لكل زمان مضى آيـة وآية هذا الزمان الصحف

> د. هشام محسن السقاف

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
تجربة العودة الثانية لـ«الأيام» مطلع التسعينيات من القرن تزامنا مع إعلان الوحدة اليمنية انشداد مدروس لمدرسة الصحافة العدنية قبل الاستقلال في نوفمبر 1967م برؤى التأكيد على أصالة ما خطته الصحيفة على عهد عميد الأسرة المؤسس محمد علي باشراحيل ـ طيب الله ثراه ـ دون إغفال حالة السريان المستمر للزمن، وميلاد جيل أكثر بكثير عن من ارتسمت في ذواكرهم صورة «الأيام» الأولى لتتواكب الصورتان معا أو بعبارة أخرى (أصالة تتجدد) وبمعطى اليوم الحاضر.
احتفظت الصحيفة بمنهج (صحيفة الخبر) بمهنية عالية؛ وحتى (الاكليشة) و (المانشيت) ظلا كما كانا مع ما أحرزه التقدم العلمي من تحسينات ظلت تلازمها بنمط الكتابة وصولا إلى التلوين والحجم والصورة والكاريكاتور.
ومما يبعث على السعادة أن المؤسس قد تطلع بعين الرضا لدورة الحياة الثانية لـ«الأيام» التي حفر في الصخر لإخراجها إلى الملأ في العام 1958م، وبعبقرية العصامي المجتهد تبرز «الأيام» عنوانا للصحافة العدنية في تلك الفترة.
ورغم هرطقات كتبة الشارع الرسمي بعد الاستقلال، فإننا في بحثنا في صفحات ما يكتب الأب المؤسسي في تلك الفترة لم نجده إلا انحيازا كاملا لفكرة الثورة والاستقلال والوطن وحتى القومية العربية وعبدالناصر، ولأننا إزاء تقليد مهني عميق لم تستطع فترة الانقطاع المفروضة من 67 – 1990م أن تمحوه من أبجديات أصحاب المهنة؛ فإن الدورة الثانية لـ«الأيام» وقد تصدى لمعطياتها الأخوان هشام وتمام باشراحيل، وعين والدهما المؤسس ترقب كل نقطة حبر في الصحيفة لفترة لم تدم كثيرا؛ لتكون الصحيفة بين يدي القارئة الأولى قبل أن تصل إلى القراء، في الصباحيات المبكرة وأعني السيدة الجليلة أم هشام وتمام الحاجة سعيدة جرجرة ـ رحمها الله ـ قراءتها المتفحصة والمتمعنة كحارس أمين على نهج الصحيفة ومسارها المتطور.
تدرك الصحيفة أن مكانها – في سيرورتها الثانية – كانت دائما مع الناس ومعاناتهم أين ما كانوا في أرجاء الوطن، فالتزمت خط الجماهير بتأصيل منهج الخبر، استقباله ونقله بمهنية عالية، بعيدا عن الإسفاف أو كشف المحرمات أو الدخول في مهاترات شخصية أو لأسباب شخصية.
هذه الرصانة والحصافة لن تكونا سببا في رضا حاكمين كان دخولهم إلى الديمقراطية ـ كما يدعون ـ دخول شقيّ إلى الصلاة بدون نية ولا حتى وضوء.
فكم رأينا من صحف صفراء ترعاها جهات الحكم ما جاءت إلا للإسفاف والتشويه والتعرض للمحرمات، وكما خرجت إلى الناس خروجًا مشوهًا من دهاليز الأمن السياسي والقومي وسواهما، أفلت في عيون الناس واحترقت صفحاتها كما القائمون عليها.
بينما ظلت «الأيام» برزانتها ومهنيتها العالية تشكل غصة في حلق النظام السياسي المتلفع ـ إلى حين قصير ـ برداء الديمقراطية والديمقراطية منه براء.
كان شارع الصحافة حكرا على «الأيام» بترمومتر متصاعد بلغ أكثر من 70 ألف نسخة يوميا، بينما لم تتجاوز صحف النظام الرسمية العشرين ألفا رغم الاشتراك المفروض على مؤسسات الدولة، ويقال مثل تلك النسبة للصحف الحزبية الكبرى وهي أسبوعية الإصدار بينما «الأيام» تنقلت في خانات الأسبوع من مرة واحدة إلى مرتين وصولا إلى يومية الصدور.
كان الناشران يمتلكان حسًا صحفيًا مرهفًا، يستطلع ويستقرئ ويتشاور قبل الانتقال إلى الخطوة التالية في مسيرة الصحيفة سواءً بالانتقال إلى الإصدار اليومي والتطوير الشكلي للصحيفة عن طريق الألوان. وكلما ازدادت خطى الصحيفة رسوخًا في قلوب وعقول المحبين لها تضاعف الحقد من حولها وجله يأتي من رأس هرم السلطة.
كانت حرب اجتياح الجنوب في صيف 1994م واحدة من الكوارث التي زلزلت الحياة العامة في الجنوب وواحدة من المخططات الكامنة في صور هيكل الحكم الشمالي لتصفية الجيش الجنوبي الذي ألحق الهزيمة تلو الأخرى بالجيش القبلي في حروب ما بعد الاستقلال وتحديدا في العام 72 و 1979م؛ متماشيا الأمر مع مخطط امبريالي صهيوني لضرب الجيوش الوطنية التي ساهم الاتحاد السوفييتي في بنائها في تمديد الدول.
وهنا يمكننا أن نكتشف زيف الأقنعة التي وضعها نظام الجمهورية العربية اليمنية على وجهه القبيح بدعائه الباطل للوحدة اليمنية ورفعها شعارا على رأسه وكأنه الحمار يحمل أسفارا.
كان الاحتلال الأول للجنوب عام 1994م علامة فارقة في ديناميكية وتحرك الصحيفة في قلب الأحداث؛ فمن داخل قوالب المهنية والحصافة الصحفية كانت قادرة بإرادة القائمين عليها بعرض واستعراض وقائع الجمر التي عاشها الجنوب عامة وعدن على وجه الخصوص؛ دون أن نغفل حصة بقية أرجاء الوطن من المتابعة والعرض. فقبل أن يجف دم الشهداء كانت مقالة المفكر الكبير أبوبكر السقاف عن (فتح الجنوب) على عدة أجزاء تزلزل أركان النظام، ثم اتسعت مساحة الرأي لتبرز أقلام منافحة ومكافحة على رأسها الأستاذ نجيب اليابلي ود. محمد علي السقاف والأستاذ علي هيثم الغريب والأستاذ أحمد عمر بن فريد والأستاذ فاروق ناصر علي.. وغيرهم كثير إلى جانب الأقلام المرتبطة بالصحيفة مثل الأستاذ الكبير عبده حسين أحمد.
ومن وراء هؤلاء ومن أمامهم أيضا كانت أسرة «الأيام» برائديها هشام وتمام وأبنائهم من الجيل الثالث تتحمل أعباء باهضة في مواجهة إرهاب دولة علي عبدالله صالح الذي يدرك أن الحراك في الجنوب قد أشعلت جذوته صحيفة «الأيام».
كان الاعتداء الأول على دار الصحيفة في صنعاء مخططا بوليسيا ينتمي لمدرسة (جستابو) الرهيبة في ألمانيا، مستهدفا رأس الصحيفة وعقلها المفكر هشام باشراحيل، وما كان لأسطورة فدائية عركت الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان الفدائي البطل – أحمد عمر المرقشي- إلا أن يصد العدوان الغادر على الدار، ليصبح أشهر أسير جنوبي في سجون صنعاء فك الله أسره.
ثم تتكرر الاعتداءات بالحصار وباستخدام القوة العسكرية لإسكات صوت «الأيام» الحر والأبي.
اليوم.. تعود «الأيام» بريادة الجيل الثالث من الأبناء بقيادة ومعرفة وخبرة الأستاذ تمام محمد علي باشراحيل. بينما ستظل نفحات وروح هشام باشراحيل ترفرف في أرجاء الدار التي شبهتها يوما بدار (أبي سفيان) من دخلها كان آمنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى