فنجان قهوة حتى اللقاء

> م. رفقي قاسم

>
م. رفقي قاسم
م. رفقي قاسم
بعد أن أنهيت وختمت وردي الليلي وماهي إلا لحظاتٌ وأنا أتصفح موقعي في صفحات التواصل الاجتماعي، أعلق على تعليق هذا وأرد على ذاك والإشعارات تتوالى بالجهة الأخرى وأختلس النظرات لأرى سريعا ما أرى وأعود إلى موقعي، وفجأة استوقفني إشعار به صورة شاعري وبيت بعدها تابعت صفحته وتركت ما بيدي وقرأت كم بيت من أبيات قصيدة وعرفت بأن قصيدته في ندوة بيت الشعر في البتراء ستكون حاضرةً.
وهناك في القاعة وجدت نفسي بين الحضور وكعادتي أختار آخر صف بعد الحضور لأستمتع وحدي وأتذوق، وجال خاطري وبصري في نواحي القاعة بسمائها وحيطانها ذات النقش البيزنطي شهبي اللون ورأيت منصة الإلقاء ولجنة التحكيم والشعراء كلٌ يتأهب وشاعري ضاما كفيه وذقنه متكأً عليهما يترقب بصمت مطمئنا كعادته.
“السلام عليكم أيها الحضور” قالها مقدم الحفل والتفتنا جميعا نحوه مقدماً الشاعر الأول وتوالى بعده الآخر ثم الآخر وأختلس أنا النظرات متنقلا بين الشعراء واللجنة وشاعري والسماء منفعلا بصمت وهمس.
“الشاعر عبدالله حمادة تفضل لو تكرمت” قالها مقدم الحفل فانتصب شاعري واثقا نحو المنصة يمشي بقدّه الفارع الممشوق، واعتلى المنصة مؤديا تحية الحضور وحييته أنا من موقعي وهو لا يراني ولا يعرفني، وبدأ يشدو بأبيات قصيدته متنقلا من مقطع إلى مقطع قائلا:
كواليس..(وهذا عنوانها كان)
أحتاجُ قلبينِ
كي أهـوى ولا أهـوى
ولا أراني على نبضَيهما أقوى!
أحتاجُ ضِدّين في ذاتِ الكيانِ معًا:
غـيماً أثـيماً،
ومِلحاً يشبهُ الحلوى!
أحتاجُ ذنباً بريئاً كي يُذكِّرَني
نوعاً من الخيرِ
أو صنفاً من التقوى
أحتاجُ حِبراً مـُصاباً بالتفاؤل كي
يُصيبَ كفِّيَ والأقلامَ بالعدوى
أحتاجُ حُزناً يُجاري في دمي فرَحاً
أحتارُ بينهما:
مـَـن مـنـهما أقـــوى !!
أحتاجُ كلَّ صدىً يحتاجهُ صَخَب
ليرفعَ الرايةَ البيـضاءَ للنجوى
أحتاجُ نظّارةً سوداءَ نـاصِعة
تُعيدُ تعريفَ مفهومي عن “الأحوى”
أحتاجُ نهراً من الأفكارِ في لغتي
يجتازُ ما بين حِبري والرؤى عَدوا
وربما غَارةً سِلميَّةً، ودُمىً
عنيفَةً..
تسـتجمُ الآنَ فـي البلوى
عندي رُهابٌ من الأمن الذي زعموا
لذا..
سأحتاجُ أن أستعذِبَ الغزوا
وأُقنِعَ البحرَ
مهما ثارَ ثائِرُهُ
موسى سيترُكهُ من بعدهِ “رَهوا”
كذلكَ الأمرُ حين الوحيُ يصعدُ بي
زيفاً..
فاهـبطُ لا أرضاً ولا جَوَّا
قبل القصيدةِ كبحُ المفرداتِ سُدىً
وبعدها..
كلّ ما يُجدي بلا جدوى.
وتلاها بيتاً بعد بيت وأنا أردد معه بهمسٍ وقد حفظتها خلسةً ولم أدرِ بنفسي وإذا بي ألقى ما ألقى قائما من موقعي بنغمة صوته الرخيم وقد تماهت روحينا هو في منصته وأنا في موقعي والحضور مستمعين بإنصات كأنا في استديو تسجيل ثلاثي لا يرون فارقا بين هناك وهنا لأن التماهي بلغ مبلغه الأقصى، وختمنا وانتهينا معا بذات الوقت وحيناً الجمهور، وهنا رآني ورأيته مهرولا إلي قائلا: حيا حيا أبا رواد ضاما إياي مقبّلا رأسي، أمسكت رأسه بيدي ودمعي خذلني حين رأيته أمامي ورددتُ عليه قائلا حيا ولدي عُبد أخو رواد!! وقادني إلى قاعة أخرى لنحتسي القهوة التركي واقعدني وذهب مهرولا وأتى بفنجانين ارتشفت رشفة بصوت كعادتي حين أتلذذ بشربها وهو بهدوءٍ يحتسي ناظرا إلي مبتسما وقلنا حينها ما قلنا، ثم دلفنا ثانية إلى القاعة لنعرف رأي لجنة التحكيم، وهنا جاء رواد قائلًا أثابكم الله والدي حانت صلاة الفجر، ولولا وجوب الفرض لواصلت نومي لأرى وأسمع الفائز الأول، وإلى يومي هذا لا أدري لأني لم ألتقي بولدي وشاعري عبدالله حمادة حتى يومنا هذا ولكن أخاله دون شكٍ الأول.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى