في دفتر الحضور

> أحمد حسن الزعبي

>
أحمد حسن الزعبي
أحمد حسن الزعبي
في الصفوف.. رذاذ الطبشور، ودفتر الحضور، وأسماء محفورة على المقاعد، وقلب حبٍ رسم على الجهة الشرقية من الباب.. في الصفوف.. رؤوس أقلام سقطت في معركة الحرف، وواجبات النسخ.. ومشاغبات شهية بعد تأخر المعلّم دقائق معدودة.. في الصفوف دروس مُحضّرة، دفاتر مُسطّرة، وحقائب جديدة في السنة الجديدة.
في أواخر الصيف.. في كلّ الدنيا يحمل الاولاد حقائبهم ويتوجهون الى المدرسة، إلا الطفل السوري يحمل حقيبته ويبحث عن وطن.. ينظر إلى كل الذاهبين الى دروسهم بعين حزينة بعد أن صار درسًا متنقلًا وفصلًا بحمّالتين، هو المشتاق لكل شيء.. لزيّه الموحّد، لأصحابه في المدرسة، لجرس الثامنة، للحصة السابعة، لشريكه في المقعد، لدكّانة “أسعد”.. للنشيد الصباحي، لنصف “السندويتشه” التي يتقاسمها مع أخيه الأصغر، لاسمه المكتوب في رأس الدفتر، للنوافذ المكسورة، لصوت الريح التي تسترق السمع في حصة التلاوة.
ما زال مقعده شاغرًا، واسمه في “اضبارة” الانتساب؛ شهادة الميلاد، وكرت التطعيم، وصورة دفتر العائلة، كلها موجودة في خزانة المدير.. لكن سكرتير المدرسة كتب بخط أحمر فوق اسمه: “مجهول المصير”.
في أواخر الصيف.. ملأ حقيبته بالطعام والملابس الخفيفة ثم حملها على ظهره كما كان وغادر، ترى ماذا يريد بكراريس الحلول بعدما تناثرت كتبه المدرسية بين الحدود.. العربيَّ تمزّق بين الأسلاك الشائكة، وتطاير فصلًا فصلا، منها ما عانق شوك الصحراء، ومنها ما تدحرج بين كروم الألغام المُثمرة، كتاب التاريخ سقط في البحر وغاب، كان من الممكن أن يطفو على السطح لو لم يكن ثقيلًا وقاسيًا.. العلوم داسه حرس الحدود الأوروبي أثناء المطاردة، الجغرافيا لم تعد ذات ضرورة بعد أن زارت قدماه نصف الكرة الأرضية بحثًا عن وطن.. الحساب نسيه في بلده فهناك جداول الضرب لا تنتهي والقسمة لا تقبل إلا على واحد.. الانجليزي والفرنسي كانوا كُتبًا من حبر وورق.. صاروا سُترَ نجاةٍ من الغرق.
في نهاية الصيف.. في كل الدنيا يتقافز الاولاد في الأزقة فرحين يغنون “للحلّة ويتبادلون الحلول من الدفاتر.. إلا الطفل السوري.. فقد كُتب اسمه في دفتر الحضور “مهاجر”!!”.
* نقلًا عن شبكة شام

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى