حكايات جزء من اليوم

> يكتبها : علاء عادل حنش

> الحُبُ يولد فجأة !! .. (1)
علاء عادل حنش
علاء عادل حنش
يعيش هذا الشاب في أجواء العمل الذي يهواه، وغالبًا يؤدي عمله بكلّ تفانٍ، فهو يعتبره أُكسجينه الذي لا يستطيع العيش بدونه، لكن لا يعني بأنهُ لا يتكاسل أحيانًا، فهي فطرة كلّ بني آدم.
في يوم من أيام عمره، وقبل أن يتخرج من الجامعة، ذهب ليحضر محاضرة في تدريب ما، وهو على وشك دخوله قاعة الدرس، فصادف بالصالة الخارجية للمكان فتاة كان يعرفها في السابق معرفةً سطحية، ولم يكن يأبه لها قط، بل إنهُ كان لا يطيقها، وحتى هي كانت لا تطيقه رغم إنهما إذا التقيا صدفة يسلمان على بعضهما سلام الخصم للخصم.. والعجيب أنهما يضحكان لبعض، وقد وصلا لهذه المرحلة من التنافر بسبب اختلاف آرائهما ووجهات نظرهما، فهما يعتقدان بأن كلا منهما خصم للآخر.
ما يهم.. فور وصول الشاب أمام قاعة الدرس بادرت الفتاة بالتحية له، فرد الشاب بالتحية بأسلوب يحمل ازدراء، وبعدها دخل القاعة.. حينها لم يأتِ الأستاذ بعد، فظلّ الشاب لبرهةً من الوقت يكتب ويدون أفكاره، وبدأت القاعة الدراسية بالامتلاء رويدًا رويدا، وفجأة دخل الأستاذ، ودخلت تلك الفتاة بعدهُ مباشرةً، ولسوء الحظ جلست الفتاة بالكرسي المقابل لهذا الشاب، كان الشاب ينظر لها في أول ولهة بنفس نظرات الازدراء السابقة، بينما الفتاة تشعر بالضيق بسبب شدّة ارتفاع درجة الحرارة بالقاعة، بل في المدينة كلها، فهما يعيشان في مدينة تنخفض كثيرًا عن سطح البحر، ولهذا تجد درجة الحرارة مرتفعة دائمًا.
بعد أن ظلت الفتاة لدقائق تضجر وتتقلب يمينًا وشمالًا فجأة تزيل اللثام الذي كان يغطي وجهها، فارتسمت ملامح وجهها الفاتن جيدًا أمام الشاب الذي لم يكن يراها جيدًا وهي بدون لثام في أيام لقائهما بسبب عدم جلوسهما معًا ولو لدقائق، فقد كانا عبر وسائل التواصل يختلفان بآرائهما، وحين يلتقيان لا يتحدثان حتى لدقيقة واحدة!!
لبست الفتاة نظارتها السوداء، وصوبت تركيزها نحو حديث أستاذ المادة، لكن الشاب المسكين ظلّ متعجبًا ومنذهلًا من جمال الفتاة، وتلاطمت في ذهنه أسئلة عدة، أين كنت من جمال هذه الفتاة البديع؟!.. أكانت عيناي مغلقتين لهذه الدرجة؟! .. لماذا لم يكن بي فضول لمعرفة شكلها؟!.. أيُعقل أن يكون الاختلاف في الآراء أعمى لهذا الحد؟!.
ظلّ الشاب يحدق بالفتاة، ويتأملُها جيدًا، حتى أن مشاعر الحُب بدأت تتحرك في قلبه.. أما جمال الفتاة فلم يكن بالجمال العادي، بل كانت كالحمل الوديع تجلس في زاوية القاعة، فهذا وجه مرتسم يملأه البياض بقليل من الحمرة، وهذه أسنان بيضاء ناصعة البياض، وهاتان يدان كأنهما حرير، وكانت الفتاة بمجملها لا ينقصها شيء، فهي تمتلك قامة رشيقة، وبالأرجح تعادل طول الشاب.
استمر الشاب في تحديقه في وجه الفتاة، حتى أنها انتبهت له، وتظاهرت بأنها لا تراه رغم أنها كانت تفتعل حركات لتراه دون أن ينتبه إليها، ولكن الشاب كان ذكيًا.
استمر حالهما لساعات، واستمر تبادل النظرات التي توحي بالحُب ولا شيء غير الحُب، حتى جاء وقت الاستراحة فلم يتزحزح أحد من مطرحه، وظلّا يتبادلان النظرات وهما يتناولان وجبتهما، وكأنهُ الحُب يا أصدقاء الذي أصاب الشابين؟!
بعد انتهاء اليوم الدراسي والجميع على وشك مغادرة القاعة إذا بالشاب يتجرأ ويقوم ويأخذ ما سقط من الفتاة عنوة (..…) التي كانت تنوي البحث عنه لكنها كانت خجولة ممن في القاعة، وحين ناولها الشيء الذي سقط منها قالت له (شكرًا لك) والخجل يغطي ملامح وجهها، والشاب لم يكن بتلك الجرأة فلم يقل لها حتى عفوًا، وغادر القاعة وهو متحسر من ردة فعله السلبية.
عاد الشاب لمكان عمله بعد انتهاء اليوم الدراسي، والفتاة لم تفارق تفكيره قط، حتى أن الشاب نطق اسمها بالغلط وهو على متن الباص، وحتى وهو يمارس عمله، وكأنما هو الحُب بصدق وإخلاص.. لكن أيُعقل أن يحب الشاب تلك الفتاة التي كانت في قاموس المحترمين لديه، وبعدها - بتصرف طائش منها، واختلاف في رأي - خرجت من قاموس الشاب نهائيًا، وأصبحت منبوذة من قاموسه، وفجأة تتنقل وتتخطى الفتاة كلّ قواميس الشاب، وتعدت قاموس المحترمين وقاموس الأعزاء وقاموس المفضلين لهذا الشاب حتى وصلت - خلال نصف يوم - إلى الخانة التي لا يوجد بها إلا (والدته ووالده، وإخوانه وأخواته) لتجتاح الفتاة هذا القاموس والذي يسميه الشاب (قاموس من أحبهم وأعشقهم بجنون)؟!.
في اليوم الثاني استيقظ الشاب مُبكرًا، فقلبهُ مشتعل بنار الحُب، ولكن لسوء الحظ تأخر بسبب المواصلات المُنعدمة، وعدم وجود الحافلات إلا بعد عناء..
دخل الشاب القاعة وهو عازم على فعل شيء ما ليُبيّن للفتاة حُبه أو إعجابه بها، ولكنهُ كان خائفًا، وقد أحضر لها شيئا هي طلبته منه سابقًا، وكان يريده كمدخل للحديث معها، ولكن الشاب فشل في ذلك.
انتهت الفترة الأولى من اليوم، ثم الثانية ولا جديد مع الشاب، وفي نهاية الفترة الثالثة طلب منها - بعد أن انفضّ الجمع من القاعة - شيئا يدخل في عمله، فهما يعملان في مجال واحد، ووافقت الفتاة، حيث سيقومان بالتواصل هاتفيًا، لكن لا جديد بخصوص ما يود البوح به، ليتكرر فشل الشاب في آخر يوم دراسي.
وفي آخر دقائق الوقت، وهي تمر بجواره ودون أن يشعر ناداها باسمها وكان يود الخوض في الحديث لكنها قاطعته، وقالت له “سأذهب ﻷصلي”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى