قراءة نقدية لقصيدة (حالة حصار) لـ محمود درويش

> محمد صلاح

> *رؤية حول العنوان
العنوان – بالنسبة لأي عملٍ أدبي – هو بمثابة المرشد الأول للمتلقي، والانطباع الأول الذي ينطبع في ذهنه عن هذا العمل؛ إن العنوان من شأنه أن يجبر المتلقي على قراءة العمل ، بل يمده بالصبر الذي من خلاله يكمل قراءة العمل.
- إن ما كتبه محمود درويش تحت العنوان السابق (حالة حصار) أثبت بالفعل أنه قد وفق بشكل كبير في انتقاء العنوان لهذا العمل الذي سيفصح فيه عن تجربة شعبه مع حالة الحصار هذه ؛ وهنا نجد أن الشاعر قام بعرضٍ لهذه الحالة يستجدي تعاطف المتلقي معه وأعتقد أنه وفق و سأحاول إثبات هذا فيما يلي.
*غيبيات النص ومدى ارتباطها بالعنوان
- في النص يبدأ الشاعر باستحضار المكان والزمان عن طريق الوصف، فهو عند منحدرات التلال قرب البساتين مقطوعة الظل أمام الغروب، صورة قاتمة حزينة لها دلالات كثيرة، إن الظل من شأنه أن يعم المكان وكل هذا لم يحدث، إنها بساتين لكنها ليست كأية بساتين إنها مقطوعة الظل وذلك لعدم وجود أشجار فيها، إن الوقت هو الغروب ومن المفترض أن لا نحتاج إلى الظل ولكن ما يحدث من إطلاق للرصاص الذي يجعل الليل نهارًا أكد الحاجة الماسة لوجود الظل.
- إنهم سجناء محاصرون معطلون عن الأمل هكذا أراد العدو ولكن ثمة عملاً للعاطلين وهو تربية الأمل.
- فـ هؤلاء الأعداء يتحكمون في صيغة تعاقب الليل و النهار، فالليل عندهم لا ليل، ولكن هذا الحصار سيمتد و يظل إلى وقت معلوم هو وقت أن يعلموا أعدائهم نماذج من شعرنا الجاهلي.
- بالطبع إن أعداءنا لا يعلمون ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا، لسبب بسيط هو أننا لم نعلمهم إياه من قبل، ولكن وقت أن نعلمهم إياه سيذهب الحصار بلا عودة ولا رجعة، السماء رصاصية في الضحى برتقالية في الليل.
- هنا في هذا الوقت لا يوجد العربي، وإنما توجد الآمال، واستدعاء الأساطير والذكريات، ومحاولات تبرير ما آل إليه الحال.
- يا أيها الجنود أقبلوا علينا فنحن بشر مثلكم من حقنا ما هو من حقكم، أقبلوا علينا اجلسوا معنا اشربوا معنا القهوة العربية لأنكم ضيوفنا ولكن بعد إكرام الضيف الرحيل دون إلحاق أدنى أذى بصاحب البيت.
- عندما تختفي الطائرات من السماء يظهرجمال السماء، حرية الحمامات الطائرة في السماء والتي لا تلبث أن تختفي هي الأخرى لعودة الطائرات.
- جنود ينتشرون في كل مكان لا يتحركون، واقفون لإحكام الحصار، يمارسون نشاطاتهم الجسمية تحت حراسة الدبابة، ولكنه حتمًا سيأتي الغد وعندها سنحب الحياة؛ إننا سنحب الحياة ولكن بحذر فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
- وهذه القصيدة ليست ضرورية لأنها لا فائدة منها لوجود العشرات قبلها واللائي لم يغيرن شيئًا على الأرض.
- هناك أخوة عرب أيضًا محاصرون ولكنهم يتمنون أن يكون حصارهم علنيًا مثل حصارنا، إنهم يحبوننا ويبكون علينا لكنهم مقيدون ومحاصرون.
- استطاع العدو أن يُحطم كل قوانا قتلى وجرحى وهدم منازل وتجريف أراضي وتعطيل للحياة.
- فنحن كفلسطينيين لنا هدف واحد هو أن نكون، ولكن كيف يتم هذا ونحن هذا الهدف الواحد في كل شىء مختلفون على سيادة وطن ولا سيادة لنا من الأساس على الوطن.
- إن الاختلاف بيننا لا يزال قائمًا على أمورٍ ثانوية مع أن هدفنا واحد، وما نختلف عليه ليس له جدوى.
- وهذا سجين يأمل في أن يفك سجنه، وعندها سيعلم أن مديح وطنه وقومه وأمته لا يساوي شيئا، إنه يساوي الهجاء، فهم لا حق لهم في المديح.
- قال معتقل للمحقق:أنا لا أحبك، ومن أنت كي أحبك؟ إنك لا تمثل لي شيئًا جميلاً كي أحبك؛ إنني أكره الاعتقال لا أكرهك، أكره الاعتقال ومن يقومون به أيا كان ولا أكره أشخاصًا بعينهم لعرقهم أو لدينهم.
- الحياة هنا في هذه البلاد لا في غيرها، هذه البلاد التي يعتدي عليها المعتدون ويحاولون طمس عروبتها وحقائقها.
- أيها المعتدي الغاشم: بماذا تبرر اعتدائك علي؟ أتزعم أننا جاهلون لا نجيد استخدام التكنولوجيا؟؟؟ هذا زعم منك باطل، وإن كان حقًا فلا يعطيك الأحقية في أن تهدم حياتنا لتقيم حياتك.
- ألسنا نحن سويًا لنا متطلبات واحدة، قلوب، وأرواح؟!!!
فهو يؤكد على أنه لم يغير فقط سوى مكانه وأثاثه، فهو ما رحل إلا إلى القبر.
- سيظل الحصار من قبل الاحتلال لكي يفرض علينا عبودية يريدها هو، سيادة، شروط، ولكن سنظل نقاوم بكل شموخ، فـ قلوبنا لا تزال عامرة بالحياة لأننا لا نزال نربي الأمل وذكورنا قادرة على الإنجاب، وما دمنا كذلك فسنظل نقاوم.
- سلامٌ على كل من يشعر بي ويقاسمني الآلامي وأحزاني.
- إنهم دائمًا ما يجهزون لنا حفلات الوداع والقبور والحجارة التي سيحفر عليها أسماؤنا، ولكن أظل أنا ممن يتسابق في الجنازات ليعلم من مات.
- لقد جعلني الحصار كأداة الكمان أردد في قصائدي أسماء الشهداء والشهيدات أبناء الشهداء، أحفاد الشهداء...
- ها هو الأمل يروادنا في أن يتسرب السلام إلى نفوس الأعداء وقلوبهم وقت الهدنة المزعومة، ولكن هيهات هيهات؛ إننا سنظل ضيوف في بلادنا على الأبدية.
- بعد هذا العرض الطويل لغيبيات النص ومكنوناته، والإفصاح الذي جاء فيه عن الحالة التي يعيش فيها الشاعر ومجتمعه، حالة الحصار الناتجة عن الاحتلال وما تقوم به من تعطيل شامل لشتى سبل الحياة، يظهر لنا الرابط المتين، والعلاقة الوثقى بين العنوان والنص، وكذلك مدى التوفيق الذي صاحب الشاعر في انتقاء العنوان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى