في صباحية شعرية لشعراء شباب.. عدن تنفض غبار الحرب لتلبس ثوب الشعر

> عدن «الأيام» علاء عادل حنش

> في صباحية شعرية أعادت للمدينة رونقها الفولكلوري الشعري الثقافي.. نظم أمس الأول اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع عدن، بالتنسيق مع قسم اللغة العربيَّة بكلية التربية عدن، صباحية شعرية نوعية، شارك فيها عدد من الشعراء الشباب من عدن والمحافظات المجاورة أعقبها تقويم نقدي عام قدمه عدد من الأساتذة النُقاد، وعلى طريق الحفل التأبيني للراحل د.عبد المطلب جبر.
وقال رئيس جامعة عدن د.الخضر لصور الذي رعى الصباحية: "بوفاة د.عبد المطلب جبر خسرت الجامعة إنسانًا جمع بين العلم والمعرفة وأخلاقيات المهنة والمكانة الأكاديمية، ويعد من الشخصيات الكبيرة التي تردد أسمها كثيرًا في سماء الشعر والأدب والنقد وتركت بصمات كبيرة للوطن".
وأكد لصور الاستعداد التام لطباعة كل المشاركات الشعرية والأدبية التي ألقيت في الصباحية، بالإضافة إلى تبني رابطة للشعراء المنتمين لجامعة عدن من أساتذة وموظفين وطلاب.
فيما قال رئيس قسم الُلغة العربيَّة بكلية التربية عدن د.عبده يحيى الدباني: "تكمن أهمية الفعاليات والأنشطة الأدبية المتميزة والمتنوعة بتنوع المشاركين فيها، وتحدث عن مآثر الفقيد في العديد من المجالات العلمية والأكاديمية والأدبية، ودوره الأساسي في تطوير أقسام اللغة العربية بجامعة عدن".
وبعد أن أطلق الشعراء الشباب العنان لاشعارهم التي أبهرت الحضور لا سيما الدكاترة والشعراء الحاضرين جاء وقت تقويم القصائد التي ألقاها ثمانية عشر شاعرًا وشاعرة من الشباب، والذي بدأه د.شهاب القاضي، الذي قال "تترى الفعاليات الثقافية في عدن ومحافظات الجنوب المحررة بعد حرب تعرضت المدينة فيها للتدمير والقتل والانتهاكات، ولكن بالرغم من كل مظاهر القسوة والعنف والممارسات الإجرامية التي خلفت آلاف الشهداء والجرحى والأرامل والثكالى وعصفت بالمدينة عصفا كنا نتصور ألا نخرج منها إلا موتى أو جرحى أو لاجئين.. لكننا انتصرنا، وانتصار الحق على باطل تدثر بمذهبية مقيتة، وعلى مصالح فئوية رأت عدن والجنوب أنها أرض الثروات التي من أجلها اجتاحوا الجنوب في حربين، وقاموا بتدمير مرتكزاته الاقتصادية والثقافية، ومحاولة القضاء على كوادره في مختلف الميادين".
وأضاف: "ولكن جاءتهم الرياح بما لا تشتهي سفنهم، فخرج من بين غبار الحرب، ودخان القذائف، جيل جديد من الشباب في مختلف المجالات ممن يملكون ملكة الابداع والتفوق".
وأضاف شارحًا: "في هذه الصباحية الشعرية سأتطرق لبعض الملاحظات من واقع المساهمات التي نقرأها في "الواتس" لفتيان وفتيات في الجروبات الثلاث (بيت أدباء وكتاب عدن، ونادي السرد، ونادي الشعر) من قصائد للشباب وهي:
1- تعتمد القصيدة في بنائها الفني على اللغة وحرفيتها، واللغة العربية تكون مطواعة للاديب الذي يهبها لكي يمتلكها كل طاقته، بحيث تبدو القصيدة خالية من شوائب اللغة، من الاخطاء الاملائية والنحوية، وهذه الملاحظة تستدعيها بعض النماذج الشعرية التي نقرأها، ولو أحسن الشاعر استخدام اللغة لكانت القصيدة مكتملة البناء الفني، غير جارحة ولا مشوهة.
2- التقليد أو المعارضة الشعرية تجد ملامحها منتشرة في نتاج الأدباء الشباب وبالذات في القصيدة العمودية، وكما أنه لا بأس للأديب في بداياته الأولى أن يقتفي أثر السابقين من الشعراء الذين يحبهم، إلا أن ذلك يكون محدودًا وليس وضع الحافر على الحافر، فكثير من القصائد التي أقرأها يظهر فيها نفس المتنبي والبردوني أو أحمد شوقي وغيرهم من شعراء العمود، بحيث تظهر قصائد الشباب بنفس البناء العروضي والموضوعي تقريبًا".
3- موضوعات التجربة الشعرية لقصائد الشباب هي موضوعات متعددة، وتنطوي على الصدق الفني الذي يوفر للقصيدة بعدها الجمالي والدلالي، ولكني ألاحظ أن بعض الشعراء يضع نفسه في قوقعة نمطية لا يخرج عنها، فإذا كتب - على سبيل المثال لا الحصر - عن هجران الحبيب تكون قصائده بنفس الموضوع النمطي وبشكل مستمر، وهذه تعود لضعف الاستزادة الثقافية، فالنمطية آفة الإبداع ومهلكته، وسيجد الشاعر نفسه يكرر نفسه إلى أن يحين موعد نضوبه الإبداعي ويتوقف.
4- بناء القصيدة بناءً فنيًا يتطلب الموهبة واللغة والخيال، وكل ذلك يتم توظيفه بما يتحلى به الشاعر من ثقافة عالية، وإلى حد ما موسوعية، أليس هو الشاعر.. أليس هو الرائي الذي يتهجى من خلال القصيدة الرؤيا بالتغيير وبعالم افضل، فالشعر من حيث العمق كشف وتنبؤ ورؤيا، وذلك لأن التثقف بقراءة الشعر لاتكفي، لن يجد الشاعر نفسه إلا وهو يقرأ كتب الفلسفة وعلم النفس والتاريخ ونقد الشعر وغير ذلك من مجالات المعرفة.
5- فيما إذا تحدثنا عن مصطلح أدب الشاب فإننا نتحدث عن الأصوات الشعرية النسائية، الذي يرفض بعضهم هذا التقسيم الجنسي، مؤكدًا على وجود الكتابة الأدبية فقط وهي واحدة لدى الجنسين (المرأة والرجل)، وهذا في تقديري موقف غير دقيق تجاه أدب المرأة في الشعر والقصة، فقد أكدت كثير من الدراسات الأدبية تميز الأدب النسوي بخصائص عديدة تميزه عن الأدب الذي يكتبه الرجال..
واستمعنا في هذه الصباحية لأصوت شعرية نسائية من الصبايا والفتيات وهن قد امتلكن ناصية الشعر وقول القصيدة، فقط أدعوهن الى الاستمرار وعدم التوقف والإخلاص للإبداع الشعري، لأنني جل ما أخشاه هو ضعف المرأة عن مقاومة السلطة الأبوية وعاداتنا المتخلفة، التي تجبرها على النكوص والانسحاب من المشهد الثقافي".
جانب من الحضور
جانب من الحضور

وختم د. شهاب حديثه: "أدعو كل الأدباء الشباب شعراء وكتاب الرواية والقصة القصيرة إلى أن يتداعى جميعهم لتشكيل منتدى أدبي خاص بهم، ينظم فعالياتهم، ويعمل على رفع قدراتهم الثقافية ويطبع أعمالهم ويدافع عنهم، وهي دعوة للتفكير أو دعوة للتشاور، لكن في كلتا الحالتين هي دعوة للانطلاق.. دعوة للعمل".
الشاعر عمرو الإرياني قال إن تجربة الشعراء الشباب تُعتبر مهمة، وإنهُ يجب عليهم تنميتها، وأن يواصلوا مشوارهم الشعري رغم الصعوبات المحيطة بهم.
وأضاف: "بحكم تجربتي الشعرية فإن فضاء الشعر واسع، ويحتاج لعناية وممارسة".
بدوره قال الأكاديمي والشاعر أ.بدر العُرابي "نسعى في هذه الورقة لتأطير وتوصيف المشهد الإبداعي الشعري، وفقًا لما مخض من كتابات شعرية لدى الشعراء الشباب في هذه المدينة المنفتحة على العالم عبر ساحلها الممتد، والذي يربطها بالعالم شرقًا وغربًا، مما أتاح لها فرصة التلاقح الثقافي على مر العصور".
وأضاف شارحًا "من خلال نظرة خاطفة وإجمالية للنشاط الأدبي وخاصة لما برز للسطح من كتابات إبداعية في مجال الشعر وإنتاجه في اللحظة الراهنة -فأننا يمكن ان نضع توصيفًا مجملًا يتجسد في مستويين إبداعيين في ممارسة كتابة القصيدة تتفرع منهما عدد من المستويات الفرعية التي تتعاضد معا لتشكل المشهد الشعري العام في إطاره النهائي، ففي المستوى الأول يبرز لنا مجموعة من الشعراء الشباب الذين غدوا علامة بارزة في المشهد الشعري من خلال نشاطهم الإنتاجي المتواتر عبر شبكات التواصل، التي شرعوا في تأسيسها كمنابر تمد جسورًا من التلقي المباشر لإنتاجهم الشعري، ومن خلال متابعاتنا المتواترة لتلك الأعمال الشعرية، لتشكل أمامنا نسقًا إبداعيًا حظي بتلقي واسع من الهواة والنقاد والأكاديميين، إذ يتجلى المشهد في هذا المستوى بحضور إبداعي لمجموعة من الكتاب الشباب تنوعت كتاباتهم الشعرية بين الشكل العمودي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر، ومن أبرز رواد الشكل الشعري العمودي (أسامة المحوري، معين الكلدي، جهاد العبادي، عبد الله الأحمدي، أنور قائد، محمد بن قيس، رياض بونمي، حسام الحسام، باسل الحالمي، ماجد أبو ليلى، حسين المحرمي، عبد الله الهدياني وآخرون)، وإذا ما حاولنا توصيف الأسلوب الشعري لهؤلاء بطريقة إجمالية سنجد أن كتاباتهم في هذا الجانب تتسم بخصوصيات أسلوبية وبصمة شعرية تنماز فيها تجربة عن أخرى إذ نجد لكل واحد منهم بصمته التي ينماز بها عن الآخر من حيث علاقته الخاصة باللغة ورسم الإحساس المستبقي للحظة الشعرية، من حيث تركيب المتخيل الشعري، فنجد الابتكار والجدة في مقاربات الصورة الشعرية وتأطيرها في النص بطريقة تماهي المخيال الحداثي في خضم الشكل العمودي الذي جعلوه حاملًا نصيًا لخطابهم الشعري.
وإجمالا، يمكننا القول أن تلك الفئة تقف في ضفة متقدمة من الكتابة الشعرية في هذا الشكل الشعري، بها من الجدة والابتكار ما يتجاوز طبيعة النص العمودي التقليدي إلا أن البقاء في تلك الضفة طويلا دون تجريب الأشكال الشعرية الأخرى سيخلق بعض الرتابة والخمول لدى شرائح واسعة من المتلقين، خاصة ممن تتنوع ذائقتهم وتطل على أكثر من شكل شعري".
وأردف "أما المستوى الفرعي الثاني للمشهد الشعري الراهن فيتجسد في الخطاب الشعري الذي يعتمد على الشكل الشعري الحديث (شعر التفعيلة) ومن رواده (د.محمد مسعد ، رائد القاضي، أبوبكر الهاشمي، بسام الحروري، سعاد عبيد وآخرون)، وتنماز كل تجربة شعرية عن الأخرى ببصمتها الأسلوبية الخاصة بها، وإجمالًا فأن كتاب شعر التفعيلة في المشهد الشعري الراهن في عدن يتقدمون خطوة عما سبقهم في كون المضمون الشعري لكتاباتهم يتجاوز الذات ليطل على الآخر والعام، ويلهثون بنفس من الغربة والغياب -بحثا عن وطن افتقدوه، وحين يتجهون نحو الذات والحب والعشق، ويلقحون حرمانهم العاطفي المتواتر مع غياب الفضاء (الوطن)".
وأضاف "أما قصيدة النثر بخصوصياتها الفنية المعقدة فثمة عزوف وبعد عن ممارستها والكتابة من خلالها إلا فيما ندر، ونجد ذلك النادر عند بسام الحروري، وذلك امتداد لجيل قصيدة النثر السابق المتمثل في التسعينيات، وابرز من مثل هذا الشكل حينها (عمرو الإرياني ووضاح الحريري وآخرون)، وقبلهم الهامة الشعرية العدنية (محمد حسين هيثم) الذي بثقت على يديه قصيدة النثر ومعه آخرين، ما يمكن أن نلحظه في المشهد الشعري العدني الراهن، هو تقلص وانحسار الزخم الشعري المتجه نحو قصيدة النثر، كما أن كتابها الراهنين، لم يؤطروا إنتاجهم في دواوين كحال الأشكال الشعرية الأخرى، كما لم تتواتر نتاجاتهم، ولم نجد لها حضورًا واسع الانتشار، كما نجد هذا الشكل الشعري حاضرًا وبقلة في الخطاب الشعري النسوي، ولعل من الأسباب الرئيسة التي أفضت لعزوف الكتاب الشباب عن إنتاج وممارسة قصيدة النثر -ذلك الحاجز الثقافي العام الذي يمخض ملكة تلقي، بها من الجمود والتكلس في الذهنية الجمعية، إذ لم تتخصب بعد لتقبل وتلقي هذا الشكل الشعري بتعقيداته النصية، وهذا مايبرز أيضا في واقع التلقي العربي العام، الذي مايزال يستهجن قصيدة النثر حتى اللحظة".
وختم العُرابي تقويمه بالقول "فيما المستوى الرئيس الثاني -نجد الخطاب الشعري النسوي، يحاول فرض نفسه بتواتر، ويتجسد ذلك عند (عائشة المحرابي، شيماء باسيد، صابرين الحسني "قصيدة النثر"، وسعاد عبيد "التفعيلة"، وبعض الكتابات الشعرية النسوية التي ذهبت لتجريب كتابة (الومضة الشعرية)، ولعل الخاصة القارة في الكتابات الشعرية النسوية الراهنة ذلك التماهي مع قصيدة النثر العربية، محدودة الانتشار، في أوج تشكلها، من خلال الاتكاء على تكثيف الصورة وامتدادها من المفتتح حتى الختام، إلى جانب ثمة نزوع سريالية وفلسفية، ومحمول رؤيوي راقي يحاول زحزحة ثقافة الرجل المستبد بالفطرة، في تعامله مع الأنثى في محاولة متواترة دون يأس من خلال الدعوة إلى الحب في مفهومه الصادق، كمعادل إنساني تستقر فيه العلاقة بين الجنسين، وتتبدد من خلاله رواسب الحاكم والمحكوم التي تسيطر على ذهنية الرجل من خلال التراكم الثقافي المحبط لعلاقة الرجل بالمرأة منذ الأزل في الثقافة العربية كافة، إلا أن وجودها في المشهد الشعري كشكل شعري يكاد لا يرى".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى