عدن مدينة خالية من السلاح

> د.هشام السقاف

>
د.هشام السقاف
د.هشام السقاف
في رائعة أنطون تشيخوف (بستان الكرز) في لحظات إسدال الستارة تبصق استقراطية روسية على وطنها الأم وهي تغادره إلى الغرب، بينما الخادم العجوز و المطيع حد التماهي في عبوديته يظل متشبثا حابا هذا الوطن العظيم.
اليوم، المتشبثون بالتراب و حب الوطن قد نذروا أنفسهم للاعتلاء على جراحاتهم وما أكثرها.
لكن اللافت أننا الاستثناء في حالة الدمار الممنهج للأوطان العربية تحت مسمى الفوضى الخلاقة التي لن أجد أحسن مما أظهره الأستاذ نجيب اليابلي وقاله عنها بأكثر مما قال مالك في الخمر، إننا الشعب الصبور و الصابر الذي لا تجد في قاموسه لا نزوح ولا لجوء و لا تيه خارج الوطن بينما يطول الاغتراب المرفه للتوليفة الحاكمة أو من هم في مستواها المالي من الاستقراطية المالية وحيتان المرحلة حتى راجت قصص شبيهة بقصص ألف ليلة و ليلة عن زيجات أسطورية في فنادق القاهرة دون خوف من الله أو حياء من الناس.
أما شكل و نوع المعاناة في المناطق المحررة فحدث عنها ولا حرج، تقنية عالية من الإفقار المتعمد لقطاع عريض من المواطنين ممن يسعون بين الإدارات والمكاتب بحثا عن رواتبهم و تسوياتهم وترتيب أوضاعهم من المتقاعدين العسكريين والأمنيين شرارة الحراك الثوري التحرري في العام 2007 م ومثلهم من المدنيين ومن أسر شهداء الحرب و الجرحى.
ليس هذا فحسب بل تزداد معاناة المواطن من لغز الكهرباء والماء والمشتقات النفطية وتردي الخدمات و ارتفاع الأسعار بصورة متوالية ... الخ مما يجعلنا نتساءل أليس في هذا الوطن من رجل بحجم الرئيس الراحل الشهيد قحطان محمد الشعبي والشهيد المناضل فيصل عبداللطيف الشعبي ثم الرئيس الشهيد أيضا سالمين ممن كانوا أنموذجا للحاكم والقائد الملتحم بالشعب لتنفيذ أهداف وطنية مبرأة من الذاتية المفرطة ونفسي ومن بعدي الطوفان وهي الثقافة السائدة اليوم، في مشهد يدلنا بوضوح و دون حاجة لفانوس سقراط أن التحرير لا يكتمل برحيل المحتلين فقط وإنما أيضا - وهو الأهم - باجتثاث السلوكيات والثقافات المزرية التي خلفها الاحتلال في مداه الزمني الرديء منذ الاحتلال الأول عام 1994م بالحرب الانتقامية والتي دخل على أساسها رأس النظام في الشمال الوحدة زورا و بهتانا و قلبه يغلي حقدا على الجنوب و جيشه الأسطوري المصنف ثاني جيش في المنطقة بعد جيش العدو الصهيوني والذي جرعه مرارة الهزيمة مرتين. لكنه لم يكتف بالقضاء على الجيش المغوار بالتعاون مع قوى عالمية لها ارث مع الجيوش التي ساهم الاتحاد السوفييتي ببنائها، وإنما نقل كل ثقافة تزاوج القبيلة والجيش والمال السياسي القائم في الجمهورية العربية اليمنية إلى الجنوب ظانا ظن السوء أنه بهكذا طريقة شيطانية يفقد الجنوب أي مقومات للنهوض المستقل مرة أخرى. وكما وقع حكام الجنوب بالهرولة وراء الوحدة عام 1990 م دون قراءة واعية للعقلية الحاكمة في الشمال تاريخيا و سيكولوجيا والتي تنظر للتهائم الزراعية جنوب صنعاء على انها مناطق مفتوحة تجوز عليها الجزية وما يتبع ذلك، فأن أدوات الحكم المتخم بنشوة النصر في 1994م قد جعلته في تيه من أن يدرك الطبيعة النفسية و الاجتماعية لإنسان الجنوب والتي من المستحيل أن تذعن إلى ما لا نهاية لعنجهية اللا دولة وقد اعتادت على أنماط من الحياة المدنية والإدارية المتنافية قانونا و سلوكا مع تحالفات القبيلة والعسكر.
اليوم لازالت قرون الشياطين تطل من بين تصرفاتنا و تحركاتنا في هذه المدينة (الدولة) عدن العريقة التي لا تريد أن يتباكى عليها الكل على صفحات التواصل الاجتماعي و أن يدعي الكل بها وصلا كالمجنون وليلى، بل هي تريد عودة مظاهرها المدنية و المدنية الخالية من المليشيات ولعلعة السلاح والفوضى في السلوك اليومي من حمل السلاح والتظاهر به و دوس بعض الأطقم للمارة كما حدث للدكتور خالد الشعيبي - عليه رحمة الله - وليس آخرها ابن الصحافي الأستاذ محمد علي سعد، ناهيك عن فواجع الرصاص الراجع والاقتتال بين المتنازعين والذي يذهب ضحيته أبرياء في كثير من الأحيان.
لمن يحب الجنوب و عدن عليه أن يسلك السلوك المدني الحضاري الذي هب أبناؤنا في الحرب الأخيرة للاستشهاد من أجل إعادته ثانية إلى عدن و الجنوب وتمثله بأخلاقيات ترقى إلى المدنية و الامتثال للقانون والسير على هذه الأرض المخضبة بدماء خيرة الشباب والرجال بدون خيلاء وغطرسة ورصاص و سلاح و مليشيات لأننا لن نجد فرقا بين من يجنحون إلى ثقافة المحتلين والمحتل نفسه حتى إن كان الفاعل جنوبيا بامتياز.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى