محطات نضالية أفضت إلى الـ30 من نوفمبر 1967م (3)

> كتب / علي راوح

> في هذه الحلقة من (محطات نضالية) نكون مع ثلاثة من المناضلين، الذين قدموا التضحيات في سبيل تحقيق الهدف السامي لشعبهم، وهو جلاء المستعمر عن أرض الجنوب وبناء دولة وطنية تضمن حقوق الشعب دون تمييز.
*المناضل/ قاسم منصر العبسري
يقول قاسم العبسري: كنت مع طليعة المناضلين الذين هبوا من كل مناطق الجنوب للدفاع عن ثورة سبتمبر، فتوجهت مع عدد من إخواني من أبناء ردفان ووصلنا إلى صنعاء، وتم تزويدنا بالأسلحة، وتوزعنا على عدد من مناطق القتال لمواجهة القوى الملكية، وشاركت إلى جانب عدد من المناضلين ومنهم الشهيد راجح لبوزة وحسين قائد وأحمد منصر ومحسن محمد صالح الضمبري وغيرهم الكثيرون.. ثم شاركت في معارك جبل المحابشة وحجة وغيرهما وحققنا انتصارات رائعة. وقد شارك المناضلون من الضالع والحواشب والصبيحة ولحج وعدن وأبين وغيرها من مناطق الجنوب، وكانت ثورة سبتمبر مقدمة لثورة أكتوبر، ثم عدنا إلى ردفان ومعنا الشهيد لبوزة، فطلب منا الضابط السياسي البريطاني في الحبيلين (ميلن) تسليم أنفسنا وأسلحتنا فرد عليه الشهيد لبوزة بكتاب وبداخله طلقة رصاص، معلنا بذلك بدء المقاومة المسلحة ضد المستعمر البريطاني، ومن ثم نشبت معركة بين أبناء ردفان والقوات البريطانية، استشهد على إثرها راجح لبوزة يوم 14 أكتوبر 63م، فتم اعتماد هذا اليوم يوم انطلاق الثورة.
وتواصلت المعارك مع قوات المستعمر المرابطة في ردفان والتي عمدت إلى استخدام كافة الأسلحة الجوية والمدفعية بهدف إخماد الثورة، ولكن الكفاح المسلح امتد إلى كافة المناطق في الضالع والحواشب والصبيحة ولحج وعدن وحالمين وغيرها، وشارك في النضال أبناء اليمن عامة. وما يلفت الانتباه أن البريطانيين أوجدوا لهم أكبر قاعدة عسكرية في ردفان واستخدموا القوة بهمجية وهستيرية فشردوا مواطني ردفان من منازلهم ومزارعهم ونزحوا إلى مناطق أخرى، وقد استشهد الكثيرون من أبناء ردفان وأصيب الكثير منهم، وتسببت لهم تلك الإصابات بإعاقات دائمة.. وأنا شخصياً مازالت آثار الرصاص في جسدي التي أصبت بها في إحدى المعارك التي خضتها في سيلة حردبة، وقد اعترف البريطانيون بشراسة أبناء ردفان في المعارك وأطلقت عليهم صفة (الذئاب الحمر).
*المناضل / ناصر صائل سلام
يقول المناضل ناصر صائل سلام: عند إعلان قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م كنت حينها جندياً مع بريطانيا، فهربت من الجيش البريطاني والتحقت بصفوف المناضلين ضد قوات المستعمر البريطاني في جبهة ردفان.. وفي العام 1965م كوّنت فرقة فدائية مكونة من (15) مقاتلاً، وكان التموين والسلاح يأتيانا من قبل المناضل بليل لبوزة، وكنت أستلم السلاح في وادي بنا وأدخله سراً إلى جبهة ردفان، وقامت مجموعتي الفدائية بزرع الألغام في طرق تحرك القوات البريطانية، إلى جانب قيامنا بخوض العديد من المعارك، وأتذكر معركة كبيرة خضناها مع مجموعة من جنود الاحتلال واستشهد فيها المناضل الحجيلي وأصيب كل من: حسين قائد وصالح حسين والحقبي، وعلى ناشر لصور وآخرين لم أعد أتذكرهم في هذه اللحظة.
ومن البطولات التي نفذناها قيام عدد من رفاقي بزرع لغم في مطار الحبيلين وأدت العملية إلى تحطيم طائرة بريطانية من نوع (Befrlee) «بيفرلي»، وقام بهذه المهمة الرفاق: صالح سريع وعلي حسين ومحمد ناشر ومحمد سالم، وشخص آخر استشهد اسمه الكبش.. وقد ساعدني جنود عرب في الدخول إلى المطار وزرع اللغم ولا يزال حطام الطائرة موجودا حتى اليوم.

ويضيف ناصر صائل: كذلك اشتركت في معركة الحبيلين، حيث كانت القاعدة التموينية للجيش البريطاني، ويومها كان الجنود والضباط لديهم عيد (الكريسمس)، وكانوا يشاهدون فيلماً سينمائياً، فهاجمناهم وقتلنا منهم عدداً كبيراً، فيما أصيب من فرقتنا شخص واحد فقط. وفي أحد الأيام كنت أنقل لغماً على الحمار من منطقة (نسك) إلى الحبيلين، وفجأة وأنا أسوق الحمار في الطريق قابلت الضابط السياسي البريطاني (ميلن) ومعه عدد من المشائخ الموالين لبريطانيا، فكانت مفاجأة كبيرة لي حيث التقيت بهم وجها لوجه، فقررت القيام بإبادة هذا الضابط ومن معه إذا اكتشفوا اللغم على ظهر الحمار فقفزت بسرعة وركبت فوق اللغم على ظهر الحمار، فتقدم الضابط السياسي (ميلن) ورد علي التحية ولم يلاحظوا ماذا كان فوق الحمار، ومر الموقف بسلام، وهذا اللغم زرعناه بغراف وانفجر بسيارة بريطانية وقُتل جنديان من الإنجليز.
ويسترسل المناضل ناصر صائل متذكراً المواقف البطولية التي نفذها قائلاً: أما الموقف الثاني وكان موقفاً محرجاً، عندما قمت بزرع لغم في وادي الربوة، وكان أخي يعمل مع الإنجليز في شق طريق وادي الربوة وأعطاني معلومات بأن هناك سيارة ستمر وفيها جنود إنجليز، وزرعت اللغم في طريق السيارة بناء على المعلومات من أخي، ولكن صادف أن الإنجليز قاموا بوضع عدد من العمال العرب في السيارة بمن فيهم أخي الذي كان على علم باللغم في طريق السيارة، فبقي في مأزق فهو إن نزل من السيارة فسيعلمون أنه على دراية باللغم وأن بقي فسيموت ولكنه صمم على البقاء في السيارة ومعه قاسم سريع وعيسى معبد، وقالوا حياة أو موت، فانفجر اللغم وأصيبوا بجراح وقتل اثنان من الإنجليز كانا في مقدمة السيارة.
كما أتذكر معركة حبيل المصداق، حيث كنت مسئولاً عن فرقة من (25) فدائياً إلى جانب (4) فرق أخرى بقيادة كل من سعيد صالح، ومحسن حسين ومثنى داعري وآخر، وكان على كل فرقة ليلة تقوم بالهجوم على قوات المستعمر، وفي الليلة التي كان الدور علينا أخذنا معداتنا وخرجنا من نفس الوادي فوصلت إلينا أخبار بأن أحد الجواسيس بلغ السلطات البريطانية بتحركاتنا، فما كان منا إلا أن غيرنا اتجاهنا إلى جبل الجلدة، وهاجمنا الإنجليز نهاراً وانسحبنا دون إصابات. وهذه بعض المواقف والمعارك التي يحضرني ذكرها في هذه اللحظة. نحن قمنا بواجبنا الوطني نحو بلدنا بهدف واحد وهو نيل الاستقلال وبناء مستقبل للأجيال من بعدنا، ولكن ما يحز في النفس أن العديد من المناضلين ماتوا ولم ينالوا حتى مجرد التعازي، فالدولة لم تقم بواجبها في رعاية المناضلين وأسر الشهداء، ولم تقم بكتابة تاريخ الثورة بإخلاص وأمانة.

*المناضل / سعيد أحمد ثابت
بدأ سعيد في الحديث قائلاً: في عام 1962م تحركت مع مجموعة للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر، وقاتلنا الملكيين في جبال المحابشة وجبل المفتاح، واستشهد عدد من رفاقي أذكر منهم: صالح طاهر وشقدف العبدلي وأصيب محسن جبران وآخرون.. وكان الشهيد الكبسي قائداً للحملة كلها، ومن ثم عدنا إلى إب لحضور اجتماع كبير للمناضلين بمن فيهم الضباط الأحرار، ودار الحديث حول فتح مكتب لجبهة الجنوب في صنعاء، وقام الكبسي بتمويلنا ببعض الأسلحة والقنابل والذخيرة، وأتذكر عندما قال راجح لبوزة للكبسي: هل عندما نعود إلى ردفان نقوم بعمليات عسكرية ضد الإنجليز؟ فرد عليه الكبسي: ابقوا في بيوتكم، ولكن إذا اعتدوا عليكم فاعتدوا عليهم، وعدنا إلى ردفان وفور وصولنا جاءنا خطاب الضابط السياسي (ميلن) بتسليم أنفسنا وأسلحتنا، فرفض لبوزة ورد عليه بخطاب وضع بداخله طلقة رصاص، فحدثت المعركة بيننا وبين القوات البريطانية.. وقام لبوزة بتقسيم المناضلين إلى عدد من الفرق وكان عددنا بحدود (200) مقاتل وتوزعنا على عدد من المواقع، فكانت أول معركة يوم 14 أكتوبر 63م، واستمرت من الصباح إلى المغرب، وكانت القوة البريطانية عبارة عن كتيبة مدعومة بالمدفعية والدبابات والطائرات، وكان ضمن القوة جنود من الليوي، ومع المغرب بدأ الإنجليز بالانسحاب، فقام راجح لبوزة وتقدم على أساس يقوم بمهاجمة القوة المنسحبة وكانت هناك (6) طائرات تحوم فوق سماء المعركة فأعطت التعليمات للمدفعية بقصف الموقع الذي يتواجد فيه لبوزة، وتم القصف فاستشهد بشظايا القذائف، وجاء الظلام فعدنا به إلى وادي عبادة وقبرناه هناك. بعدها كادت معنويات المقاتلين أن تتضعضع بحكم عدم وجود قائد، وتم تحرك المناضل بليل لبوزة ومعه نصر بن سيف إلى الشمال لإحضار اسلحة وذخائر، كما حضر المناضل سيف مقبل ومعه كمية من الذخائر واستدعانا إلى ذي ردم، ومن هناك توزعنا ثلاث فرق للهجوم على قاعدة الحبيلين وعلى حردبة ونفذنا المعركة في الحبيلين ومعركة أخرى في وادي ربوة وجبل البدوي، ومن ثم اشتدت المعارك في جميع المناطق. وأصدرت بريطانيا أمراً بطرد أبناء ردفان من الخدمة العسكرية وكثفت حملتها على جميع مناطق ردفان، وشُرد المواطنون إلى يافع وأبين وبلاد العلوي، فتم نقل قيادة المناضلين إلى دبسان بقيادة بليل لبوزة، وهناك وقعت حادثة مأساوية، وهي أن امرأة من بلاد البكري عندما قُصف منزلها أخذت ابن الغنمة وتركت ابنها الرضيع يموت وهربت، بعد ذلك نقلت القيادة إلى كنضارة بعد الانقسام بين جبهة التحرير والجبهة القومية، ولكن المناضلون واصلوا كفاحهم ضد المستعمر حتى قيام الاستقلال في نوفمبر 1967م.
كتب / علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى