من وحي ثورة 14 أكتوبر الخالدة

> يحيى عبدالله قحطان

>
يحيى عبدالله قحطان
يحيى عبدالله قحطان
قال الله تعالى “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”.
تهانينا لشعبنا الجنوبي العظيم وهو يحتفل بالعيد 54 لانطلاقة ثورة 14 أكتوبر الخالدة عام 1963م.
مذكرين أن الاستعمار البريطاني، والحكم الاستبدادي الطائفي والسلالي لم ينتصرا، وإنما انتصر شعبنا الجنوبي العربي المسلم، انتصر بقبائله الباسلة وأسلافه الأمجاد ومجاهديه الأبطال ومناضليه الأحرار، وشهدائه الأبرار. انتصر بثورته المجيدة، وبالانتفاضات الشعبية والحركات الوطنية والمقاومة الجنوبية الباسلة، والتي انطلقت من كل مناطق الجنوب منذ صبيحة يوم الاحتلال المشؤوم في 19 يناير عام 1839م، حيث ظل شعبنا يقاوم الاحتلال ومخططاته طوال فترة الاحتلال، وتوجت تلك المقاومة الوطنية بقيام ثورة 14 أكتوبر الخالدة عام 1963م من على قمم جبال ردفان الشماء، بقيادة رائدة الكفاح المسلح (الجبهة القومية)، حيث قدم شعبنا الجنوبي بحركاته الوطنية وكل أطيافه السياسية وثورته الشعبية، تضحيات جساما وقوافل من الشهداء الكرام، حتى تحقق الاستقلال الوطني الناجز وغير المشروط في 30 نوفمبر عام 1967م، وجلاء آخر جندي بريطاني وأكبر قاعدة استعمارية في الشرق الأوسط.
ولا ريب فإن حياة الشعوب وتاريخ الأمم زاخرة بالأمجاد والأبطال والقادة الكرام، والمواقف الوطنية والملاحم البطولية، التي غالبا ما يدشنها أولئك المجاهدون الأبطال والمصلحون الأخيار والمناضلون الأحرار والشهداء الأبرار، الذين يأبون الضيم والهوان، والذل والاحتلال، ويرفضون الظلم والطغيان، ويعشقون الحرية والعدالة والسلام سائرين في درب الجهاد والنضال والتضحية والفداء والبذل والعطاء والكفاح المتواصل لردع العدوان، مضحين براحتهم الوادعة، ومهجهم الغالية، ودمائهم الطاهرة، من أجل حرية وكرامة أمتهم وطرد المستعمر الغاصب من أرضهم الطيبة ومن جنوبنا الحبيب.
ونحن عندما نحتفل بالعيد 54 لثورة 14 أكتوبر المجيدة إنما نحتفل بأولئك الغر الميامين، بمناضلينا الأحرار وشهدائنا الأبرار. إنهم أولئك المجاهدون الأمجاد الذين استعذبوا دروب الكفاح الشاق والنضال المتواصل، ليهبوا لأمتهم عذب الحياة الحرة الكريمة والعادلة.. وهكذا فعبر تلك المسيرة الجهادية والنضالية الباسلة التي تسجل بأسطر من نور، تتجدد الحياة لمواكب الخالدين في أعلى عليين.
وتتعمق مبادئهم وأخلاقهم الحميدة وملاحمهم البطولية، ومسيرتهم التحررية والفدائية والجهادية بين أوساطنا، لرسم الخارطة السياسية التحررية، لتنير للمكلومين والمقهورين ولأجيالهم طريق الحرية والعزة والكرامة، طريق التوحد والتصالح والتسامح والعدالة والسلام.
حقا، لقد كان مجاهدونا الأماجد ومناضلونا الأحرار، ثوار 14 أكتوبر المجيدة يتجشمون الكفاح والمصاعب والمعاناة، والتنقل من جبل إلى جبل، ومن منطقة إلى منطقة، ومن معركة إلى معركة، ضد قوات الاحتلال، مشيا على الأقدام. كانوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ويقتسمون كسرة الخبز وشربة الماء، معتمدين على مجهوداتهم الذاتية زادا وزنادا، لم يكن لهم معاشات شهرية ولا بدل تنقلات، ولا إغراءات وحوافز مادية أو وظيفية، كان كل رفيق يفدي رفيقه ويؤثره على نفسه. “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
كان هدف الجميع هو إعلاء كلمة الله في أرضه، كلمة الحق والعدالة والحرية، هدفهم إحدى الحسنين: إما النصر والعيش في حياة حرة كريمة وطرد المستعمر الغاصب من أرضنا الطيبة، وإما الاستشهاد والفوز بنعيم الله تعالى وفسيح جناته، “وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ”.
ذلك أن هؤلاء المناضلين كانوا يمثلون نموذجا مثاليا فريدا لتحليهم بالقيم الإيمانية والأخلاقية، والتعاليم الإسلامية السمحاء، القائمة على الوسطية والاعتدال والتسامح والسلام، والتضحية والإيثار، والتزامهم بالنقاوة الثورية والروح الوطنية، والنزاهة الشخصية والبسالة الجهادية، وتجردهم عن الأنانية والشح المطاع والهوى المتبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه. إنهم أولئك الغر الميامين الذين كانوا يغلبون المصلحة العليا للوطن على المصالح الذاتية الضيقة، والمصالح الفئوية والمناطقية والقبلية والحزبية والمذهبية والطائفية. لقد كانوا موحدين ومتفقين على أمر جامع وميثاق واحد، وقيادة موحدة، في كل مناطق الجنوب من المهرة حتى باب المندب، وذالكم هو سر انتصار ثورة 14 أكتوبر الخالدة، والذي يجب أن نجعل من أولئك المناضلين الأحرار القدوة الحسنة لنا.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم * إن التشبه بالكرام كمال
وإذا كنا نحتفل بالعيد 54 لثورة 14 أكتوبر المجيدة، فيجدر بنا أن نقف وقفة إجلال وإكبار لكل أسلافنا الأماجد ومجاهدينا الأبطال، من علماء وسلاطين ومشايخ وقبائل وإعلاميين وصحفيين، ونقابات، وحركات وطنية وكل مناضلينا الأحرار، وشهدائنا الأبرار، ماضيا وحاضرا. كما نحيي الحراك الثوري الجنوبي والمقاومة الجنوبية الباسلة وكل أطيافها السياسية، وكل من ساهم عسكريا وماديا ومعنويا لنصرة وإغاثة أهلنا في عدن المسالمة وبقية المحافظات الجنوبية، والتحرر من الغزو العدواني الذي تعرض له الجنوب عام 94م وعام 2015م.
“وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ”
ومن وحي ثورة 14 أكتوبر الخالدة، كأننا بشهدائنا الأماجد يطلون علينا من رحاب الله، ينشدوننا العهد والميثاق الذي فارقونا عليه، قائلين: لا تجعلوا نضالنا يذهب عبثا، ودماءنا تذهب هدرا، لا ترجعوا بعدنا أشتاتا وكيانات متصارعة ومتشاكسة، لتسديد الجلدات الموجعة إلى ظهورنا.. انبذوا التعصبات المناطقية والمذهبية والطائفية والغلو والتطرف والعنف والتكفير والتفجير، أوقفوا المكايدات الحزبية والمناكفات الإعلامية، ونشر الكراهية بين مواطنينا.
“وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”.
تعاونوا فيما تتفقون عليه وتسامحوا فيما تختلفون عليه، فمن مجانبة الصواب الأخذ بمقولة (إن لم تكن معي فأنت ضدي)، ذلك إنه لا يمكن لأحد أن يثبت أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، يستصرخ فينا شهداء ثورة 14 أكتوبر الخالدة، وكل شهداء الحركات الوطنية، مناشدين التوحد والتصالح والتسامح.
يا من تمثلون شرف وكرامة أمتكم، الصمود الصمود، والمصابرة والمرابطة يا طليعة وربان جنوبنا الحبيب، وعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، (ياسارية الجبل الجبل، ومن استرعى الذئب فقد ظلم).
سيّروا شعبنا الجنوبي بالتوحد والتضامن والتعاون والتصالح والأمن والاستقرار، وثبتوا مداميك الجنوب بإصلاح ذات البين وبالعدالة والمواطنة المتساوية، والتراحم والتكافل والإيثار، وتحرير مواطنينا من المظالم والفساد والفقر والعوز والحرمان. كما يجب العمل فورا على وقف الحروب وسفك دماء اليمنيين شمالا وجنوبا.
(كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)
والعمل سريعا على إعادة الإعمار في المناطق المحررة، وفي المقدمة عدن الوادعة، عدن الحضارية والمسالمة، وتطبيع العلاقات وتقديم الخدمات، وتوفير المحروقات ودفع المعاشات، وترسيخ الأمن والاستقرار، عبر قيادة موحدة. “رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا”.
وعمود كل ما ذكر هو تحصين جنوبنا المكلوم والمقهور بالدين الإسلامي الحنيف، دين الوسطية والسماحة والاعتدال، دين المحبة والعدالة والوئام، دين التوحد والحرية والأمان، دين التصالح والتسامح والسلام، فالإسلام هو الركن الركين والحصن الحصين وصمام الأمان لحاضرنا ومستقبلنا، ومعاشنا ومعادنا.
قال الله تعالى: “وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ * وَاصْبِرُوا * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”.
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا * وإذا افترقن تكسرت آحادا
ختاما.. ندعو الله عز وجل أن يتغمد كل شهداء مسيرة شعبنا الوطنية والتحررية، بواسع رحمته وغفرانه، وأن يسكنهم فسيح جناته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى