حكاية مكيّف

> مازن رفعت

>
مازن رفعت
مازن رفعت
عادت الكهرباء، حاملة معها فرحةً يتيمةً عمياء، تتسابق فيها مكيّفات المنازل في تبريد الأرجاء، إلا مكيّفه لم يعمل، تهتف زوجته بجفاء:
- يا إلهي! لماذا لم يعمل المكيّف؟
تنهد هو ويجيب باستياء: تعطل!
- خذه إلى المهندس فورًا! فلن نتحمل النوم في هذا الحرّ!
يذهب بالمكيّف إلى المهندس الذي يخبره أنه سيصلحه غدًا بسبب انشغاله في تصليح مكيّفات الحي.
- تهتف زوجته: غدًا؟! أسنبيت الليلة دون مكيّف؟!
حسبنا مروحة السقف!
- مروحة السقف لا تبرّد ولا تلطّف الجو، بل تحرك الهواء الساخن وتجعله أكثر سخونة!
الصبر يا حبيبتي.. الصبر!
- الصبر لا يبرّد أيضًا!.
***
عندما تنقطع الكهرباء، لا صوت يعلو فوق صوت المولدات، وغازاتها التي تخنق السماء، عندما تنقطع الكهرباء، تحتضر الحياة بصوت الرضّع الذي يشتد بالبكاء.. يحاول هو استحضار النوم، لكن هذا الأخير لا يحضر في سيادة الحرّ، أطفاله يئنون من شدة وطأة الرطوبة عليهم، نحيب زوجته المكتوم، جعله يسد أذنيه بالمخدة، ويشد من غمضة العين، لكن دون جدوى، تسللت الأصوات إلى قلبه وعصرته ألمًا، كتم صرخة ارتج لها عرش قلبه، واهتزت لها قضبان صدره.
***
عاد بالمكيّف وسط فرحة أولاده، وزغاريط زوجته، وراحوا يهتفون بالعدّ التنازلي لميعاد عودة الكهرباء:
- 5، 4، 3، 2، 1.. هيييييييه!
عادت الكهرباء، وعاد المكيّف للعمل، لكن فرحتهم وئِدَت، تعطل المكيّف مجددًا، صرخت زوجته منهارة:
- لا!
بلع قهره بصمت، ثم تمتم:
سأعود به إلى المهندس و..
- وماذا؟ أتمزح؟!
ما باليد حيلة!
- أنا وأطفالي لن نحتمل ليلة أخرى دون مكيّف!
لا تقلقي سأجعله يصلحه اليوم!
يذهب بالمكيّف إلى المهندس، ويعود به مستبشرًا وهو يقول:
الحمد لله كان العطل بسيطًا، وقد جربته عنده!
شغّل المكيّف، لم يكادوا يستنشقون البرودة حتى انقطعت الكهرباء، عادت بعد ثلاث ساعات جهنمية، لكن المكيّف لم يعد، حاول معالجته بضربه بقبضته، لكن دون جدوى، قالت:
- اشترِ مكيّفًا جديدًا!
أجننتِ يا امرأة؟ أتعلمينَ كم يبلغ ثمنه؟
- استدن!
لدي من الديون ما يفوق عمري!
تصرخ وهي منهارة:
- أريدُ مكيّفًا جديدًا!
يصرخ هو الآخر: كلا!
- إذن طلقّني!
ماذا؟! لابد أن الحرّ أفقدك عقلك!
- هو كذلك!
استعيذي بالله يا امرأة واصبري، فالصبر طيب!
- كلا، لم يعد الصبر طيبا!
تعوذي بالله يا امرأة!
- إما أن تشتري لي مكيّفا جديدا أو تطلقني!
إذن، فأنتِ طالق!
بكت بحرقة، لمّت حاجاتها، أخذت أولادها، وذهبت إلى بيت أهلها. بقي هو، وحيدًا، حزينًا، حائرًا، مكبّلًا، أنى له بمكيّفٍ جديد، وراتبه لايزال رضيعًا لا يقوى على مجابهة وحوش الغلاء، شكا حاله لصديقه الذي نصحه: دعها وشأنها وقبل أن تنتهي العدّة بأيام ارجعها، يكون الجو قد اعتدل!
تهللت أساريره وهو يقول: صدقت والله! سأفعل ذلك!
خفّت وطأة الحرّ، أرجعها، نسيت هي المكيّف، لكن ليس طويلًا، فعمر المناخ المعتدل قصير، سرعان ما عاد الحرّ هائجًا كاسرًا، عادت هي تطالب بمكيّفٍ جديد، رفض هو بعناد، طلبت الطلاق فطلقها، لكن ما لم يحسب حسابه أن العدّة ستنتهي قبل انجلاء الحرّ، حاول إرجاعها، فاشترطت لعودتها أن يشتري مكيّفًا جديدا، وبعد طول صراع رضخ للأمر، استدان واشترى مكيّفًا جديدًا، عادت هي فرحة إلى المنزل، انتظروا عودة الكهرباء ليشغّل المكيّف الجديد، الذي احتضنهم ببرودته، انقطعت الكهرباء، لتشتت شمل البرودة، هتفت:
- لم تكمل عشر دقائق!
لا تحزني حبيبتي، أنتِ تعلمين أن الكهرباء ليس لها موعد ودائمًا ما تباغتنا بانقطاعها!
أدمعت وهي تقول:
- كنت أريد أن أعيش البرودة الجديدة!
احتضنها وقال: اصبري حبيبتي، هي ثلاثُ ساعات!
مرت خمسُ ساعات، عادت بعدها الكهرباء، هتفت به:
- أسرع، شغّل المكيّف!
أسرع هو لكن الكهرباء كانت أسرع عندما انقطعت، نظرت وهي مصدومة له، فقال لها مصطنعًا ابتسامة: الصبر حبيبتي!
- الصبر؟! لقد فر الصبر مع الكهرباء! طلقني!
أجننتي؟! ستكون الطلقة الثالثة!
- لم أعد أحتمل العيش في هذا الجحيم!
هو جحيمنا معًا!
- جحيمك أنت! أما أنا وأولادي فلن نعيش فيه!
عادت مع أولادها إلى بيت أهلها.
***
عندما تنقطع الكهرباء، تعيش الإنسانية في بغاء.. عندما تنقطع الكهرباء لا يعود للحياة بقاء.. طُرِقَ باب منزله، يفتح الباب، يتسلم فاتورة الكهرباء، يلقي عليها نظرة باستياء، يجد رقمًا مغطى بالأصفار، كُتِبَت أسفله عبارة تقول: “الرجاء دفع فاتورة الكهرباء وإلا سيتم خلعك من زوجتك”!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى