وحدة (المعادلة الصفرية)

> محمد عبد الله الموس

> يقول الفقهاء إن المعادلة الصفرية في العمليات المالية هي حالة التساوي بين الانفاق والموارد، وهي الحالة التي تكون فيها الأرباح (صفر)، أما المعادلة الصفرية في العلاقات الدولية فهي مغايرة تماما، إنها الحالة التي يكون فيها مقدار ما يكسبه طرف ما مساوٍ تماما لما يخسره الطرف الآخر، ويوردون مقاربة للحالة الصفرية بأن شبهوها بحالة السارق والمسروق منه، فمقدار ما يكسبه السارق مساوٍ تماما لما يخسره المسروق منه، المجني عليه، وتسري المعادلة الصفرية في العلاقات حتى بين أطراف الوطن الواحد أو بين الدول، وهي سبب مباشر للحروب بين الدول، وسبب للانقلابات والصراعات في البلد الواحد، إما بقصد استعادة حقوق وإما بقصد الاستحواذ..
والاستحواذ (سرقة طرف لحقوق لطرف آخر) هو السبب رقم واحد لعدم الاستقرار، الحالة المغايرة للمعادلة الصفرية هي حالة التوازن في الحقوق والواجبات بين الأطراف، وهي السبب رقم واحد لتحقيق الاستقرار.
دعونا الآن نسقط هذه التعريف على بعض أنماط الوحدة القائمة في غير بلد في العالم يطالب بعضا من سكانها بحق إقامة دولهم، وسنبدأ بالحالة في بلادنا الجنوب العربي، الذي أسموه أغبياؤه، الجنوب اليمني، فقد دخل في وحدة مع العربية اليمنية في 1990 تحولت إلى احتلال في 1994، ورغم أن الحالة تحولت إلى احتلال إلا أن هناك إصرارا بأن ما نعيشه هي وحدة، وإذا افترضنا أنها وحدة فهي إذن وحدة قائمة على معادلة صفرية كسب فيها اللصوص مقدار مساوٍ تماما لما خسره الجنوب العربي في كل شيء، بما في ذلك الهوية التي تم التفريط فيها في 1967، وهكذا يتدثر اللصوص بالدفاع عن مسروقاتهم باسم الدفاع عن الوحدة.
بالأمس استفتى أكراد العراق على استقلالهم عن العراق، وشهدنا انتفاضة للسلطة في بغداد وتهديد ووعيد تدكرنا بالحالة (الدحابشية) في صنعاء مع فارق الثقافة لصالح الحالة العراقية، ولن نخوض كثيرا في تفاصيل الحالة العراقية كي لا يتهمنا أحد بالتدخل فيما لا يعنينا رغم حقنا في دعم استقلال الشعوب، لكن الأمانة تقتضي الإشارة إلى ذهنية الاستحواذ عندما تفاخرت نائبة عراقية بأنها هي من عطل تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي التي تعطي حق الاستفتاء على المناطق المتنازع عليها مع الأكراد، وهي، أي النائبة، من أدى القسم على احترام الدستور عندما نالت عضوية البرلمان، ولم نسمع حتى نائب عراقي واحد يطالب بمحاسبتها على عدم احترامها للدستور في حين ينتفض هذا البرلمان (بنزعته الاستحواذية) ليتهم 4 ملايين كردي بخرق الدستور!! إنها حالة المعادلة الصفرية يا سادة.. وهي نفس الحالة التي جعلت أنقرة وطهران تنتفض لحماية (مسروقاتهم)، حسب التعريف الوارد ذكره، لحماية مسروقاتهم بشعار الدفاع عن وحدة الأراضي استباقا لما يتوقعونه من أكراد تركيا وإيران.
الحالة المغايرة للمعادلة الصفرية في العلاقات، وهي حالة التوازن في الحقوق هي التي جعلت سكان إقليم (كيبك) الكندي وسكان اسكوتلاندا التابع للمملكة المتحدة يستفتون لصالح بقاء أقاليمهم في إطار دولهم، كندا والمملكة المتحدة، بجملة أخرى، ليس هناك من غبن يدعوهم للاستفتاء للانفصال ولا توجد ذهنيات استحواذ في لندن أو اوتاوا تدافع عن مسروقات في كيبك أو اسكوتلندا بدعوى حماية الوحدة، وهي نفس الذهنية في مدريد التي لم تنذر بتهديد ووعيد سكان كتالونيا الإسباني الذين صوتوا لصالح استقلال إقليمهم عن إسبانيا، حتى أننا لم نسمع في كل هذه الحالات التهديد بحصار أو تجويع أو بشعار (الوحدة أو الموت) وهو الشعار الشائع الذي يجري تحته الدفاع عن المسروقات.
نفس ذهنية عدم الاستحواذ تعاملت مع تفكك الاتحاد السوفياتي رغم أن أسباب تفكك الاتحاد السوقياتي هي أسباب مرتبطة بالهويات، فلم يكن هناك استحواذ أو سرقة استأثر بها أشخاص في دول الاتحاد السوفياتي، لأن الملكية الفردية كانت غائبة في ظل الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وما يؤكد أن المعادلة الصفرية هي الصانعة للصراعات هو أننا لم نشهد صراعات بين موسكو والدول المستقلة ولا في داخل الدول المستقلة ذاتها، نظرا لغياب الاستحواذ على مستوى الدولة المركزية وعلى مستوى الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي.
خلاصة القول.. الوحدة مصالح مباشرة تمس حياة الناس، وإذا غابت هذه المصالح فقدت أية وحدة كانت مبررها الأخلاقي رقم واحد.. وفي حالتنا فإننا نقول لأولائك الذين يدعون أن الوحدة فريضة دينية فليطبقوا أولاً شرع الله تعالى ويقطعوا أيدي اللصوص الذين سرقوا كل شيء في الجنوب باسم الوحدة، فاحتلال 1994 ونهب وتدمير الجنوب أرضا وإنسانا ومنشآت، قد حول الوحدة بين الجنوب العربي والعربية اليمنية إلى معادلة صفرية ليست قابلة للبقاء تحت أي مبرر أو شعار كان، وبدون استقلال الجنوب فإن عدم الاستقرار سيبقى سيد المشهد.. وكفى.
محمد عبد الله الموس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى