإثيوبيين ومنها يستقلون قوارب تهريب تقليدية إلى السواحل اليمنية. يذكر سعيد محمد (38 عاماً)، وهو ممثل مسرحي إثيوبي حصل على لجوء سياسي في اليمن، أنه أمضى خمسة أيام في جزيرة “هايو” الواقعة ضمن المياه الجيبوتية، قبل أن ينقلهم مهربوهم إلى الساحل اليمني، أحد المهاجرين قضى أثناء الرحلة بسبب الجوع والعطش، وفق ما يستذكر محمد.
اصطياد الأفارقة من الطريق العام بغرض ابتزازهم يكاد يصبح عادة محلية لا تلقى استنكاراً، خصوصاً في ظل ضعف الدور الرسمي في المكافحة وتواطؤ موظفين رسميين وضلوعهم فيه.
ليلة 3 يناير 2012، نزع عبدالعزيز (27 عاما) المقعد الخلفي لسيارة نقل نوع (هايلوكس) وحشر مكانه 11 إثيوبيا بقصد نقلهم، من مجمع احتجاز في ساحل المخاء إلى مديرية حرض على الحدود اليمنية - السعودية.
لدى وصول السيارة إلى نقطة تفتيش، اشتكى أحد أفراد المجموعة الإثيوبية إلى جنود النقطة بأنهم مختطفون، لكن السائق أعطى الجنود بعض المال فتركوا السيارة تمر، وبعد مسافة من النقطة أنزل الإثيوبي المشتكي من المركبة، لأنه الوحيد الذي يتكلم العربية، وفق إفادات الضحايا واعتراف عبدالعزيز للشرطة.
**تقصير في الإجراءات**
تؤشر القضايا التي أتيح لمعد التقرير الاطلاع عليها، وشملت ثلاث جرائم خطف واحتجاز وتعذيب وقتل إلى وجود تقصير في إجراءات التحري والتحقيق الرسمية ونمطيتها، فعلى رغم إفادة الضحايا والشهود بمقتل شخصين في مجمع التعذيب التابع للشرطي غالب، اقتصرت التحقيقات على الجثة التي عثر عليها.
ولم يفتح تحقيق مع جندي بلباس مدني كان بصحبة عبدالعزيز ومساعده أثناء محاولتهما نقل 11 إثيوبيا إلى حرض، كما خلت محاضر المضبوطات من مسدسات ذكر الضحايا أن الجناة هددوهم بها.
**مجمعات التعذيب**
‎مهاجرون أفارقة خلال عملية إنقاذ في الشاطئ
‎مهاجرون أفارقة خلال عملية إنقاذ في الشاطئ

في شهادات أربع من عشر ضحايا وفي السجلات الرسمية، تتكرر الإشارة إلى أسماء مهربين ومتاجرين بالبشر، تصف الشرطة بعضهم بالخطر، ويذكر الشاب الإثيوبي أحمد مهدي (18 سنة) أنه أصيب برصاصة أثناء تبادل إطلاق نار بين الشرطة ومسلحين تابعين لمهرب يدعى عبدالقوي، اسم يرد بكثرة في شهادات الضحايا وفي السجلات الرسمية، ويذكر مقبوض عليهم أنه يمتلك مجمع احتجاز بالقرب من ساحل المخاء محميا بمسلحين، ومنه يتم توزيع الأفارقة على مهربين ثانويين.. ويفيد ناجون بأنهم عذبوا مرتين: الأولى في المجمع التابع لعبدالقوي، والثانية في مجمع غالب زهير.
**إهمال مقصود**
على رغم شهرة المتاجرين بالبشر ومعرفة السلطات بأماكنهم، فإنها لم تتخذ حتى لحظة إنجاز هذا التقرير إجراءات جذرية ضدهم، ويقر مدير شرطة الحديدة العميد محمد المقالح ومسؤولون آخرون بعدم وجود عمليات استباقية أو تنسيق سواء بين المحافظات أو على المستوى المحلي والمركزي.
«بمجرد تحويل ملف القضية إلى النيابة ينتهي دور الأجهزة الأمنية»، يقول العقيد نبيل العزاني رئيس قسم الاعتداء والقتل في إدارة البحث الجنائي في الحديدة، الذي بدا غير قادر على تذكر قضايا حقق فيها ومنها جثة أفريقي عثر عليها على الطريق بين محافظتي تعز والحديدة، ولم تتعرف الشرطة على مرتكبها.. يشتكي العزاني وضباط آخرون من شحة الإمكانات.
يرشح ـ من شهادات ضحايا ومتاجرين ـ وجود جثث عدة غير معروف مكانها، «معي اثنان توفيا البارحة»، يقول أبو رصاص في رسالة نصية بعث بها إلى المهرب عبدالعزير بتاريخ 28 سبتمبر 2012، ولا تعلم السلطات التي تعقبت الرسالة، من هو أبو رصاص أو مكان الجثامين.
‎مهاجرون أفارقة في اليمن
‎مهاجرون أفارقة في اليمن

**سباحة ضد التيار**
«ننحت في الصخر بحثاً عن أدلة»، يقول العقيد محمد الطيار رئيس قسم الاعتداء والقتل في البحث الجنائي في تعز، ويشكو العقيد الطيار من صعوبات تواجه من يحاول «ملاحقة متاجرين بالبشر في بيئة حكومية وقضائية موسومة بالفساد والمحسوبية والتدخلات».
وعلى رغم الإغراءات التي قدمت إليه - وفق ما يقول من دون أن يحددها - إلا أنه أمضى ثلاثة أشهر في جمع الأدلة في قضية قتل أفارقة، وصولا إلى ضبط المتهمين مع السيارة والسلاح المستخدم، لكن بعد إحالة المتهمين إلى النيابة في 2012، تم الإفراج عنهم.
«لا أعلم كيف تم إطلاقهم»، يقول العقيد الطيار بحسرة، مشيراً إلى أن سيارة المتهمين لا تزال محتجزة في إدارة البحث الجنائي.
خلال النصف الثاني من 2014، عثرت شرطة مديرية موزع في محافظة تعز على جثتي أفريقيين وقد نهشتهما الكلاب.
ويقول مدير الشرطة العقيد فهد الخليدي إن معلومات أدلى بها إثيوبي وصومالي تعرضا للتعذيب، قادته إلى تحديد المتهم بالقتل ومكانه بحيث قبضت الشرطة عليه في ديسمبر الماضي، لكن السلطات في تعز أفرجت عنه.
العقيد الخليدي يقر بأنه ترصد للمتهم في الطريق العام ولم يستطع القبض عليه في مكان الاحتجاز الذي يديره «لأنني لا أملك القوة العسكرية الكافية»، كما أن الاستعانة بقوة من الجيش «طريقها طويل ومليء بالإجراءات البيروقراطية»، ويستذكر كيف طلب منه القائد العسكري في المنطقة إبراز رسالة من رئيس اللجنة الأمنية العليا في المحافظة التي يحق لها وحدها تقرير الاستعانة بالجيش.
ويقدر العقيد الخليدي عدد المسلحين لدى كل متاجر ومهرب بين 10 إلى 15 مسلحاً، ويشير إلى وجود أعين لمهربين ومتاجرين داخل الأجهزة الأمنية، مهمتها تسريب المعلومات عن أية مداهمات تعتزم السلطات تنفيذها، على أن مدير البحث الجنائي في تعز العقيد جمال شمهان يجادل بأن الأدلة لم تكن كافية، فيما أبدى مدير شرطة محافظة تعز العميد مطهر الشعيبي جهله بالقضية وبأسماء متاجرين آخرين يقعون في نطاق محافظته.
ويشتكي شمهان من عدم وجود مندوبين للبحث الجنائي في بعض مناطق التهريب والاحتجاز الواقعة بين المخاء وباب المندب، كما أن بعض المتضررين والشهود يمتنعون عن الإدلاء بشهاداتهم خوفا على حياتهم. وهو يرى أن القضاء على ظاهرة المتاجرين بالبشر تتطلب قوة لا تتوافر لدى البحث الجنائي والشرطة.
يؤيده في الطرح مدير مديرية الزهرة عبدالرحمن الرفاعي الذي يشير إلى قدرة المتاجرين على التلاعب بالأدلة وامتلاكهم القوة لمقاومة السلطات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى