القضية القومية في شعر الأمير القمندان

> محمد فاضل حسين

>
محمد فاضل حسين
محمد فاضل حسين
كتب الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المعالج في كتابه «شعر العامية في اليمن» أن الشعر اليماني فصيحه وعاميّه وحتى نهاية القرن التاسع عشر كان بعيداً عن مساحات الصراع السياسي بأشكاله الحزبية والوطنية والقومية، منحصراً في إطار الأغراض التقليدية الموروثة للشعر العربي من مدح، وفخر، ورثاء، وهجاء، وغزل.. بيد أن هذا الوضع الذي أقرَّه الباحث الدكتور عبدالعزيز المقالح قد شهد تغيراً كبيراً وسريعاً منذ بدايات القرن العشرين عندما ظهرت صفحات الشعر السياسي بشكليه القومي والوطني على يد الشاعر القمندان، بما كتب من قصائد تناول فيها قضايا النضال الوطني والقومي ضد الاحتلال التركي أثناء معارك الحرب العالمية الأولى والتي امتدت مساحتها إلى اليمن والوطن العربي.
ويبين ديوان الأمير أحمد فضل محسن القمندان «المصدر المفيد في غناء لحج الجديد» أن أقدم قصائده قد كتبت في عام 1333 هـ وتناول فيها أخبار زحف الجيش التركي من شمال اليمن باتجاه مناطق الجنوب «إمارة لحج» وفي هذه القصيدة عبر الشاعر عن احتجاجه الشديد تجاه هذا الغزو، ودعا إلى القتال ضد الأتراك ورفض أساليب الخضوع والطاعة والاستسلام، وهدد الأتراك وتوعد بإلحاق الضرر الكبير بجيشهم.
يقول القمندان: ص (30)
يمين الله ربي لو تقدم
على أرض الشوافع وا عذابه
وبا تروى أروض الله بالدم
وبنا من وصل نتف شنابه
وبنا في سيارة بنتقسم
وبا نلقي بيارق من ثيابه
ويتناول الشاعر القمندان في قصيدة أخرى تراسل بها مع الشيخ علي عبدالله بن هرهرة اليافعي (ص 32) وصفاً للحشود البريطانية في مدينة عدن لمواجهة الجيش التركي، الذي تمكن من إسقاط مدينة لحج والحواشب خلال الجولة الأولى من المعارك. ونجد القمندان، برغم الهزيمة يفتخر بما قامت به أسرة (آل محسن) سلاطين لحج من دور كبير في قتال الأتراك، وما قدمت لحج من تضحيات، ونجده يؤكد حتمية هزيمة الأتراك في نهاية المطاف.
يقول القمندان:
أنا يا خال لا هايب ولا افزع
فعلنا بكلنا ولي خفي بان
كفانا فخر لو قالوا تسمع
خبر حرب ابن محسن وابن عثمان
وما شاي عذر باروح وبارجع
غدا الحوطة وسي للحكم ديوان
وتناول الشاعر في هذه القصيدة أخبار النضال العربي ضد الاستعمار التركي مشيراً إلى الدور الكبير الذي يقوم به الشريف حسين في النضال ضد الأتراك ومساعيه لتحرير الوطن العربي واستعادة وحدته ومجده.
يقول القمندان:
وشي جاكم خبر سبط المشفع
ملك أم القرى ذي قام بالشام
ملك مكة وما جاور ومطلع
وصل لما المدينة يطفح الخان
وخلى بقعة الأتراك بلقع
ونتلهم زونهم ذي بلثبان
وكسر كرسي القانون لشنع
وقام الشرع سا مصحف وقرآن
وتناول الشاعر القمندان في قصائد أخرى أخبار المقاومة العربية للأتراك في الشام والعراق والنجاحات المحققة لهذه المقاومة، وعبر عن سروره وابتهاجه، بل واحتفاله مع أبناء عدن بهذه النجاحات.
يقول القمندان: (ص 47)
بغداد يا دار الخلافة دار جعفر والرشيد
الطار بشرنا فعلنا في عدن مولد وعيد
قم يارسولي سير عاني وخبر الباشا سعيد
قول البوش فروا وقد خلوا المدافع والحديد
بغداد فيها جيشنا كم من أسد صنديد جيد
وصحابكم اتشتتوا من نارنا راحوا بعيد
حملات في كوت العمارة صيتها لما زبيد
بسيوفنا في الحرب قطعنا الحناجر والوريد
ظلت عيال الهند في الايوان والقصر المشيد
وخيلنا فوق الرصافة ترعد الدنيا رعيد
وينتقد الشاعر الحكم التركي ومعاملته الاستعمارية البشعة للعرب:
وحكمكم في الأرض نكد بالرعية والعبيد
وفي دمشق الشام ذبحتوا العرب كم من شهيد
وعند قبر المصطفى الشنق حاصل والوعيد
وخلال سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى تناول القمندان في أشعاره القضية القومية ولكن كتاباته الشعرية خلال هذه السنوات جاءت حزينة جداً متحسرة ومتألمة لما تعانيه الأمة العربية من فقر وجهل وتمزق وظلم وتأخر عن مسار الركب الحضاري. ووجه انتقادات لاذعة إلى الحكام العرب لإهمالهم حال أمتهم.
يقول القمندان: (ص 22)
أمة المختار وا لهفي لقد
خيم الجهل عليها وجثم
ويقول: (ص 22)
من لقحطان وعدنان إلى المجد داع بالهدى بالناس من
إن قلبي لم يزل في أضلعي كما حس شقاء العرب أنْ
إن هذه النماذج وغيرها الكثير مما ورد في ديوان القمندان إنما نرى فيها ما يكفي لإثبات ميلاد الشعر السياسي القومي في اليمن على يد الشاعر الأمير أحمد فضل محسن القمندان كأول شاعر يتناول القضية القومية، وأول شاعر يربط بين الشعر وأحداث عصره في الشعر العامي والفصيح على السواء.
وهذا الإنجاز المحسوب للقمندان إنما يعكس عمق الرؤية لديه، وسعة اطلاعه على مجريات أحداث عصره، وشدة تفاعلة مع مجرياتها.
* بحث تستعرضه «الأيام»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى