حُجيف.. بين الماضي والحاضر

> جمال حسين عبدالباري

> منذ القدم عُرفت حجيف كميناء آخر من وراء سلسلة الجبال غير ميناء عدن، حيثُ كان محصناً من الرياح من كل جانب، وهي تعتبر حلقة وصل لهذا الميناء العريق.
وحجيف كان يوجد فيها بمحاذاة الساحل البحري مرسى صغير (دكة)، والذي صار الآن (ميناء الاصطياد) والذي تديره وزارة الأسماك.
وتؤكد بعض المصادر التاريخية أن اسم حجيف قديم جداً بخلاف اسم التواهي التي كانت حينذاك تعتبر مدينة حديثة نَمتْ خِلال القرن التاسع العاشر.
وقد أثبت (الكابتن هينس) اسم حجيف في خرائطه وتقاريره (إنها منطقة تتمتع بموقع مهم بين سلسلة الجبال كما تعد ميناء محصناً من الرياح). ولذلك فهي تعتبر ضمن الشريط الساحلي الممتد لميناء عدن الزاخر بالخيرات، والذي يُطلق عليه تاريخياً بالثغر اليمني الباسم. وميناء عدن يعتبر البوابة الرئيسية لمُلتقى السُفن القادمة من الشرق والغرب، وذلك لمكانتها المهمة في التاريخ القديم والحديث وعلى مرّ العصور القديمة استخدم هذا الميناء للتجارة والسيطرة السياسية.
وعندما جاء الاحتلال البريطاني مُستعمراً لعدن في 1839/1/19م استغلوا موقعها ومضيقها (باب المندب الاستراتيجي)، وحولوا التجارة إليها بحكم إمبراطوريتهم التي لا تغيب عنها الشمس، وأصبح ميناؤها يُعد من أهم الموانئ الاستراتيجية في العالم، والذي كان يقوم بتموين البواخر والسُفن بالزيت والوقود والمواد الغذائية، ولذلك اعتبر الميناء المثالي لتقديم الخدمات البحرية والتبادل التجاري (الترانزيت)، حيث ازدهرت عدن ونمت في أيامهم وصارت من أرقى وأهم مُدن الجزيرة العربية.
ونظراً لأهمية (حجيف) جعلها الإنجليز هي المنطقة الصناعية، فشيدت فيها المستودعات، والأحواش والمخازن الهائلة لخزن الفحم الحجري كوقود للسفن. وفي بداية القرن العشرين عند استبدال الفحم بالوقود السائل (الديزل) بُنيت في حجيف خلال الفترة ما بين 1929 - 1931م أربع محطات كهربائية، مع منشآت صناعية صغيرة وخزانات، كما بُنيت وحدات سكنية للعمال.
وكان لحجيف البداية الأولى في إنشاء أول محطة كهربائية في اليمن تأسست في 26 أغسطس 1926م وعُرفت عند العامة “باور هاوس” أي بيت الطاقة التابعة لمؤسسة الكهرباء العدنية. وكان يوجد فيها دكة مشهورة قامت عليها أرصفة، ومستودعات مع بناء شركة أحواض السُفن العدنية، وهذه كانت تقوم بترميم السُفن العابرة في الميناء، وتوجد بقربها خزانات النفط العملاقة القريبة من (حي حافون) وتم إزالة الكثير منها بعد منتصف التسعينات، وبقي منها على أطراف جبال حجيف التي لازالت ظاهرة للعيان تستخدمها حالياً (مصافي عدن) لحفظ الوقود لتموين السُفن البحرية.
كما يوجد أقدم مسجد في منطقة حجيف بني في عام 1900م ويسمى (مسجد الشاذلي) ولا زال إلى يومنا هذا قائماً وتصدع منارته بالأذان ولله الحمد.
ثم جاء تحقيق الاستقلال المجيد عن بريطانيا في 1967/11/30م بعد كفاح مسلح وتضحية بالأرواح وسقوط مئات الشهداء من شعب الجنوب الأبي.
ويجب ألا ننسى حرب عام 2015م فإن تُربة حجيف امتزجت فيها دماء الشهداء الزكية من رجال وشباب والذين منهم دُفنت أجسادهم الطاهرة في مقبرتها الواقعة خلف (مسجد الشاذلي) ومنهم رجال نعرفهم ومنهم من لا نعرفهم، ولكن الله يعرفهم، رحمة الله عليهم، حيث ثبت هناك شباب مقاومة حجيف وثلة من الفتيان الأشاوس الذين كانوا يتوافدون زرافات ووحداناً من مدينة التواهي ومناطق أخرى، وذلك لتلبية النداء الوطني للدفاع عن جبل حجيف من جحافل العدوان الهمجي عام 2015م، ذلك العدوان البربري الغاشم الذي عَاث فساداً و عدواناً، والذي جاء مُحتلاً ليغتصب عدن الحبيبة عنوةً بجيشه العرمرم وأحرق الأرض وأهلك الحرث زالنسل ودمر وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها الأبرياء.. فتصدى لهذا الجيش المُدجج بالسلاح والعتاد شباب المقاومة الأبطال ورجال عدن الأوفياء المتسلحين بالأسلحة الخفيفة والمتواضعة إلى جانب إرادتهم الصلبة التي أدهشت العدو االغاشم.
لقد شهدت هذه المعارك ملاحم قتالية أسطورية لا يتصورها العقل، وذلك من عظم تلك التضحيات الفدائية والروح الاستشهادية التي كانت عندهم وكأن لسان حالهم يقول:
عِش عزيزاً أو مُت وأنت كريم.. بين طعن القنا وخفق البنود. نعم ما أحلى العيش بعزة وكرامة أو الموت والاستشهاد تحت رايات النصر لأجل الحرية.. وكم هو الشعور جميلا أن يعيش الإنسان لأجل وطنه، وما أجمل وأروع حين نموت ونستشهد لأجله.
إن هذه الملاحم البطولية التي خاضها أبطال وشهداء المقاومة يجب أن تؤرخ للأجيال القادمة وتسجل في صفحات التاريخ بأحرف من نور، لقد سطر شبابنا فلذات أكبادنا صورا من أروع التضحيات والاستبسال بدمائهم وأرواحهم الطاهرة، وقاتلوا بشراسة كالأسود الكاسرة ليس لأجل جاه أو مال أو منصب ينتظرهم أو مساومة لأجل متاع الدُنيا الفانية، بل كان هدفهم الانتصار للدين والوطن، فقدموا لذلك أنفسهم فداء. حملوا أرواحهم على أكفهم وجعلوها رخيصة لهذه التُربة الغالية، لعدن التي لا تساويها كنوز الذهب، وكان شعارهم ننتصر أو نموت.. لقد كانوا على موعد مع رياحين الجنة.. جنة الشهداء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى