التربوي الفاضل والفنان المبدع رائد فن المولونوج عثمان عبدربه مريبش

> فضل القسمة

> الفنان المبدع عثمان عبدربه عبدالله مريبش، من مواليد (شقرة) ساحرة أبين عام 1941م، تلقى تعليمه الابتدائي في (شقرة)، وفي عام 1956م التحق بقطاع التعليم معلماً في مدارس سلطنة يافع بني قاصر للفترة من (1956 - 1966م).
وخلال عمله في قطاع المعارف اكتسب حب تلاميذه وحُب المجتمع، حيث استطاع أن يحقق نجاحاً في عمله التربوي والتعليمي من خلال أدائه المتميز في تقديم المادة، وفي الاهتمام بالأنشطة المدرسية لبناء شخصية الطالب معرفياً وجسمانياً وروحياً وسلوكياً، من خلال تنمية القدرات وصقل المواهب ومختلف أشكال الإبداع.
وعلى يديه تخرج جيل الأمس، فقد كان لنا التربوي الفاضل والمعلم الفذ والأب الحنون والقدوة الحسنة، تعلمنا منه ومن زملائه الأفاضل الرعيل الأول حب العلم والعمل والوطن وتقديس المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية.
الأستاذ عثمان عبدربه من أولئك المبدعين ذوي المواهب المتعددة، فهو: التربوي والشاعر والكاتب والفنان الملحن والمطرب المونوجست، والمثقف الوطني.
وفي مجال العمل تحصل على دورة قصيرة لمدة عام في (ألمانيا) عام 1975م في الإخراج المسرحي. كما شغل منصب مدير عام مكتب الثقافة عام 1988م بأبين.
مشوار حافل بالنجاح في العمل والإبداع الفني
*النشاط الإبداعي
لقد كان من أولويات مدرسة الأمس الاهتمام بتربية الطفل وتعليمه كمحور أساس في عملية التعلم وعنصر فاعل في بناء المجتمع لأن في رقيه رُقيا للأمة وتقدما للبلاد، وفي إهماله ضياع للأمة وتأخر للأوطان، فأولت هذه المدرسة إلى جانب تقديم المعارف والعلوم تطوير مدارك الطالب المعرفية وتطوير الشخصية الطلابية المتعددة الجوانب من خلال النشاط المدرسي.
وفي هذا المناخ المدرسي الصحي تولى الأستاذ (مريبش) النشاط المدرسي بالعناية والاهتمام، وبدأ تكوين الفرق الفنية المدرسية من الطلاب الموهوبين، فأقام النشاط التمثيلي والمسرحي المدرسي.
*البداية الفنية
لعل البداية الفنية كانت من المدرسة (مولونوج غنائي فكاهي)، كلمات المولونوج (تحريف) بقصد الفكاهة لكلمات الأغنية الوطنية المصرية التي تغنى بها الموسيقار محمد عبدالوهاب والمجموعة بمناسبة قيام الكيان الوحدوي (الجمهورية العربية المتحدة) بين مصر وسوريا (1958 - 1962م).
تقول كلمات الأغنية المصرية:
وحدة ما يقبلها غلاب ** تباركها وحدة أبطال
وكلمات المولونوج المحرّفة:
كعدة ما يغلبها غلاب ** يأكلها سبعة أبطال
تغنى بها الثلاثي : (الطالب/ محمد منصور/ سعيد/ صالح عمر الكبش، وقائد عوض الرهيني) في الحفل الختامي لأعمال السنة الدراسية (61/62م) على مسرح المدرسة الابتدائية الجنوبية/ بجعار.
وفي مساء اليوم الثاني كان الرد قاسياً ومتسرعاً من قبل المعلق السياسي الشهير أحمد سعيد من صوت العرب من القاهرة من ثم مونولوج آخر غنائي بمناسبة افتتاح مشروع كهرباء ابين في مدينة جعار (البارهوس) ومن كلماته التي نذكرها:
لابيت قازة ولا فانوس
النور واجي من البارهوس
يلص السراج من دون علاج
ياسلام سلمّ على البارهوس
وفي هذا المجال الإبداعي الفني أظهر الفنان الشاعر التربوي (عثمان مريبش) تميزاً وتفرداً في فن المونولوج ومن خلاله عبر الفنان عن جوانب هامة من حياة المجتمع، عاش هموم ومعاناة الناس، وغاص في النفس البشرية وحلك شخوصها وسبر أغوارها «فأنتج لوحة فنية مسرحية أخاذة، هي مأخوذة من الناس، وقدمها للناس بعد أن وضع مبضعه على موطن الألم وفنّد الداء وحدد الدواء فكان نِعم المربي والمثقف والناقد.
وهكذا صدع صوته في كل الأرجاء وعبر الأثير: (إذاعة عدن / صنعاء/ جيبوتي).

يقول الفنان (مريبش): «المونولوج فن كوميدي ساخر أو بالأحرى كاريكاتوري غنائي، عالج ويعالج الكثير من المشاكل والظواهر المرضية الاجتماعية، وبأسلوب تربوي تثقيفي وفكاهي بغية التشويق، وأدى ولا زال يؤدي رسالة اجتماعية مباشرة اتخذت طريقها إلى عقول وآذان مستمعي هذا الفن.
وقد ارتكز المونولوج في بلادنا على قصيدة موزونة موزعة على كوبيلهات لحنية بقافية واحدة معظم الأحيان، أما ألحان المونولوج فلا تجري على وتيرة واحدة بل تتنوع وفقاً للمعاني والأبيات، ويمكن للمونولوج أن يكون له أكثر من مقام موسيقي، كما يمتاز المونولوج أثناء أدائه على المسرح بالايماءات والإشارات والحركات المعبرة بغية توصيل المعنى، وتوضيح الكلمات لتحقيق الهدف.
وأول هذه الأعمال الفنية المسجلة مونولوج (بالحراوة ياعيلة) تم تسجيله في إذاعة عدن في بداية الستينات من القرن الماضي، عالج من خلاله الفنان المبدع قضية غلاء المهور، المعضلة الاجتماعية التي كان يعانيها الشباب وقتذاك، ويصور الحوار بين الأب والخطيب الذي لا يستطيع أن يدفع أكثر من ألفي شلن، ويرفض الأب ذلك ويطالبه بدفع عشرة آلاف شلن، وينتهي الحوار بمأساة، كبرى:
طول عمري ونا أشقى
بالحراوة ياعيلة
جيت لا عند بوها
جاب هدرة طويلة
قال هيّا تفرتش
لا معك شي دويلة
قلت ألفين ياعم
قال هذه قليلة
عشرة آلاف ادفع
بالوفاء يا هبيلة
وعشر جنيات للأم
خاف ترضى بحيلة
وألف للخال والعم
في شروع القبيلة
يالله هيا توكل
شوف بنتي أصيلة
قلت يا عم اسمع
ليس قصدي أصيلة
ما عليّ من الحُسن
أو قصيرة طويلة
الشرف هو مرادي
والخصال النبيلة
ذا الطمع ماسمعته
في قصص ألف ليلة
قال لي روح دوّر
لك على شيل بيلة
ذه بنات القبائل
أصل ماشي دخيلة
جيت للناس شاور
قالوا اترك سبيله
سيبه شوف ثاني
قلت ما قدر بحيلة
بعد مدة يقولوا
البنت قدها ثقيلة
راح بوها إلى القا
ضي يسحب رجيله
راح بالغصب يعقد
للنهاية الرزيلة
هكذا من تعصب
والنبي ويل ويله
ومونولوج (تصرف مشبوه) يعالج الفنان الشاعر من خلاله ظاهرة اجتماعية أضحت اليوم متفشية في مجتمعنا، يصور تصرف الموظف ذي الدخل (الراتب الضئيل المحدود) والصرفيات الكثيرة التي يصرفها مما يجعله في دائرة الشبهة، وهذه بعض الأبيات:
عاطف موظف زميلي
وراتبه في الثلاثين
تصرفه غير عادي
خلى رفاقه مجانين
شفناه شعفر وطعفر
سينا حساب بيننا بين
عشرين دينار مصروف
من راتبه يخصموا الدين
والكهرباء لا تأخر
دينار في كل شهرين
والماء كم يحسبوا له
وجعث أسرة وتسكين
يومي غذاه في المطاعم
والقات حقه بخمسين
والليل يسري سرية
مالي درى سهرته وين
والشهر بدلة جديدة
وموتر حكومي وبنزين
ومصدر الرزق هذا
لا عاد علبه ولا طين
أما مونولوج (الخنفسة) يعالج ظاهرة اجتماعية خطرة (ظاهرة التقليد الأعمى لموضات الغرب) تقليد بعض شبابنا المسلم للمظاهر الشكلية من حضارة الغرب (كالتشبه بالنساء في الزي، واسترسال الشعر، أو المظهر العام) الذي يتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي، ويضعف الشخصية الوطنية والقيم الأخلاقية الغربية الإسلامية.
يا وليد شوه ذه الخنفسة
كفى سخافة وكركسة
عمرك كمل في المدرسة
راسب وسيبت الدروس
كل اهتمامك بالشعر
يطول وظفرك يستمر
واحمر شفايف والقطر
والحلق مطوي بالسلوس
******
الشارلستون تلبسه شعار أهل الخنفسة
وقميص اصبا تكلسة ضيق وافكارك تطوس
******
لما تشوفه تنكره تقول والله إنه مرة
زاد عرف البودرة والعطر من جسمه ينوس
*******
مشيته ميوعة وبهذلة يهوين ومن المرجلة
واحنا نبا في المرحلة شباب رافع للرؤوس
****
واسمه الحقيقي يقلبه يختار اسماء مقلعبة
ماشفت شيء مثله شبه وكماه من مرضى النفوس
***
ومن القضايا الهامة التي عالجها الشاعر الفنان قضية الخلاص من الأمية الإرث الاستعماري، وفي هذا المونولوج (محو الأمية يدعو الجميع (رجالاً ونساءً) للالتحاق بصفوف محو الأمية لتحصيل العلم والمعرفة، لنقل المجتمع من ظلام السنين (الجهل) إلى نور العلم رسالة الرسل والأنبياء، رسالة اقرأ.
وترى الفنان (عثمان عبدربه مريبش) يعالج هذه القضية بطريقة تربوية، مع بيان الأدلة الدافعة، وهذه كلمات المونولوج:
ما اشتيش مقيل ولا با قات خلاص يكفنا شتات
لما متى لما الممات؟ سكم بكم دايم دوام
فكوا صفوف للأمية بعد العمل في العصرية
وسط المدن والبادية وباتستمر في كل عام
****
وانتي انشري يا آنسة هناك فكوا مدرسة
يكفي الحشوش والهسهسة قد انتهى وقت الكلام
******
أمك وبوك يتعلموا أيوه ! نعم با يفهموا
هم للوطن ذي يخدموا عاد الكبير يعرف تمام
*********
العلم مافيه محال هوه للنساء هوه للرجال
حتى النبي أوصى وقال العلم واجب والتزام
**********
جبريل أول مانزل اقرأ طلب قبل العمل
هذا لنا أروع مثل أوضح لنا مفهوم عام
- ومونولوج (إلى مَن يهمه الأمر) يصور معاناة الكثير من أسر الشهداء ومناضلي حرب التحرير، الذين قدمّوا أرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل انتصار قضية الثورة وتحرير الوطن من الاستعمار البريطاني، ولم تجد أسر هؤلاء المناضلين من المسؤولين الرعاية والاهتمام وتحسين أحوالهم المعيشية، وتسوية رواتبهم لمواجهة متطلبات الحياة، وهذه أبيات مختارة تصور حجم المعاناة، والفوارق الاجتماعية بينهم وبين أولئك المسؤولين ولاه الأمر:
كم شهيد ضحى بدمه ماله غير أمه
والرعاية أيش همه كيف هذا ياعربتوا
***
والمناضل ياحبايب ضاع عمره في غلايب
وانتوا في أعلى المناصب فوق هذا مافهمتوا
*****
مسكني وسط المحاريق وانتوا حليتوا معاشيق
كم صبر يومي على الريق واتقوا من جوعه شبعتوا
****
في الخطب ماشي كماكم بس كفى ربي عماكم
بس نحن أيه نباكم لا قده سابر خشفتوا
*********
انظروا حال اليتامى وابحثوا هذا علام
ضحى بوه من أجل ياما مش على ظهرة ركبتوا
وامنحوا حسب الزيادة للأسر لأجل السعادة
والعطاء والبذل عادة لأجل ذا ثرنا وثرتوا
****
ذه قضية من قضايا بعض من أسر الضحايا
في الختام ياهل السجايا عفوكم لانتوا زعلتوا

ومن المونولوجات الحادة (الاستعمار والثورة) كلمات (أحمد عباد الحسيني) لحن وأداء: عثمان عبدربه، ويصور الشاعر في هذا المونولوج معاناة الشعب في الجنوب في صور ثلاث:
* حالة الفقر والجوع والمرض (الثالوث البغيض).
* حالة الطوارئ.
* المقاومة المسلحة التي أجبرت المستعمر على الرحيل والجلاء في الثلاثين من نوفمبر 1967م. نختار من كل مقطع صورة لتلك الحالة:
قرن والثاني قده باينتصف آيه سوى الانجليزي لجلنا
فقر يعمي جهل يصمي داء يسف فوق هذا قطعت أوصالنا
***
كل هذا والطوارئ معلنة ليلة حضر التجول من يحين
هات ياتفتيش شغل الملعنة عن طريق الباب او متسلقين
في الشوارع جندها متكبته والحوافي يعبروها نارشين
ذا تزف به وهذا تسجنه رأس مربط خناق من جور الشحين
****
لاجل هذا قامت الثورة تهد صرح لستعمار واللي يسنده
كل ليلة جنب منه يرتعد عاشت الثوار ذي هيه ترعده
بالبر بالهاون بالزند الجلد بالأمل في النصر ذي احنا نقصده.
وللفنان المبدع عثمان عبد ربه بصمات في فن المسرح، كتب وأخرج عشر مسرحيات كوميدية منها: (فرجها ياعم أحمد، تفلتهم تباخر، من جيز البل يابعير، من جرى عليها سار، من حرد يجيب رأسه طير.. وله «ديالوج الأمل» في ديوانه (بالحراوة ياعيلة) يعالج في أسلوب حوار جميل بين زوج وزوجته حول التحاقهما بمراكز محو الأمية. ويتكون الديالوج من أكثر من عشرين مقطعاً شعريًا باللهجة العامية متنوع القوافي كل قطع مكون من ثلاثة أشطار بقافية موحدة، والشطر الرابع تنتهي قافيته بروي (النون) في جميع المقاطع.. نختار من هذا الديالوج
سعيد:
الليل يا سعدية
كيه فرشي الشبرية
ذا القات بأربع مية
بيت المداكي حصون
* سعدية:
عاد شي معنا خبر
إلا العمى والجهر
كملت مافي الكمر
من غير ذي هي ديون.
ويتواصل الحوار بينهما، وتلحق (سعدية) بصفوف محو الأمية ويتخلف (سعيد) عن الالتحاق، ويعارض ذلك ويعده عملاً مستحيلاً، لكن عندما قرأت (سعدية) رسالة ابنها المهاجر أذعن (الزوج سعيد) للأمر واعترف بالخطأ، فذهب واثق الخطى للدراسة في صفوف محو الأمية.
سعيد:
باقرأ وبدرس كمان
في حينا والمكان
زمان والله زمان
عشنا به جاهلين
* جميعاً:
بالعلم تحيا الشعوب
وتطمئن القلوب
وبالنضال الدؤوب
لموطني مخلصون
وبهذه الأعمال الفنية (المونولوج والديالوج والمسرحية)
استطاع الفنان المبدع عثمان عبدربه مريبش أن يعالج الكثير من الظواهر المرضية الاجتماعية السائدة في مجتمعنا بأسلوب تربوي تثقيفي هادف ذي طابع كوميدي فكاهي ساخر بغية التشويق لتوصيل المعنى في يسر وسهولة لإصلاح أحوال الناس ومبيناً الأخطار والعواقب الوخيمة جراء هذه الظواهر السلبية.
لقد قدم الفنان المبدع لوحة فنية متقنة ممتعة في فن المونولوج يستحق أن يقال عنه بأنه رائد هذه المدرسة الفنية بلا منازع، بل بامتياز.
وأختم هذا المقال عن فن المونولوج الغنائي لديوان الفنان عثمان عبدربه مريبش (بالحراوة ياعيلة) بهذا الحديث الذي ذيله الفنان في مقدمة ديوانه يقول : «ونحن اليوم نعيش في ظل مناخات ديمقراطية نطالب الإخوة في أجهزة الإعلام بإطلاق سراح هذا الفن الذي شهد عصره الذهبي في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، لكونه أكثر فاعلية في التعبير عن قضايا المجتمع ونقدها ، ولفت أنظار الناس إلى سلبياتها وكذا خطورتها وانعكاساتها على حياتهم ومستقبلهم».
فضل القسمة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى