أبو دلامة في بلاط الأمراء

> محمد حسين الدباء

> أبو دلامة هو زند بن الجون الأسدي الكوفي العبد المولّد الحبشي، وكان جيد الفصاحة والبلاغة يحب الفكاهة والظرافة، روي أنه كان مولى لبني أسد، وقال بعضهم إنه كان أعرابياً أو عبداً لرجل من أهل الرقة شرقي سوريا الآن على الفرات من بني أسد فأعتقه.
وطرائف أبي دُلامة كثيرة، ومنها أنه دعاه أمير الكوفة روح بن حاتم المهلّبي ذات مرة إلى النزول في حلبة القتال أمام أحد الفرسان، فرفض أبو دُلامة لأنه لم يكن يدري ما القتال وما الطعان ولا الضراب وخاف وارتعد، لكن الأمير أصرّ، فلما رأى أبو دُلامة إصرار الأمير قال: «إني جائعٌ فأطعمني، فدفع إليه خبزاً ولحماً، وتقدّم فهمّ به الرجّل، فقال له أبو دلامة اصبر يا هذا أيّ محاربٍ تراني؟، ثمّ قال أتعرفني؟ قال الفارس لا، فقال أبو دلامة فهل أعرفك؟ قال لا، فقال فما في الدنيا أحمق منّا ودعاه للغداء، فتغدّيا وافترقا، فسأل روحٌ عمّا فعل، فحدّث وضحِك ودعا له فسأله عن القصة فقال:
إنّي أعوذ بروحٍ أن يقدّمني
إلى القتال فتُخزى بي بنو أسد
آل المهلّب حبُ الموت ورثكم
إذ لا أورث حبَّ الموتِ عن أحد
وحدث مرة أن الخليفة علم أن أبا دُلامة خرج من عنده وشرب وسكر، فأرسل الخليفةُ من اعتقله وهو سكران، وأمر السجّان بأن يضعه في حظيرة الدجاج في السجن، فلما أفاقَ وعرف بالخبر كتب للخليفة شعراً يقول:
أميرُ المؤمنين فَدَتك نفسي
ففيمَ حبستني وخرقتَ ساجي
أُقاد إلى السجونِ بغير ذنبٍ
كأني بعضُ عُمّال الخراجِ
فلو معهم حُبِسْتُ لهان وجدي
ولكنى حُبستُ مع الدجاجِ!
فضحك الخليفة وأطلق سراحه.
وكان المنصور مع بخله وتقتيره يضطر لإعطاء أبي دلامة جوائز مالية خصوصاً وأن الرجل كان لا ينفكّ يطالب بالعطاء والهدايا في كل مناسبة، وقد دخل على المنصور وأخبره بأن زوجته قد ولدت له ابنة، فقال له الخليفة وما تريد؟ قال أريد أن يُعينني عليها أمير المؤمنين، وأنشده:
لو كان يقعدُ فوق الشمس من كرمٍ
قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس
ثم ارتفعوا في شعاع الشمس كلكم
إلى السماء وأنتم أقرب الناس
فقال له الخليفة: فهل قلتَ في ابنتك شيئاً؟ قال نعم قلتُ:
فما ولدتك مريم أم عيسى
ولم يكْفُلْكِ لقمان الحكيم
ولكن قد تضُمك أمّ سوءٍ
إلى لبَّاتها وأبٌ لئيم
فضحك الخليفة فأخرج له أبو دلامة كيساً من قماش فأمر الخليفة بأن يملأها له دراهم، فاتسعت لألفي درهم ثمناً لشتم أبي دلامة نفسه ولمدحه الخليفة.
لم يكن أبو دلامة يتحرج من ذم نفسه إذا وقع في مأزق يضطره إلى ذلك، فقد دخل مرة على الخليفة المهدي وعنده أكابر رجال الدولة والأسرة العباسية، مثل إسماعيل بن عليّ وعيسى بن موسى وغيرهم من بني هاشم، فقال له المهدي «أنا أعطي الله عهدا لئن لم تهجُ واحدا ممّن في البيت لأقطعنّ لسانك، فنظر إليه القوم وغمزه كلّ واحد منهم بأنّ عليّ رضاك، قال أبو دلامة فعلمتُ أنّي قد وقعتُ، وأنها عزمة من عزماته لا بدّ منها، فلم أرَ أحدًا أحقّ بالهجاء مني، ولا أدعى إلى السلامة من هجائي نفسي، فقلتُ:
ألا أبلِغْ لديك أبا دُلامة
فلستَ من الكِرامِ ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قردا
وخنزيرًا إذا خلع العمامة
جمعتَ دمامةً وجمعتَ لؤمًا
كذاك اللؤمُ تتبعه الدمامة
فإن تكُ قد أصبتَ نعيم دنيا
فلا تفرح فقد دَنَتِ القيامة!
فضحك القوم ولم يبقَ منهم أحد إلّا أجازه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى